التوليب عبر القرون.. نذير الربيع ومصدر إلهام الفنانين

لوحة بعنوان: "لا تزال الحياة مع الزنبق" في متحف ستوكهولم للفنون - nationalmuseumse.iiifhosting.com
لوحة بعنوان: "لا تزال الحياة مع الزنبق" في متحف ستوكهولم للفنون - nationalmuseumse.iiifhosting.com
دبي-الشرق

مع دخول فصل الربيع وموسم الأزهار والثمار، تنشر "الشرق" دراسة خصصتها صحيفة "آرت نيوز" للمناسبة، واكبت فيها انتشار الأزهار الملونة، وخصوصاً منها التوليب عبر قرون من الفن والثقافة.

أصبح التوليب مصدر إلهامٍ دائم للفنانين، ورمزاً مرتبطاً بفصل الربيع، نابضاً بالحياة ومستوحى من الطبيعة. لكن وجود التوليب في الحياة والفن يطرح سؤالاً حول مصدره الأصلي، وأهميته التاريخية والثقافية، وكيفية تطوّر توظيف الفنانين لهذا النوع من الزهور في أعمالهم على مرّ القرون. 

تكشف الدراسة عن موطن هذا النوع  الأصلي من الزنبق، و هو في سلاسل جبال آسيا الوسطى في Tien-Shan و Pamir-Alay، وهي منطقة تقع بين طاجكستان الحديثة وأفغانستان وباكستان وأقصى غرب الصين. من هنا، انتشرت الأزهار البرية على نطاق واسع، بما في ذلك المناطق الغربية من القارة الآسيوية، وتحديداً القوقاز وشبه جزيرة الأناضول داخل الإمبراطورية العثمانية.

اشتقّ اسم "الخزامى" من الكلمة الفارسية التي تعني "عمامة"، وفي وقت مبكر كانت زهور التوليب البرية تُزرع بكثرة في تلك الدول.

في مدينة نيويورك، يظهر الزنبق على طول "بارك أفينيو" وفي جميع حدائق المدينة. وتخصّص كشمير الهندية مهرجاناً سنوياً بعنوان: "سريناغار توليب" هو الأكبر في آسيا، ويشهد الربيع في هولندا ما يزيد عن 7 ملايين زهرة زنبق في جميع أنحاء البلاد.

لوحة للفنان التركي غافور ياكار - nationalmuseumse.iiifhosting.com
لوحة للفنان التركي غافور ياكار - nationalmuseumse.iiifhosting.com

الحدائق العثمانية 

تبنّت الإمبراطورية العثمانية فكرة الزنبق كجزء من الثقافة البصرية، وانتشرت في الفنون الزخرفية والفنون الجميلة، وظهرت على البلاط والسيراميك والسجاد والمفروشات، فضلاً عن اللوحات والمخطوطات. كان معناها الرمزي ديناميكياً، ولديها عنصر روحي وصوفي مميّز. 

تؤكد الدراسة أن التوليب كان يرمز إلى الجمال والحب والوفرة، واعتبر مادة لمواجهة الشر والتأمل الروحي، كما يتضح من تصويره على التعويذات، واستخدامه في تزيين المواقع الدينية الإسلامية.

كانت الحدائق جزءًا مهماً من الثقافة العثمانية، وهي تأثّرت بشدّة بتصميمات الحدائق في بلاد فارس، وبالتالي أثّرت على حدائق أوروبا الغربية. مع دخول زهور التوليب المستأنسة والمزروعة، سرعان ما أصبحت عنصراً مهماً في تصميم الحديقة العثمانية، ثم أصبحت شائعة في الفن الذي يصوّر الحدائق، ورمزاً لثقافة البستنة العثمانية المتقنة والفاخرة.

"جنون التوليب"

في فترة لاحقة، أصبح التوليب سمة مميزة لنجاحات هولندا، لكن يوجد خلاف حول من ومتى دخلت زهور التوليب الأولى إلى الجمهورية الهولندية، لكن هناك تأكيد أنه تم استيرادها من الإمبراطورية العثمانية في النصف الأخير من القرن السادس عشر. 

الطلب على بصيلات معينة من ألوان وأنواع مختلفة سرعان ما فاق المعروض من تلك الزهور، وبالتالي بدأ "جنون التوليب"، إذ كان سعر الرزمة النادرة باهظ الثمن، ويساوي الأجر السنوي للحرفي.

بالتزامن مع "جنون التوليب" والازدهار الاقتصادي في المنطقة، كان ظهور الكالفينية عاملاً أسهم في  تراجع الرسم الديني وزخرفة الكنيسة. ونظراً لارتفاع أسعار التوليب ، وخاصة الأنواع النادرة مثل "Semper Augustus"، وهي عبارة عن زهرة بيضاء ذات خطوط حمراء زاهية، كان العديد من الفنانين قادرين على  إنجاز نسخ مطبوعة من أزهار معينة.

لقد كانت الخزامى تمثّل الثروة، سواء بالنسبة للفرد الذي يمتلك اللوحة أو الزهرة، وأيضاً بالنسبة للأمّة. 

لوحة
لوحة "توليب أصفر" للفنان الهولندي فان جوخ - vangoghmuseum.nl

كان تصميم الخزامى ذا أهمية خاصة في تاريخ بنسلفانيا الهولندية وتقاليدها، أدى ذلك إلى نشوء تقاليد فنية وحرفية غنية ومتميزة. مع ميل لاستخدام الألوان الزاهية والتصميمات المتناسقة وتصوير النباتات والحيوانات، استخدم الفن الشعبي الهولندي في بنسلفانيا في كثير من الأحيان الزنبق  الذي جسّد التفضيلات الجمالية السائدة. 

هكذا، ظهر التوليب على كل شيء من الصناديق الخشبية إلى التطريز، واكتسبت ولاية بنسلفانيا الهولندية سمعة خاصة بالأغطية المزركشة وكذلك "Fractur". 

ومع ذلك، فإن مفهوم memento mori، هو تذكير بأن الموت ينتظرنا جميعاً، فزهرة التوليب قصيرة العمر نسبياً، تدوم من أسبوع إلى أسبوعين فقط. وفي سياق ديني، تمّ تصوير التوليب بشكل خاص في حالات مختلفة من الإزدهار والذبول، وهذا يلمّح إلى حتمية الموت والحكم النهائي.

بحلول القرن التاسع عشر، تلاشت المعتقدات الدينية أو الروحية للزنبق في الغرب، وأصبحت معروفة على نطاق واسع كرمز للربيع والفن. 

عزّزت هولندا مكانتها كمعقل لزراعة التوليب. ومع ازدياد شعبية الرسم في الهواء الطلق، خلّد كلود مونيه الحقول الزاهية من الزهور، واستمدّ الانطباعيون البارزون من مانيه إلى بول سيزان، تقليد الأزهار الساكنة، ليخلّدوا أزهار الربيع بأسلوبهم المميّز.

"حزمة توليب" للفنان الأميركي جيف كونز - jeffkoons.com

 

تطريز يدوي عثماني يعود إلى القرنين 16 و17_ إسطنبول. - museum.gwu.edu
أزهار التوليب في تطريز يدوي عثماني يعود إلى القرنين 16 و17_ إسطنبول. - museum.gwu.edu

نحو أميركا..

عبر المحيط الأطلسي، سرعان ما أصبحت زهور التوليب الدعامة الأساسية للفن الشعبي الأميركي. تم ّإدخال الزهور إلى القارّة بعد وقت قصير نسبياً من استيرادها إلى هولندا، حيث تم إحضار المصابيح في أوائل القرن السابع عشر.

بحلول القرن التاسع عشر، كان انتشار الزنبق عبر الفنون والحرف الشعبية الأميركية واسعًا. ظهرت في نحت الخشب، والمنسوجات، والسيراميك، واللوحات، وحتى قوالب الزبدة، وأثبتت أنها قابلة للتكيّف بشكل كبير.

خضع الخزامى لتحول عميق في القرن العشرين. وفي عام 1911، أكمل المهندس المعماري فرانك لويد رايت فندق بحيرة جنيف الواقعة في جنوب ولاية ويسكونسن. تميّزت الطوابق العلوية للمبنى بنوافذ من الرصاص مزيّنة بزخارف الخزامى الهندسية، وهو أسلوب تمّ الاعتراف به لكل من رايت وحركة مدرسة Prairie. 

في عالم الفنون الجميلة، تستمر زهور التوليب في جذب مخيّلة الفنانين المعاصرين في جميع أنحاء العالم، بذات الطريقة التي استخدمها الحرفيون الأتراك قبل قرون، إذ يرمز الزنبق إلى الربيع والحب الكامل أو الحقيقي، وتم احتضانه عبر الثقافات لجماله ونعمته.

اقرأ أيضاً:

 

تصنيفات