بين لطف الكلمة وشراسة التصدّي، كانت مسيرة "العابر" محمد عبد اللطيف آل الشيخ، الذي رحل الثلاثاء، عن عمر ناهز 69 عاماً، تاركاً إرثاً ثقافياً كبيراً.
ونعى الوسط الصحافي السعودي الكاتب الراحل، وأحد أشهر الكُتّاب السعوديين خلال العقود الأربعة الماضية، واتفق مثقفون سعوديون على وصفه بـ"القادم من عالم المال والإعلام إلى عالم الثقافة والأدب"، فكرّس حياته للكتابة والنشر.
وكانت المجلة العربية الصادرة عن وزارة الثقافة السعودية، اختارت الراحل شخصية لغلاف عددها الصادر في يونيو الماضي، إثر تدهور حالته الصحية.
لم يكن محمد عبد اللطيف آل الشيخ كاتباً صحافياً فقط، بل من روّاد الساحة الأدبية الشعبية، إذ ترأس مجلتي "قطوف" و"حياة الناس"، سعياً لإثراء الساحة الأدبية والفكرية في السعودية.
كما اهتمّ بالشعر، وغنّى له كبار نجوم الغناء في المملكة، ومنهم عبد المجيد عبد الله، واشتهر باسمه المستعار "العابر".
في مقابل ذلك الإنتاج الأدبي، عُرف الراحل من خلال كتاباته بمواجهته المبكرة للفكر المتشدّد، من خلال زاويته التي كان يكتبها في صحيفة "الجزيرة" السعودية بعنوان " شيء من".
كما أصدر كتاباً بعنوان "حتى لا يعود بن لادن"، ضمّنه مقالاته التي واجه فيها الفكر المتشدّد. ومن أشهر ما كتب "التكفير مادة الإرهاب"، وحذّر فيه من أن "فكرة التكفير بالمعاصي في ثقافة الخوارج، كانت في وجه ما غاية لتبرير القتال وإباحة الدم، ومن ثم الوصول إلى انتزاع السلطة بالقوة".
ولفت آل الشيخ في مقاله إلى أن "علماء السلف تنبّهوا لخطورة التكفير والحكم المتعجل على المسلم بالخروج عن الملّة"، وأوضحوا أنه "يمكن القول إن التكفير شرعية من لا شرعية له".
وعلى هذا النهج، كتب الراحل في مواجهته التشدّد والمتطرّفين، محذراً من أهدافهم غير المعلنة، "إنهم يدافعون عن الإرهاب"، موجهاً الحديث إلى من انتقدوا التحالف العالمي على الإرهاب الذي شاركت فيه دول عربية ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
ونوّه "آل الشيخ" في مقاله إلى أن من المتشدّدين من أعلن براءته من فعل "داعش"، لكنه بدأ ينتقد الحملة على التنظيم، كما حذّر دولاً غربية من إيواء المتشددين بقوله:
"اتضح للغربيين أنهم جعلوا من بلدانهم ملاذاً آمناً لدعاة التأسلم السياسي، وأن من يؤوي الثعابين فلن يسلم من لدغاتها؛ وهاهم آلاف الشباب الغربيين المسلمين يلتحقون بالجماعات الإرهابية المتأسلمة، ويتبنون الخطاب الإسلامي المسيّس، ويتأدلجون، ثم يتطرّفون".
وذهب الراحل إلى التحذير "من الطائفية التي تبرز كأحد أخطر نتائج التطرّف والتشدّد، وكتب في ذلك مقالاً بعنوان "ألجموا هؤلاء المشايخ الدمويين".
وكتب:"يأبى أحد المشايخ إلا أن يرسّخ الصراعات الدموية بين الطوائف، متذرعاً بأقوال فلان وفتاوى فلان، وفي رأي هذا الرجل أن الذي ليس من طائفتك العقدية، فهو في معاييره من (الطوائف الممتنعة)، وحكمها - إذا ظفرت بأحد أفرادها - هو القتل".
لا تنتهي كتابات الراحل عند تلك المواجهات، بل كانت له رؤيته في كيفية تسخير المتطرّفين النص الشرعي لأفكارهم، وفي ذلك كتب مقالاً بعنوان "الشريعة ليست مصنفاً تتناوله من الرف وتطبقه".
استعرض في المقال تناقضات بعض الجماعات في مفهومها لتطبيق الشريعة الإسلامية، وأورد أحداثاً شهدها العهد النبوي تؤكد أن "الرسول (ص) يأخذ بالاعتبارات الواقعية والظروف الموضوعية في الأحكام"، ليستدلّ الكاتب بذلك على أن "الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، ما لم تتغيّر أحكامها تبعاً للمصالح وظروفها ومقتضياتها".
وأشار إلى أن "من يقرأ سيرة ثاني الخلفاء عمر بن الخطاب، وكيف تعامل مع المتغيّرات أثناء حكمه، يجد أن الشريعة فعلاً تتغيّر بحسب مقتضيات الظروف والمصالح".
هكذا كانت المسيرة الثقافية للعابر محمد عبد اللطيف آل الشيخ، بين كلمة لطيفة رقيقة في قصيدة مغناة، وكلمة مدوية مدعمة بالبحث والمعلومة، في هجوم شرس على التطرّفوما ينتجه من إرهاب عانت منه المنطقة لعقود وفي قلبها السعودية.