"ولكن قلبي" للمصري يوسف رخا.. قراءة عصرية لأشعار المتنبي

الكاتب المصري يوسف رخا - الشرق
الكاتب المصري يوسف رخا - الشرق
القاهرة -علا الساكت

مغامرة إبداعية جديدة، خاضها الكاتب المصري يوسف رخا، بين ثنايا أشعار أبو الطيب المتنبي، مصحوبة بقصائد نثرية من تأليفه، أثمرت مولوداً أدبياً من المتوقع أن يصدر نهاية العام الجاري، بعنوان "ولكن قلبي.. متنبي الألفية الثانية".

ويتضمن الكتاب الحاصل على منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، رسوماً إبداعية للفنان وليد طاهر.

وفي حديث لـ"الشرق" قال رخا إن الكتابة عن المتنبي، لم تكن مُخططة عندما قرر قراءة ديوانه بشكل ممنهج ومستفيض مع الشروح.

رحلة في رحاب الشعر

وأضاف رخا: "كنت أتفقد كتابات نقدية من الفترة نفسها وأدرس الأوزان أيضاً. أنا فقط أحب شعر المتنبي، لكن هذه المرة حين تماهيت معه وجدت أنني أكتب قصائد نثرية، بنفس الإحساس الذي وصلني من أحد الأبيات، وكأنني أوصل الإحساس نفسه بمنطق معاصر وبطريقتي، وتكرر الأمر مع أبيات معينة تأثرت بها، حتى تحمست لتحويل هذه النصوص إلى مشروع متكامل".

لم يكتب يوسف رخا شروحاً أو نقداً عن المتنبي، إنما انصرف نحو النصوص الموازية، وهي كما يقول عبارة عن رد فعل لأبيات قرأها وتأثر بها، ثم ترجمها إلى مقطع سردي طويل حول التجربة نفسها.

النمط المغامر من الكتابة الإبداعية ليس غريباً على الروائي المصري (1976)، فقد خاض العديد من التجارب التي تجمع بين القصة القصيرة، وأدب الرحلة، والريبورتاج الأدبي، والديوان الشعري، قبل أن تصدر روايته الأولى "كتاب الطغري" التى حازت تقديراً نقدياً فور صدورها، ذلك أنها تدور حول الصحفي مصطفى الشوربجي الذي ينهار عالمه بعد انفصاله عن زوجته، ثم يبدأ رحلة بحث حول ماهية الهوية الإسلامية في مقابل القوميات العربية، بعد أن ظهر له طيف السلطان وحيد الدين آخر خلفاء العثمانيين.

البحث في الهوية

ربما يرتبط مشروع رخا، في قراءة المتنبي، بروايته الأولى، من حيث انشغاله بالبحث حول الهوية العربية والإسلامية، لكن السؤال الأكثر إلحاحاً على الكاتب هذه المرة هو الشعر، أيقونة الثقافة العربية، يقول "قليل من يقرأ المتنبي، وقليل جداً من يقرأ حوله، ويفهم السبب وراء عبقريته وقيمته بين شعراء عصره".

ويضيف رخا بأنه رغم كون المتنبي مقياساً للبلاغة والفصاحة في هذا العصر، لكنه لطالما كان عرضة للهجوم والانتقاد، لاستخدامه تركيبات وصياغات غير مألوفة في الشعر.

 ويتابع: "تجديده هذا، كان يُؤخذ عليه ويُحاجَج بصياغاته الغريبة، إذ كان المقياس في ذلك الوقت هو طهارة اللغة، والتركيبات، والعودة إلى كلام العرب الأولين.. لا أحد اليوم يراه على أنه شاعر مجدد، أو صاحب روح مختلفة، بينما هو كان دائم الثورة".

هكذا يصف يوسف رخا المتنبي الذي لا يزال، رغم رحيله قبل أكثر من ألف عام، مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء، ويتابع: "المسألة بالنسبة لي لها علاقة بتخليص المتنبي من قبضة التوجهات القيمية والثقافية السائدة عنه، فقرّاء الشعر القديم يحصرونه في سياق قيمي ضيق جداً، فيه ذكورية وكره للنساء، وتفاخر بالعنصر والعصبية القبلية، وكلها في زمنه أشياء عادية، لم تكن مذمومة، أما الآن فهي قبيحة جداً".

المتنبي خارج النمطية

المهم بالنسبة لرخا، كما يقول لـ"الشرق" كيف يمكن رؤية المتنبي خارج هذه السياقات، وذلك بإبراز وجه آخر له، من خلال "الكتابة وطريقة التفاعل مع الأبيات وتأويلها، وما وصلني من إحساس فيها، والانشغال أكثر باستخراج الحالة الإنسانية والجمالية وتخليصها من هذا السياق الشوفيني".

لا يخشى رخا خوض معركة طالما تم تأجيلها، وذلك أملاً في تجذير قصيدة النثر التي يستنكر فكرة أن يكون هناك من يُنكر انتماءها إلى الشعر.

يقول: "الشعر يأتي على أشكال مختلفة كثيرة، ما أشعر به عند قراءة المتنبي هو ما أشعر به عند قراءة سركون بولص. وفي تصوري هناك جبن وتقاعس عن أي مواجهة فعلية لسؤال ماهية الشعر. الشعر التقليدي مقترن بأمجاد الماضي، والمتنبي بطبيعة الحال هو أيقونة لهذا الماضي المتعلق بالحرب والذكورية والعروبة، ومن ثم لا يوجد من يقرؤه في غير هذا السياق".

يعتقد رخا أنه من النادر جداً أن يهتم أحد بتحقيق المواجهة الإبداعية بين الشعر القديم والقصيدة المعاصرة، بما فيها قصيدة النثر التسعينية التي تشكّل خلفيته كشاعر،ويضيف: "لا أحد يهتم بالسؤال عن القواسم المشتركة الأعمق بينهما، وهذا ما أحاول في هذه النصوص التي كتبتها أن أظهره: كيف أن هناك علاقة حقيقية بين الطريقتين، وكيف أن هذه العلاقة هي الشعر نفسه، أو ما يبقى من الشعر عندما نتخلص من شكله الخارجي".

رخا والمتنبي على كفة الميزان!

لكن، ألا يخشى يوسف رخا أن توضع قصائده مع أبيات المتنبي على كفة ميزان؟ يقول "هي ليست منافسة أو مقارنة طبعاً، لكني حاولت أن تُعطي قصائدي الطاقة نفسها التي تُعطيها أبيات المتنبي. أن أستوحي مجازات الحرب لأصف صراعات يومية ليس لها علاقة بالحرب مثلاً. أنا أمام المتنبي أشعر بأني لا شيء مطلقاً، لكني أيضاً تجلٍّ للأدب في زمني، والفكرة بالنسبة لي هي مجاورة الزمنين، وأن أولّد لغة جديدة وكتابة مختلفة كما فعل المتنبي في عصره".

اختار رخا الأبيات مدفوعاً بشغفه، وذائقته الشخصية، يقول: "كنت أختار النصوص التي تؤثر في وتولّد لدى الرغبة في كتابة الحالة نفسها، وبعد تكرار هذه الرغبة، اكتشفت أني طوال الوقت كنت مسكوناً بالسؤال حول ماهية الشعر، وماذا يجعل الشعر شعراً؟ القضية تتجاوز الوزن والقافية والشكل، تتجاوز حتى الصراع الحالي بين الشعر والنثر".

مع ذلك يضع الوقوف إلى جوار المتنبي شروطه، إذ يشعر رخا أن هناك شرطاً جمالياً في النصوص التي كتبها، وهو الالتزام بلغة صافية، تتعاطى مع الشعر القديم، يضيف: "كل نص يضع شروطه الإبداعية، وهنا كان يجب أن يلتزم النص بهذه اللغة، بينما عادة أتحرر من هذا الشرط في نصوصي الأخرى".

المزج بين الأدب والفن

يمزج كتاب "متنبي الألفية الثانية" بين الشعر والنثر والرسوم التي يقدمها الفنان وليد طاهر، يذكر رخا أن طاهر قام بالرسم متأثراً بالفكرة التي شرحها له، وقدم رسومه بشكل منفصل، وقد أراد الكاتب المصري أن تكون الطبعة الأولى لإصداره الجديد مميزة، إذ كما يقول "اقترحت على وليد موتيفة الحصان، وأعطيته الأبيات، فأنتج هو حالة موازية ثالثة للقصائد والأبيات".

وخلال مسيرته الأدبية، أصدر رخا ديوان شعر واحداً بعنوان "يظهر ملاك" عام 2011، وكتاب بعنوان "كل أماكننا" عام 2010 يمزج فيه بين الشعر والمقال.

ومنذ روايته الأولى (كتاب الطُغرى) عام 2011، صدرت له رواية (التماسيح) عام 2013، ثم رواية (باولو) عام 2017 التي فازت بجائزة "ساويرس" ورشحت للقائمة الطويلة للبوكر العربية، كذلك صدرت له 3 كتب في أدب الرحلات هى "بيروت شي محل"، "بورقيبة على مضض"، و "شمال القاهرة غرب فلبين".