عبر أجيال مُختلفة، تشتهر كاتبة وتتفرّد، مثل مي زيادة في النصف الأول من القرن العشرين. ومن الأجيال التالية، تميّزت أسماء قليلة مثل لطيفة الزيات، ورضوى عاشور، ونوال السعداوي.
عربياً برزت روائيات مثل علوية صبح، وهدى بركات، ورجاء عالم وليلى العثمان.. فهل تغيّر الوضع وأصبح المجتمع العربي الآن يتقبّل الكاتبات، وما الصعوبات التي تواجههن في بداياتهن؟ وماذا عن القضايا التي تلحّ عليهن في الرواية الأولى وحظوظها من التوزيع والنجاح؟
لو نظرنا إلى المرشّحين العرب لجائزة "نوبل" لن نجد بينهم كاتبة، ولو راجعنا قائمة الفائزين بجائزة "البوكر" العربية، سنجد حصّة المرأة ضعيفة، ولا تقارن بحظوظ الرجال. فهل هذا يعني أن التحيّز ضد المرأة الكاتبة مازال قائماً؟
التحيّز مع أم ضدّ
سأل أحدهم كونديرا ذات يوم: لماذا أثناء الحديث عن الروايات المهمّة، لا نذكر النساء الكاتبات، فكان ردّه: "كل الروايات العظيمة ثنائية الجنس. وهذا يعني أنها تعبّر عن رؤية أنثوية وذكورية للعالم".
هل ينطوي ردّه على تحيّز حاول الالتفاف حوله؟ فإذا كان الجنس الحقيقي للمؤلف غير مهمّ، وكل رواية تسرد عبر رؤية ثنائية، فإن السؤال يبقى قائماً: لماذا لا نذكر أسماء كاتبات عند التدليل؟
وإذا طرحنا مفهوم التحيّز نفسه للنقاش، فهو أيضاً حمّال أوجه، لأنه قد يكون بالسلب والحجب، والعكس صحيح. قد يكون إيجابياً للكاتبة بمنحها الجوائز والفرص لمجرد أنها امرأة.
تقول الكاتبة المصرية الشابّة دعاء البادي: "لا أدري هل ثمّة تحيّز بشكل عام للكاتبات أم لا، ربما يكون هناك نوع من التشجيع للكتابة النسائية، يأخذ في بعض الحالات شكل التحيّز، أما بالنسبة لي فخطواتي البسيطة في عالم الكتابة لا تجعلني قادرة على الجزم".
تتفق معها الكاتبة الإماراتية، مريم مسعود الشحّي، قائلة: "لا يقين واضح لدي بشأن التمييز حسب النوع، ربما لأني كاتبة تعيش عالمها الخاص، منقسمة أحلامي بين وظيفة بعيدة عن الكتابة، وأكثر من زاوية للإبداع بين الرسم والألوان والكتابة".
بدورها، لا تستشعر الكاتبة المصرية مريم العجمي وجود هذا التحيّز، موضحة: "لا أحب أن أُنصف أو يهدر حقي لأنني كاتبة، فقط الكتابة أبقى، ومن تناولوا نصّي (سيدات ورجال) فعلوا ذلك بشكل موضوعي، وأرجو أن تنصفني الكتابة ليس لأني امرأة، وإن كنت أنشغل بقضايا المرأة لأنها الأقرب إليّ".
وعلى الرغم من تحفّظها على التعميم، تقرّ الكاتبة والشاعرة التونسية ريم قمري، بوجود تحيّز سلبي ضدها في مجموعتها القصصية الأولى "حياة أخرى لعمر مضى".
وتقول: "هذا الكتاب لم يتجرأ على الكتابة عنه أكثر من ناقد أو اثنين فقط، الجميع تجنّب الخوض فيه لما به من جرأة، ووصف صادم في بعض الأحيان، ربما لأني تحدثت عن الجسد باعتباره جزءاً من حياتنا كبشر".
تضيف: "أعتقد أن العمل ظُلِم، ولو كان الكاتب رجلاً لحظي باهتمام لافت، لأن العقلية مع الأسف تضع المرأة الكاتبة في حيّز ضيق، وعليها أن تكتب بلغة معيّنة، وألا تتجاوز الخطوط الحمراء، والفصل بين كتابة نسائية وكتابة رجالية هو في ذاته خطأ كبير، ومن حقي كامرأة أن أكتب في الموضوعات التي يكتب فيها الكاتب الرجل، وبكل حرية".
مقعد في عالم واسع
يأخذنا سؤال التحيّز إلى طبيعة الصراعات والصعوبات التي تواجهها كاتبة شابّة في بداياتها.. فماذا عنها؟
لا تذكر الروائية المصرية نورا ناجي صعوبات محددة، ربما لأنها لم يكن لديها سقف توقّعات، تقول: "عند صدور روايتي الأولى "بانا"، قبل 10 سنوات، لم أهتم بشيء، لا الرواج ولا الجوائز ولا المراجعات ولا التفات النقّاد، أفتقد هذا الشعور، أفتقد عدم اهتمامي، وانعدام خوفي".
وتبرّر ذلك بأنها لم تتخيل أنها ستكتب رواية أخرى، ثم ثالثة ورابعة، قائلة: "لم أتخيلني أبداً كاتبة حقيقية، تحمل مسؤولية النشر المُستمر، وتنتظر إطراءات لن تضف إليها شيئاً، ولا إشارة ناقد، ولا جائزة ستفرحها لمدة ساعتين، قبل أن يعاودها الخوف المستمر مما ستكتبه بعد ذلك. أعتقد أني لم أكن حقيقية تماماًـ سوى حين نشرت تلك الرواية الأولى".
بدروها تقول مريم الشحّي: "الصعوبات مع أول رواية تختلف عن مثيلاتها أو ما سيأتي بعدها. فكرة الانبثاق الأوّل أمام الذات ثم العائلة ثم المجتمع، وكأنك تحاول أن تجد لك مقعداً في هذا العالم الواسع، وتضع لك بصمة واضحة، والتردد في النشر كان حاضراً تارة بين الإقدام والمجازفة وتارة بالانسحاب".
لحظات عشوائية
تستحضر دعاء البادي صعوبات البداية قائلة: "عندما شرعت في كتابة روايتي الأولى زهرة الأندلس، لم يكن عندي حكاية كاملة لأرويها، أو فكرة أتبنى تسجيلها على الورق، كنت مدفوعة بالرغبة فقط، ذلك ما جعل طريقة الكتابة تتّسم في البدء بالعشوائية، وتدريجياً بدأت الفكرة تُنسج والأبطال يتّخذون المسارات داخل الحكاية، وهو ما سبّب إرهاقاً لي".
بدورها، تعترف مريم العجمي، بأن الكتابة في الأساس عمل شاق، موضحة أن "التحدي كان هو المداومة والاستمرار لإنتاج عمل، في ظل ظروف نفسية صعبة، قرّرت التغلب عليها باللعب مع الكتابة".
وأضافت: "أصف روايتي الأولى بأنها تميل للذاتية، وهذا يضعني في مأزق مع ذاتي ومع ما أودّ قوله. حقيقي أم متخيّل، ومع مواجهة القاريء".
لا تختلف معها كثيراً ريم القمري: "لو تحدثت عن الصعوبات التي واجهتني، سأقول إني كتبت ما أحسست به وبكل حرية، ولم يكن هناك أي موانع فكرية أو ثقافية".
أفكار وقضايا
ما الأفكار التي تشغل الكاتبات في البدايات، وهل يكون لها تأثير عليهن في فرص النجاح؟
تجيب مريم الشحي: "قضيتي كانت ذاتية، لم أكن بعد مشغولة بشيء خارج مريم وعقلها.. هواجس أفراد المجتمع كانت تتمحور حول ذاتي وصوتي المخنوق، عبر شخصية أضع داخلها وحولها الكثير مني، كان الهاجس أن أجد لي متنفساً وصوتاً وسط ضجيج هذا العالم".
أما نورا ناجي فتقول: "أحب روايتي الأولى، وأحسب أن بها نورا الحقيقية، التي ستظهر بعد ذلك في كل القصص والروايات، إنما مختفية خلف الكثير من المجاز، والكثير من الإضافات وطبقات الحجب والخوف والخيال".
تضيف: "نشرتها مع دار صغيرة لم تعد موجودة اليوم، لم أعارض اختيار الغلاف ولا التنسيق الداخلي وبالطبع لم أتكسّب منها. لم تُقرأ تلك الرواية إلا عندما أعدت نشرها منذ عام مع دار نشر أخرى، وبعد إصداري لأربع روايات أخرى وكتاب ومجموعة قصصية".
وتعتبر أن الرواية الأولى "هي تلك الأوقات الطيبة البسيطة، أيام بلا خوف ولا قلق، لم أعرف فيها سوى متعة الكتابة، سوى شعوري بأني أملك شيئاً ما لأقوله. أو ربما يمكن أن أقول إني لم أشعر بالحرية الحقيقية، حرية الكتابة، سوى مع نشر روايتي الأولى".
أما ريم القمري فتجيب: "تجربتي بدأت بالشعر رغم أن جلّ المراقبين في الساحة الثقافية التونسية كانوا يتوقّعون أن تكون بدايتي سردية.. وجاءت تجربتي الأولى مع مجموعة قصصية كما ذكرت. اشتغلت على موضوعات تمسّ قضايا المجتمع التونسي والعربي، مثل التحرّش، وزنا المحارم، والإرهاب، وتأثير وسائل التواصل".
وعن روايتها الأولى "صورة مريم"، قالت العجمي: "ربما يتسع العمل الأول لأثقال أرواحنا، فأنت تقدّم روحك بأوجاعها وما يشغلها، ولا تعرف هل تتخلص من آلامك بالكتابة أم تجددها. كانت لعبة، تجربة، أفكك مشاهد من حياتي وأمزجها بأخرى متخيلة".
بينما تؤكد دعاء البادي على أهمية الأدب السياسي كمشروع بدأته في "زهرة الأندلس"، لتوثيق حقبة سياسية عاشتها البلاد لنحو 3 عقود.
هموم النشر والتلقي
هل تؤثر آليات النشر والتوزيع والتلقي على حظوظ الكاتبات في النجاح خصوصاً عند إصدار العمل الأول؟
تجيب نورا ناجي: "لم أحظ بتجربة باهرة مع نشر روايتي الأولى. كنت أعيش خارج مصر، متورّطة في مصاعب الحياة وارتباك الأمومة. نُشرت روايتي عام 2015، دون أن أتمكن من لمسها أو الاحتفال بها، لم أنظم حفلة توقيع أو حتى أكتب اهداءات لأصدقائي الذين سيشترونها لمجاملتي. كانت رواية قصيرة تحمل فطرة الكتابة الأولى، ربما سذاجتها أيضاً."
أما دعاء البادي فلم يكن حظها جيداً وتستذكر ذلك: "بعد أن انتهيت من روايتي الأولى، راسلت دور النشر عبر عناوينها الإلكترونية، لكني لم أتلق رداً حتى برفض النص، وبعد أن رأيت أني غير جديرة بالكتابة، وقررت أن أكتفي بنفسي كقارئة، صادفني إعلان عن جائزة الطيب صالح، فكرت في المشاركة وكان هدفي معرفة هل أصلح للكتابة أم لا، وبعد أشهر تحقّق لي الفوز، ومع ذلك لم تنشر الرواية".