تستضيف قاعة "إبداع للفنون" في حي الزمالك بالعاصمة المصرية القاهرة، معرض "ملف شخصي" للنحّات العراقي علي نوري، إلى غاية 3 نوفمبر المقبل.
تتنوّع خامات الأعمال التي يطوّعها نوري، المقيم في القاهرة، لتجسيد محطّات حياته، والإجابة عن تساؤلات عمّا يبقى من الإنسان بعد انخراطه في صراعات الاضطهاد والظلم، وصعوبة مفهوم الحرية.
علي نوري فنّان عراقي من مواليد بغداد عام 1965، تخرّج من كلّية الفنون الجميلة في العراق، وأقام عدداً من المعارض الفردية بين بغداد والقاهرة، فضلاً عن مشاركته في عدد من الملتقيات النحتية العالمية في مدنٍ عدّة. اشتهر بتصميم "نصب الشهيد" في كلّ من كربلاء وبغداد.
أطروحة فلسفية
تلعب الخامات المتباينة للأعمال دوراً في إبراز التناقص ما بين الملمس والشكل، وتحتفظ الأعمال الجرانيتية بحالة الانسيابية، فيما تتميّز الأعمال البرونزية بالملمس، مع اختلاف الألوان وأنواع الطلاء الذي يمنح كلّ قطعةٍ فرادتها.
وعلى الرغم من أن الفنّان آثر أن يترك للزائر مهمّة تأويل الأعمال التي جاءت غير معنونة، تعرّف بها التفصيلات التقنية والأبعاد والخامات، غير أن اللمحة الذاتية حاضرة ولا يمكن تجاهلها.
فالأعمال في "ملف شخصي" تجسّد رحلةً إنسانية تعكس مرحلة الشباب والانفتاح على الحياة، ثم "التورّط" في أزماتٍ وجودية.
ويرى نوري، في حديث لـ"الشرق"، الأمر على نحو مغاير، إذ يعتبر أن كلّ معرض للفنّان التشكيلي، والنحّات على وجه التحديد، يعدّ بمثابة أطروحة فلسفية، تجسّد مرحلة معيّنة من حياة الفنّان.
سيرة الفنّان الإسباني ميرو
يًسقط نوري الأفكار السابقة على مشروعه النحتي، لافتاً إلى أن كلّ معرض شارك فيه، عكس همّاً خاصّاً سيطر على اللاوعي الخاصّ به.
وأضاف: "في بغداد عكست معارضي الحياة التي نعيشها هناك، وأحياناً يتحوّل الموضوع المحلّي إلى عالمي، فحرب العراق مثلاً كان لها نصيب من معارضي، وجسّدتها في معرض عن الكراسي، وتيمة السلطة والصراع والحرب".
وبالتزامن مع نزوعه للاستقرار الشخصي والزواج، سيطرت على وعي نوري "النوافذ"، فكان إطار النافذة، المربّع أو المستطيل موحياً بالاستقرار والأمل، والعثور على السكن أخيراً.
انطبقت المفاهيم السابقة على معارض نوري في القاهرة أيضاً، ففي حين شهد العالم موجة هجرة إلى أوروبا بوصفها "الأرض الموعودة"، جاء معرضه "الهجرة والثبات" في دار الأوبرا عام 2010، وتفاعل مع الاضطرابات المسيطرة على العالم، ليخرج إلى النور معرضه "اضطرابات" (القاهرة - 2020).
أما فكرة "الملف الشخصي" فخطرت له حينما كان يقرأ سيرة الفنّان الإسباني ميرو، وكيف أعدم في سياق الحركات الثورية، ليلفت انتباهه الملف الشخصي للفنّان.
ويضيف نوري: "اكتشفت أن أعمالي تعكس جزءاً من حياتي، وحينما انشغلت بفكرة العائلة، كانت تلك فترة زواجي، كما انشغلت في مرحلةٍ ما بالبطون المنتفخة والمرأة الحامل، وكان ذلك بالتزامن مع ميلاد أولادي".
وبالرغم من الذاتية الشديدة لـ "الملف الشخصي"، إلّا أن نوري يفضّل ألا يسلب المتلقّي دوره في التأويل، ويقول: "أنا أترك للمشاهد أن يفهم العمل ويحلّله".
أعمال برونزية
ويعبّر نوري عن تفاعله مع الخامتين الجرانيت والبرونز، معتبراً أن "البرونز كان مشروعي في مصر، واستطعت عبره أن أكثّف الملمس في الطين، على نحو يتماس مع كثافة الملمس في المدرسة الوحشية، وبحكم الخبرة، طوّرت مهارة أستشفّ عبرها مظهر التمثال بمجرد النظر إلى الطين".
وأضاف: "من ناحية أخرى، تختلف خامة الجرانيت بشكلٍ كبير، فالكتل الحجرية، صعبة ومرهقة، وهي التي كرّست لها القسم الأكبر من مسيرتي النحتية، لينازعها مشروع البرونز أخيراً".
ويختم الفنّان العراقي: "طيلة رحلتي الفنية، حاولت التفاعل مع الخامات كافّة، لم أترك واحدة ولا تقنية إلّا وجرّبتها، لكن حتى تظهر تلك التجارب في معرض شخصي، لابد وأن تصل إلى مرحلة تقنع المتلقي، المثقف فنّياً بالذات، بأنني أجدت في استخدام تلك الخامة".
شاهد أيضاً: