رحيل المؤرخ الهندي راناجيت غُها.. التاريخ ليس سردية المستعمِر

رفض المؤرّخ الهندي راناجيت غُها طيلة مسيرته الأكاديمية والبحثية، تمحور الخطاب الفكري العالمي حول أوروبا، أي حول سردية المستعمِر، كما رفض اختزال التاريخ البشري لأهداف ومصالح على قياس الدول والإمبراطوريات، مؤكداً أن "التاريخ ليس أرض حياد، بل هو موضوع نزاعٍ وهيمنة".

عن مئة عام، رحل المؤرّخ الهندي راناجيت غُها في مقرّ إقامته في فيينا، يوم الجمعة، وهو الذي كان له تأثير عالمي على الدراسات التاريخية، وكان من الجيل الأول من مؤرّخي ما بعد الاستقلال، الذين أجروا أبحاثاً رائدة قارعت الاستعمار، وسعت إلى تفكيك الهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية للبلاد المستعمِرة، التي لطالما حجبت تواريخ الشعوب المهمّشة.  

 تنقّل غُها في مواقع أكاديمية وبلدان كثيرة، منها بريطانيا والهند وأستراليا، وكانت إقامته الأطول في جامعة ساسيكس الإنجليزية، ليستقرّ لاحقاً مع زوجته في ضواحي العاصمة النمساوية.

"مجموعة التابعين"

استمر غُها بترؤس "مجموعة دراسات التابعين" طوال عقد الثمانينات (the Subaltern Studies Collective) التي اشتهرت بحمل لواء نظرية (post-colonial)، أي ما بعد الاستعمار، وهي أعمال بالإنجليزية وضعها مؤرّخون ومفكّرون من جنوب القارة الآسيوية، بلغة شكسبير، وكان معظمهم يدرّس في جامعات بريطانية وأميركية.

لم تكن المساهمة الرئيسية التي قدّمها غُها مجرد مساهمة فردية في التأريخ، بل كانت برنامجاً أصلياً للدراسة التاريخية، غيّر من خلالها طريقة كتابة التاريخ والتفكير به في المؤسسات الأكاديمية، في جنوب آسيا وأميركا الشمالية وأفريقيا وأوروبا وخارجها.

الحزب الشيوعي الهندي

ولد غُها في عام 1922 في البنغال، وانتظم في الحزب الشيوعي الهندي، خلال دراسته في الكلية الرئاسية في كلكوتا، وبعد فترة نشاط شيوعي في كل من الهند وأوروبا، ترك راناجيت الحزب عقب الاجتياح السوفييتي لهنغاريا عام 1956.

تحوّل غُها إلى الماوية خلال الستينات، وعارض الحكم القمعي لأنديرا غاندي. وعلى الصعيد الفكري، أعاد اكتشاف هيغل خلال تلك الفترة، وبالرغم من نقده الأوروبّوية (Eurocentrism)، أي "التمركز حول أوروبا"عند هيغل فيما بعد، بقي على تأثّره ببعض جوانب النظام الهيغلي. 

‏‎أبرز مؤلفات المؤرّخ الهندي كتاب صدر بالعربية بعنوان ”التاريخ عند نهاية التاريخ العالمي" (2019)، عن "مشروع نقل المعارف" التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار، ترجمة ثائر ديب، وهو الإصدار الثلاثون للمشروع.

وللمؤرّخ ستّة كتب توزّعت بشكل أساسي بين موضوعين: تاريخ الهند، والتنظير لحقل التأريخ، ومنها "السيطرة من دون هيمنة: التاريخ والسلطة في الهند الكولونيالية" (1998)، و"صوتٌ خفيف للتاريخ" (2009).

اقرأ أيضاً: