معرض القاهرة للكتاب يتحدى البرد و"نار" الأسعار

معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ55. 30 يناير 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ55. 30 يناير 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
القاهرة-شريف صالح

تتواصل فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55؛ عشرات الأنشطة اليومية، ندوات لشعراء وروائيين وضيوف عرب وأجانب، قاعات ممتلئة بأكثر من 1200 ناشر وعارض، وزحام يومي على بوابات الدخول.

جاء الناس إلى المعرض من المدن الكبرى والأقاليم البعيدة.. عشرات المتطوّعين بسترات مميّزة لمساعدة الزوّار، فهل حقاً كل شيء على ما يرام؟ ألم يتأثّر المعرض بموجة الصقيع التي تجتاح البلاد حالياً؟ هل العارضون راضون عن هذا الإقبال؟ وهل الأسعار في متناول القارئ المصري؟

300 ألف زائر

حرصت الهيئة المصرية العامة للكتاب - الجهة المنظمة للمعرض - على الإعلان بشكل يومي عن عدد الزوّار بمتوسط 300 ألف زائر يومياً، ليصل حتى الآن إلى أكثر من مليوني زائر منذ الافتتاح للجمهور في 25 يناير.

معرض القاهرة للكتاب الـ55.
معرض القاهرة للكتاب الـ55 - الشرق

وأكد أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة، أن "الإقبال الكبير، يعكس شغف الجمهور بالقراءة، وإقباله على الفعاليات الثقافية، مشيداً بدور المبادرات الجاذبة، ومنها مبادرة وزارة الثقافة للعام التالي، "الثقافة والفن للجميع"، التي تتيح الكتاب بسعر مخفّض من جنيه إلى 20 جنيهاً".

أي كتاب بجنيه

أثناء المرور على أحد الأجنحة الحكومية، لاحظنا أن العارض يروّج بالفعل لكتب صغيرة الحجم، ودواوين شعر بسعر جنيه، وهو يردّد أن ثمن الكتاب أقل من رغيف الخبز. اعتادت هيئة الكتاب تخصيص جناح لبيع إصداراتها القديمة بسعر الغلاف، وغالباً ما يكون زهيداً مقارنةً بأسعار هذه الأيام.

بصفة عامة تحتفظ دور النشر الحكومية، وخصوصاً الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، ودار المعارف ومؤسسة الأخبار، بعروض وتخفيضات جيدة، تجعل الأسعار بمتناول الجميع، حيث يسهل الحصول على كتاب بمتوسط 10 جنيهات إلى أربعين جنيهاً (أقل من نصف دولار).

معرض القاهرة للكتاب.
معرض القاهرة للكتاب. - الشرق

في مقابل الهيئات الحكومية، ينشط "سور الأزبكية" ممثلاً للقطاع الأهلي، بسمعته التاريخية في بيع الكتب القديمة والمستعملة العربية والأجنبية، بأسعار معقولة جداً، باستثناء إذا ما كانت إصدارات نادرة. 

لذلك تشهد هذه الأجنحة إقبالاً يومياً كثيفاً، مثلما تشهد قاعة (4)، التي يغلب عليها الدور الناشرة للكتب الدينية، حضوراً لافتاً من طلاب الأزهر، والدارسين من الجاليات المسلمة، وتحتفظ القاعة بهيئة خاصة بها على مستوى الجمهور والعارضين ونوعية الكتب.

معرض القاهرة للكتاب.
معرض القاهرة للكتاب. - الشرق

مبادرة اتحاد الناشرين

ماذا عن القطاع الخاص؟ هل باستطاعته أن ينافس سوق النشر الحكومي المُدعّم؟ وما الفرق بين الناشر الخاص المصري ورفيقه العربي؟

سألنا رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد ـ وهو مدير الدار المصرية اللبنانية أيضاً ـ فأكد أن الإقبال عموماً جيد، والمبيعات مقبولة في ظل مبادرة الاتحاد، بأن تصل التخفيضات إلى 50%، مشيراً إلى أن البعض وسّع المبادرة لتصل إلى 80%.

حيثما تجوّلنا، كانت تطالعنا لافتات التخفضيات، فمثلاً عبقريات العقّاد الأربع بسعر أقل من مئتي جنيه (أقل من ثلاثة دولارات).. لكن الملاحظ أن الخصومات الكبيرة تطال الكتب الكلاسيكية التي لا تتطلب حقوقاً مادية لمؤلف ولا ناشر، أو إصدارات من سنوات ماضية بقيت كمخزون لدى الناشرين.

معرض القاهرة للكتاب.
معرض القاهرة للكتاب -الشرق

إصدارات 2024

ماذا عن الإصدارات الجديدة لعامي 2023 و2024؟ طرحنا هذا السؤال على الناشرة فاطمة البودي (دار العين) فأجابت: "بشكل واقعي نسبة تخفيض الإصدارات الجديدة حوالى 25%، أما القديمة فتصل إلى 60% بحسب مبادرة اتحاد الناشرين العرب.. لكنه من الصعب عليّ كناشرة أن أبيع كتاباً صدر للتو بتخفيض كبير. وأنا أشفق على القارئ المصري في ظل هذا الارتفاع في الأسعار، بما فيها سعر الورق وتكاليف النشر".

إلى أي مدى يحلّ "الكتاب الإلكتروني" هذه الأزمة؟ تجيب البودي: "نجاح بعض التطبيقات الإلكترونية يقدّم حلاً جزئياً للقارئ وليس للناشر.. وبصراحة بعض الناشرين يحاولون إرضاء الكاتب، فيطبع من روايته مئتي نسخة ورقياً، وفي الأسبوع نفسه يجعلها متاحة إلكترونياً".

 تضيف" :هذا حلّ سريع، لكنه لا يفيدنا كناشرين مع ضعف مردود النشر الإلكتروني.. سواء للمؤلف أو للناشر.. وهذا لا يعني أنني ضدّ النشر الإلكتروني، لكني أفضّل إتاحة الفرصة لرواج الطبعة الورقية بضعة أشهر، لأن نجاح أي كتاب، يظهر خلال ستة شهور تقريباً، وبعدها يمكن أن يُرفع إلكترونياً على أي تطبيق".

عن متوسط الأسعار لديها قالت مديرة دار العين: "بالنسبة للروايات العربية والمترجمة، فمتوسط السعر هو 100 إلى 300 جنيه، لكن الكتب الفكرية والمتخصّصة قد يصل  سعرها إلى 400 جنيه.

معرض القاهرة للكتاب.
معرض القاهرة للكتاب- الشرق

فرق العملات

ماذا عن الناشر العربي الذي يأتي زائراً إلى السوق المصري؟

التقينا الناشرة هناء البواب (خطوط وظلال في الأردن) فقالت: "مستوى التنظيم رائع وأعداد الزوار ممتازة، لكنها لا تعكس قوّة شرائية كبيرة بالنسبة لنا كناشرين.. ونحن تعوّدنا تفاوت الجمهور وحجم المبيعات والأسعار بين المعارض العربية".. 

وتابعت: "هناك جمهور كبير للكتاب في مصر والعراق، لكن القوّة الشرائية ضعيفة مقارنة بالخليج.. لذلك اضطر إلى تخصيص أسعار لهذين المعرضين.. ولا أستطيع رفع السعر فيهما، لأن ذلك لن يفيدني كناشر، ولن يحقّق لي أي مبيعات".

واعترفت البواب أنها تضطر لبيع الكتب "بسعر التكلفة من دون أي ربح، قياساً إلى نفقات الطباعة في الأردن". وأشارت إلى جانب مهم يتعلق بالأزمة، وهو التعامل مع الناشر بوصفه تاجراً، فيصبح عليه دفع مبالغ كبيرة كإيجار يومي للجناح، إضافة إلى نفقات الطيران والإقامة والمواصلات، والموظفين. 

أضافت: "لو حسبنا تكاليف التشغيل ومصاريف الشحن والنقل والنفقات الخاصة في معرض القاهرة، فقد تصل يومياً إلى قرابة خمسين ألف جنيه.. وهو رقم يصعب على المبيعات أن تغطيه لي.. فعلى الجهات المنظّمة للمعارض العربية واتحاد الناشرين العرب، مراعاة أننا لا نبيع سلعاً استهلاكية مضمونة الربح، بل بالعكس، نحتاج إلى دعم وتسهيلات كبيرة إذا أردنا إنعاش سوق النشر العربي".

وعلى الرغم من إقرار البواب أن حركة البيع "مقبولة"، لكنها ترى "ضرورة ابتكار حلول لسوق نشر وتوزيع الكتاب العربي، ووضع فروق العملة في الاعتبار. فقد تكون تكلفة الكتاب مع هامش ربح بسيط في حدود خمسة دولارات، لكن حين أعرضه على القارئ المصري بسعر 350 جنيهاً يشعر أنه ثمن مبالغ فيه قياساً إلى دخله بالجنيه".

معرض القاهرة للكتاب.
معرض القاهرة للكتاب - الشرق

الطبقة المتوسطة

فؤاد علام المسؤول في دار أثر (السعودية) يقول: "حركة البيع شبه مقبولة، لكننا كناشرين عرب، نعاني بسبب فروق العملة بين الخليج والجنيه المصري. وعلى الرغم من أننا نقدّم تخفيضات لسعر الكتاب تصل إلى 55%، مقارنة بسعره في المعارض الخليجية، مع ذلك يظن القارئ المصري أننا نبالغ في أسعارنا وهو معذور". 

يتابع: "الطبقة المتوسطة من المصريين وهي المستهلك الأكبر للكتاب، تفضّل الذهاب إلى سور الأزبكية أو دور النشر الحكومية، بينما تقتصر مبيعاتنا على من يعرفنا ويدرك جودة ما نقدمه من عناوين مترجمة ومستوى طباعة ممتاز".

سألنا علام عن متوسط الأسعار لديه فقال: "لدينا روايات وكتب مترجمة من 180 إلى 300 جنيه، وبعض الكتب لدينا يصل سعرها إلى 80 جنيهاً، ونحاول تقديم ما بوسعنا من تخفيضات".

أضاف: "مع ذلك هناك عدد لا يستهان به من الزوّار يتوجّس من أسعارنا.. والمؤكد أنني كناشر سعودي حريص ألا أخسر السوق المصري، لكن لا يمكن إنكار أن الأحوال الاقتصادية تلقي بظلالها على حجم مبيعاتنا".

تخفيضات للطلبة

التقينا مجموعة تلامذة في المرحلة الثانوية، وسألناهم عن أسعار الكتب.. فقالت جنى أحمد: "الأسعار في دور النشر الخاصة فوق قدراتنا كطلاب.. لا أستطيع بميزانيتي شراء رواية سعرها 750 أو 450، حتى لو كانت مطبوعة في جزأين.. يفترض أن يكون لنا تخفيضات كطلبة، كي نثقّف أنفسنا".

أما زميلتها شذى يحيى فقالت، "المعرض بالنسبة لي هو متعة الزيارة، ولقاء الأصدقاء، وحضور بعض الندوات، لكن شراء الكتب أصبح فوق قدراتي".

تابعنا تقييم بعض الزوّار في مواقع التواصل الاجتماعي حول أسعار الكتب، فكانت التعليقات لا تخلو من نبرة السخرية المصرية مثل: "أسعار الكتب خزعبلاية.. كان زمان الواحد يشتري شنطة كتب بألف جنيه.. اليوم اشتريت بهم خمسة كتب"، "أسعار الكتب بصفة عامة ورغم الخصومات.. في مستوى تاجر المخدرات".

طبعة أنيقة أو شعبية

بالطبع هذه الإشارات تتعلق بدور النشر الخاصة والفجوة بين العملات، لكنها لا تنفي ما أشرنا إليه من وجود دعم وخصومات حقيقية. فعلى سبيل المثال، صدرت في المعرض سلسلة كتب لطه حسين بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيله، بعضها عن دور نشر خاصة بأسعار مرتفعة نسبياً، وبعضها عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بسعر زهيد جداً. أي أن هناك فروقاً واضحة بين الطبعة الأنيقة ومثيلتها الشعبية.

إلى جانب مبادرة اتحاد الناشرين وتخفيضات الدور الحكومية، لا يخلو المعرض من مبادرات خاصة منها مبادرة باسم الكاتب الراحل "محمد أبو الغيط" مخصّصة لمحبي القراءة، فكل ما تتطلبه أن يثبت القارئ أنه من روّاد المعرض، ويضع اسم الكتاب الذي لا يستطيع شراءه، ودار النشر، ثم تتولى المبادرة توصيله إليه مجاناً، وفقاً لأولوية الطلبات.

وأيًا كانت الصعوبات التي تواجه سوق النشر العربي، يظل معرض القاهرة للكتاب قادراً على صنع حالة من الدفء والتواصل بين المبدعين المصريين العرب والقرّاء.. تتحدّى صقيع يناير و"نار" الأسعار".

 

تصنيفات

قصص قد تهمك