فاز بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الـ17

باسم خندقجي.. رواية أحيت الأدب الفلسطيني في السجون

الأسير الفلسطيني باسم خندقجي - وكالة (وفا)
الأسير الفلسطيني باسم خندقجي - وكالة (وفا)
القاهرة-شريف صالح

لم يكن ثمّة حاجة إلى طرح حيثيات فوز رواية "قناع بلون السماء"، للأسير الفلسطيني باسم خندقجي (مواليد 1984)، بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الـ17. ولا أن يقول رئيس لجنة التحكيم نبيل سليمان، بأن الرواية يندغم فيها الشخصي بالسياسي في أساليب مبتكرة. 

يكفي أن يُخبر وسائل الإعلام العربية والعالمية، بأنها أوّل رواية عربية تتوّج بجائزة، يكتبها "أسير" قابع في سجون الاحتلال منذ عشرين عاماً، رواية رجل قضى نصف عمره وراء الجدران والقضبان.

تكريم النص الفلسطيني

كانت الجائزة "رسالة" مثلما كانت الرواية نفسها "رسالة"، وليس الأمر بجديد. فمنذ نشأة "بوكر العربية" عام 2008، والنصّ الفلسطيني يمثّل هاجساً أساسياً في الترشّح والفوز، ويكفي تذكّر فائزين ومرشّحين سابقين مثل، ربعي المدهون، وإبراهيم نصر الله، وجلال البرجس.

لكن خندقجي يختلف عن هؤلاء جميعاً أن حريته مقيّدة بل مسلوبة، وذلك منذ اعتقاله في عملية سوق الكرمل، وهو في سنته الجامعية الأخيرة. وعلى الرغم من أنه لم يقم بأيّ نشاط عسكري خلال العملية، لكن حُكِم عليه بالسجن مدى الحياة.

وضع باسم كل طاقته في القراءة والكتابة، كي يستبقي روحه حرّة خارج السجن، فنشر شعراً وسرداً ومقالات منها، "وهكذا تحتضر الإنسانية"، وهي عن تجربة الأسير الفلسطيني داخل سجون العدو، ومازال لتلك الفكرة صداها في روايته الفائزة، كما نشر روايات عدّة منها "مسك الكفاية"، و"نرجس العزلة"، وكانت أسرته تتولى توقيع أعماله بدلًا منه، وحضور المناسبات الثقافية عنه.

كاريكاتير للفنان الفلسطيني محمد سباعنة
كاريكاتير للفنان الفلسطيني محمد سباعنة - @Sabaaneh

 

سجون وروايات مهرّبة

ليس أدب السجون بجديد على الثقافة العربية، بل لدينا حصاد هائل من الروايات والدواوين الشعرية والأغاني، ولدت كلها  خلف جدران السجون، لكن للسجن وتجربته وأدبه تحت الاحتلال الإسرائيلي، قسوة لا مثيل لها في أي سجن آخر في العالم.

لذلك وقبل إعلان فوزه بالجائزة، انتشرت تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، بأن باسم لن يُسمح له بتسلّم الجائزة ولا الاستفادة من قيمتها المادية.

وكان السؤال الذي شغل الناس على وسائل التواصل، ليس سبب اعتقال باسم منذ عشرين عاماً، ولا حبكة الرواية وشخصياتها، بل كان السؤال: كيف كتبها داخل السجن وجمع ما يحتاج إليه من مصادر، ثم كيف بعد ذلك وصلت إلى لبنان ونشرتها "دار الآداب"؟

 وبالطبع ينطبق السؤال على مشروع خندقجي كله، وغيره من الكُتّاب الأسرى في سجون الاحتلال.

الناشرة رنا إدريس

في تصريحات للناشرة رنا إدريس، أشارت إلى أن "مخطوطات" كثيرة تصلها لأسرى فلسطينيين، لكن التزامها بالقضية لا يعني بالضرورة جودتها الإبداعية. ولفتت إلى أنها تحمّست لنشر الرواية من خلال التواصل مع أخيه "يوسف"، الذي يعدّ بمثابة وكيله الأدبي.

 وكشفت إدريس أن خندقجي ومعظم الأسرى "يعتمدون على "آلات" تسجيل صغيرة تشبه القلم، غالية الثمن، تشتريها أسرهم وتوصلها إليهم، وبعد أن يقومون بتسجيل نصوصهم صوتياً، يتولى أحد الأشخاص من أسرهم تفريغ التسجيل الصوتي، وهذا ما قام به يوسف شقيق باسم، ثم يُعاد "المخطوط" مجدداً إلى الأسير لتحريره وإجراء التعديلات عليه". 

وأشارت إلى أن الرواية الفائزة هي ضمن "ثلاثية المرايا".

ملصق ندوة حول رواية الأديب خندقجي
ملصق ندوة حول رواية الأديب خندقجي -daraladab.net

وسائل صعبة

وأوضحت آمنة خندقجي ـ شقيقة الكاتب ـ إلى أن "إخراج ما يكتبه الأسرى يتم بطرق معقّدة جداً، ومنها التهريب، موضحة أنه بمجرد ترشّح أخيها للجائزة، عمد الاحتلال إلى مصادرة كتبه وأوراقه". 

كما نوّهت بدور الوالد الراحل في تشجيع باسم على الكتابة، إذ يشارك أفراد الأسرة في جمع ما يصل إليهم من رسائل وقصاصات، وبعد مراجعتها يتم التواصل مع الناشر، وفي بعض الحالات تحدث "مصادرة" ويضطر الكاتب للبدء من جديد.

في ظل هذه الظروف وعمليات تهريب الكتب والنصوص، ثمّة سؤال: هل كل ما يكتبه السجين أو الأسير يعدّ بالضرورة "أدب سجون"؟

أدب السجون

لعل أهم ما يميز الرواية الفائزة، أنها قدّمت صيغة حداثية لأدب السجون، تبتعد عن كتابة اليوميات واستدرار التعاطف والمبالغة في شيطنة السجّان؛ فالحبكة تنشغل بما هو خارج جدران السجن، أكثر من إحالاتها على ما هو خلفها. 

تركز الرواية على تفاصيل بالغة البساطة والرهافة، كاشفة تفاصيل البنية الكولونيالية للاحتلال، بحسب تعبير الراوي. فقسوة الاحتلال ليست فحسب في المجازر والحروب الدورية، وإنما في "التفاصيل اليومية" التي تضع الإنسان العادي تحت وطأة قيود وأشكال لا نهائية من الانتهاك. 

إن قوّة السرد هي في تلك الكثافة والعناية بالتفاصيل، التي تسمّم حياة الشعب الفلسطيني مهما حاول أن يعيش مسالماً.

الحبكة بين نور وأور

تدور الحبكة حول صديقين شابين أحدهما "مراد" وهو معتقل فلسطيني، يحاول تقديم بحث عن الاحتلال والكولونيالية، والآخر "نور المشهدي"، الذي يحاول كتابة رواية عن مريم المجدلية، ويجمع معلومات ومصادر عنها، في دلالة لا تخفى عن تراث وتاريخ فلسطين،

يتعرض الأول لمصادفة تقلب حياته رأساً على عقب، فهو أولًا بملامحه الشقراء، يبدو قريب الشبه من اليهود الإشكناز، وثانياً يعثر في جيب معطف اشتراه من السوق المستعمل، على بطاقة هوية لشاب إسرائيلي اسمه "أور شابيرا".

هنا تبدو إمكانية تبديل الهوية بهذه السهولة بين "السجين" و"السجّان"، بمثابة استعارة ساخرة من تلك المؤسسات، التي تمايز بين البشر وتجعل أحدهم جلاداً للآخر، برغم أن التصنيف بينهما قد يكون محض صدفة بسبب ورقة في معطف!

كما تفضح لعبة تبديل الهوية، ذلك الإصرار الكولونيالي على أنه لا مجال أمام الفلسطيني، كي يعيش ويتنفّس ويحظى بالحد الأدنى من الأمان، إلا إذا اندمج في هوية المحتل، وتبنّى أفكاره ونمط عيشه. الأمر هنا لا يتعلق بمتلازمة استكهولم والتوحّد مع المعتدي، بل يظلّ الوعي حاداً بتلك المعضلة وفاضحاً لها في آن.

يدرك الراوي/ البطل أنه في مأزق يهدّد تراثه وتاريخه وهويته، لأنه خاضع على الدوام لعملية محو مبرمجة، تجعله يطرح على نفسه أسئلة من عينة: "من أنا؟ أين هويتي؟"

فالمسألة تتجاوز اختلاق تاريخ واستبدال شعب بآخر، إلى عنف رمزي ومضمر ، لإجبار شعب على تزييف وجوده وإنكاره، والاستسلام للصورة التي يفرضها الآخر عليه. هنا يكشف عنوان الرواية عن مغزاه، فمهوم القناع بما يعنيه من تنكّر وتخفّ، يصبح وسيلة بائسة للحماية، وكأن على الفلسطيني دون سائر البشر، أن يرتدي قناع عدوه.

ردود الفعل

معظم تعلقيات الكُتّاب والمثقفين على صفحاتهم الشخصية، ارتأت أننا أمام تجربة استثنائية، حيث واكبت الجائزة الحدث المأساوي، وأن ملابسات الفوز وما سيعقبه من دعاية وترجمات للرواية، سوف يقدّم خدمات عظيمة للقضية الفلسطينية.

بمعزل عن أي حكم قيمة خاص بالرواية، لا شك أن ما يجري في فلسطين الآن لعب دوراً مؤثراً في ترجيح كفّة الرواية، وانعكس خبر الفوز إيجاباً على معظم الكُتّاب العرب، الذين لم يفصلوا في تعليقاتهم بين الأدبي والسياسي والذاتي.

الكاتبة الإماراتية عائشة السلطان قالت: "بدا لي هذا الفوز انتصاراً لفلسطين ولأدب المقاومة، وحضوراً طاغياً لكل الحالة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية المطحونة، تحت وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية.

أضافت: "وبالرغم من غياب الفائز الذي يقبع في سجون الاحتلال، ليقضي فيها أحكاماً مضاعفة بالسجن المؤبّد، وحضور شقيقه يوسف بدلاً عنه ليتسلم جائزته، إلا أن تتويج الأسير الأديب، منح الأمسية زخماً ومنح الجائزة عمقاً ودلالة لا تغيب".

ولم يبعد الكاتب السوداني حمّور زيادة ـ عضو لجنة التحكيم ـ عن تلك الحالة الاحتفالية بالرواية والروائي، بكل الحمولة السياسية والإنسانية، إذ هنّأه بالفوز قائلاً: "شرفني بأن أكون أحد أعضاء لجنة التحكيم التي اختارت الرواية بالإجماع". 

هذا لا يمنع أن ثمّة أصوات انتقدت غلبة المعنى السياسي على الإبداعي، منها الكاتب المغربي أحمد المديني، الذي أشار إلى أن معظم التهاني للكاتب تحبسه في صفة "الأسير الفلسطيني" لا الروائي، فتزيد في أسره مع مؤبداته، أضاف: "هذه إساءة بالغة للفائز وللجائزة".

تصنيفات

قصص قد تهمك