5 مترجمات عراقيات لـ"الشرق".. نقل المعارف يقابله غياب الحقوق

أغلفة كتب خمس مترجمات عراقيات - الشرق
أغلفة كتب خمس مترجمات عراقيات - الشرق
بغداد -علي صلاح بلداوي

تعدّ الترجمة عملية تفكيك للنص من لغته الأصلية، وإعادة هيكلته بالروحية ذاتها، ولكن بلغةٍ أخرى، لغة لم يكن النص ليكتب بها، لولا أن مترجماَ ما، وضع خبرته في هذه العملية، التي لا تقلّ تعقيداً عن أي عملية هندسية، ترتبط بالهدم وإعادة البناء.

إذا كان الكاتب يقوم بمهمة واحدة، ألا وهي الكتابة، فالمترجم يقوم بمهتمين: مهمة الكاتب الأصلية، ومهمته بصفته ناقلاً إلى لغة أخرى، إذ يقوم بإعادة الكتابة بالطريقة نفسها التي فعلها الكاتب، أي السير أثراً بأثر، كي لا يفقد طريقه ويتوه.

وإعادة الكتابة هذه لا تتم بالسهولة التي يتوقعها القارئ، إذ يخرج نصّاً جديداً بروح الكتاب الأصلي، ولو اختفت لمات النص المُتَرجم، وسيكتشف القارئ موته، وهذا الأمر يستدعي الموهبة الأدبية والخبرة الفنية.

الترجمة ميناء من خلاله يصلنا كل ما يستجدّ في الأدب، وما تنتجه بلدان العالم من معارف، وهذا يحسب للمترجمين الذين يعملون بجهودٍ فردية، أو مع مؤسسات للترجمة.

 لكن بعيداً عن الأسماء المعروفة أو التي ترعاها دور النشر، برزت أسماء عدّة في الحقل الترجمي في العراق، أسماء شابّة غامرت في هذا المحيط، لترسو بحمولات من العناوين الأدبية الجديدة.

البدايات ودوافع الترجمة

 "الشرق" التقت 5 مترجمات عراقيات، أصدرت كل واحدة ترجمات في الرواية وعلم النفس والسيرة، وتحدثت عن النتاجات وظروف العمل في العراق، وما يواجهه المترجم من تسهيلات وتحديات.

مروة الجزائري، ترجمت أربع ترجمات منها رواية "سر الزوج" للكاتبة  ليان موريارتي، إلى جانب ترجمات قادمة، تقول إن شغفها بالقراءة ورغبتها في مشاركة الأفكار دفعاها إلى الترجمة، حيث كانت تجد الكتب التي تقرؤها بالإنجليزية أغلبها غير مترجمة وموضوعاتها مهمة.

 ربى صباح، لديها أربع ترجمات لكتب عن الفرنسية، منها "كلود جو" للأديب فيكتور هوغو، تشير إلى أن دخولها قسم اللغة الفرنسية، وتعمّقها بالأدب الفرنسي، دفعاها إلى ترجمة أعمال الكُتّاب المعروفين.

زينب بني سعد، أصدرت 5 ترجمات، إلى جانب "سيرتي" للكاتب أنتوني ترولوب، تقول: "تلقّيت أولى محاولاتي لتعلّم الأبجدية الإنجليزية على يد أستاذة مُحبّة، وكان حبي للغة ومحاولاتي الدائمة في سبر أغوارها، هو الدافع الأوّل الذي مهّد لي الطريق".

زهراء صباح، ترجمت 5 روايات حتى اليوم، من ضمنها "الحديقة السرية" للكاتب فرانسيس ه.بيرنت"، و "في مديح الفشل" لـ كوستيكا براداتان"، تقول: "بدأت مسيرتي في الترجمة ضمن فريق تجمّع أفلام العراق، ترجمتُ العديد من الأفلام، ولم يستمر اﻷمر طويلاً لأنه كان يتطلب الكثير من الوقت والالتزام".

 وداد عبد الحليم ،ترجمت "الحالة المحيّرة بنجامين"، للكاتب سكوت فيتزجيرالد، و"المنزل ذو الطابق الأوسط"، قالت: "بما أني شخص يحب الكتب والقراءة واللغة الإنجليزية، وجدت أن الترجمة تجمع بين هذه العناصر، فدخلت هذا الحقل، ووجدت نفسي فيه".

النشر وحقوق الترجمة

تشير ربى صباح إلى صعوبات واجهتها، مثل اختيار الكتاب والتعامل مع النص، لكنها وجدت تعاوناً من دور النشر، لجهة حقوق النشر والطباعة، وترجمت بداية عملاً كاملاً ومتقناً، لكنه لم يرَ النور وانتهت رحلته. 

بينما ترى زينب بني سعد، أن الأخطاء جزء من البدايات، ويمكن تجاوزها بالتوجيه. فيما وجدت وداد عبد الحليم صعوبة في شراء حقوق النشر، فاختارت ترجمة كتب قديمة. 

مروة الجزائري لم يُنشر عملها الأول، لعدم شراء الناشر حقوق الترجمة، بعدها أدركت أهمية التعامل مع ناشرين موثوقين، وفهم حقوقها كمترجمة.

وتشير إلى جانب مهم يمثّل خلاصة الجهد في الترجمة، وهو عدم معرفتها حقوقها المادية والمعنوية كمترجمة للعمل، واعتمادها على الناشر في تحديد بنود العقد، مثل أجور الترجمة، وحقوق الملكية الفكرية، وموعد التسليم وغيرها.

في حين أن زهراء صباح، لم تواجه مشكلات في الحقوق والنشر، لكنها تعتقد بوجود نقص دائم في الأعمال، بسبب غياب قوانين تحمي المترجمين. 

انتقاء الأعمال الأدبية

لاشكّ أن انتقاء العمل الأدبي لغرض الترجمة، من أهم الخطوات التي يشرع بها المترجم، بغية إنجاز ترجمة ما. ولكي تحقّق هذه الترجمة نجاحاً، لا بدّ أن تخضع لمعايير مختلفة، تجعلها في طليعة ما يصدر من ترجمات في الوطن العربي.

 تقول الجزائري: "على الرغم من المساحة الضيقة لنا كمترجمين، لجهة الاختيار بين الأعمال المستحصل على حقوقها، إلا أني انتقائية ولديّ معايير خاصة، إذ يهمّني موضوع الكتاب والرسالة التي أروم إيصالها إلى القارئ. وإلى جانب عملي كمترجمة، أعمل على رفد دور النشر باقتراحات كتب ذات قيمة معرفية أو أدبية، لأحدث الإصدارات الأجنبية".

 أما وداد عبد الحليم، فأوضحت أنها "اختارت الأعمال التي لم تُترجم من قبل أبداً ومحتواها مهم ، هناك أعمال لكل فئة عمرية: للناشئة، للبالغين، وللأطفال أيضاً. لا أستطيع ترجمة أي عمل خصوصاً إذا كان النص خادشاً للحياء، ولا يحتوي على أي فكرة أو رسالة". 

وترى زهراء صباح، أن "المترجم عادةً لا يختار الكتب التي يريد ترجمتها، ولا أظن المترجم العراقي له رفاهية اختيار الكتب التي يريدها، وإن حصل فتلك مرحلة نعيم يعيشها مع دار النشر".

أضافت: "شرعت أخيراً برفض الكتب التي لا تناسب اهتماماتي، واكتفيت باختيارات فلسفية، وأولى تلك الاختيارات صدور كتاب "في مديح الفشل" للفيلسوف الروماني اﻷميركي كوستيكا برادتان".

ربى صباح، وجدت "أن التعاون بين المترجم ودار النشر هو الأفضل، وعادةً يكون اختيار الكتاب بالتعاون بيني وبين دار النشر، وأحياناً يكون في حوزتهم عدة اقتراحات للترجمة، أو أجد كتاباً يستحق الترجمة فأطرحه على الدار".

أما زينب بني سعد فتضع ثقتها في العنوان من النظرة الأولى، وتقول: "أثق بحدسي عندما يقع بين يديّ كتاب، أرى أنه مهم من العنوان".

أضافت: "المرحلة التالية تكون مهمّة في نظري أكثر من أي شيء آخر، لأنها مرحلة "البحث" بكل بساطة. أقرأ عن المؤلف/ة وعن أعماله بصورة عامة، أتابع سنوات إصدارته الأدبية، وإن وجد عمل آخر مترجمٌ بالفعل، أتجه لقراءته كي أطلع على أسلوب الكتابة لديه، بعد ذلك أعرض العمل على دور النشر".

العلاقة مع النصّ

تخضع عملية الترجمة لتحضيرات عدّة، من أجل الإحاطة الكاملة بالنص المترجم، والاطلاع على خلفيات الكاتب المعرفية وأسلوبه، وحتى سيرة حياته، ما من شأنه أن يجعل المترجم قادراً على تجاوز صعوبات فهم الفكرة وإيصال المعنى. 

هذا ما تؤكده ربى صباح قائلة: "في اللحظة التي أبدأ فيها ترجمة كاتب ما، أطّلع على أعماله وأسلوبه والمدرسة الأدبية التي ينتمي إليها، فضلاً عن تأثير الحقبة الزمنية وأحداثها على كتاباته، بعدها ابدأ المرحلة الأولى من الترجمة باختيار المفردات التي تناسب أسلوب الكاتب وفكرته، وتليها مرحلتين من التدقيق، وبعدها التنقيح والمراجعة". 

غير أن زهراء صباح، تعتمد تقنية خاصة في فهم النص، فتذكر أنه "فور البدء بالترجمة، أسمع الصوت الداخلي لتلك النصوص، لأنها مرتبطة بصوت الكاتب، وأحرص على أن يكون مسموعاً للقارئ، فهذه إحدى التقنيات التي أستخدمها في الترجمة".

هذا الأمر ينطبق على وداد عبد الحليم في تعاملها مع النص فتقول: "أحاول فهم شعور الكاتب وما يقصده وما يريد إيصاله للقارىء". 

الأمانة ونقل المعنى

مروة الجزائري تعتبر "أن الأمانة في الترجمة هي الأهم، وهذا أيضاً بحسب المنظّرة ماريان لودوير، أي أن لا يحلّ محل المعنى الأصلي مقصد آخر. لذلك أتعامل مع النص الأصلي بحذر ودقّة، حتى تكوّن ترجمتي أحاسيس مماثلة لدى القارئ".

وتؤكد أنها "لا تترجم ترجمة حرفية، لأن الترجمة لا تعنى بنقل خواص اللغة، وإنما بنقل المعنى، لعدم تطابق لغة مع أخرى في أسمائها وأفعالها واستعاراتها". 

زينب بني سعد تجد "أن الفهم والتأني هما أساس العملية، حتى نتجنب المبدأ السائد بأن "الترجمة هي خيانة للنص"، إذ لا بد من وجود جسر ثقافي - معرفي بين لغة المصدر ولغة الهدف".

تقول: "قراءة النص بتأنِ وفهمه قبل الشروع بعملية الترجمة، واعتماد البحث في أكثر من معجم، عادت عليّ بالنفع رغم التعب، حتى لا أشتقّ معنى يخالف لغة المصدر".

واقع المترجمين الشباب 

معرفة واقع المترجمين الشباب في العراق ومدى تطوّرها، مرهون برأي المترجمين الشباب، الذين يتابعون آثاره، ومدى منافسته للأعمال المترجمة في العالم العربي، كما أن ظروف إنجاز العمل وطباعته، هي بحد ذاتها مسألة أخرى تشغل المترجم وربما تؤرقه.

لكن ماذا عن نظرة المترجمات إلى نتاجات المترجمين الشباب والظروف المطلوبة لإنجاز عملهم؟

تقول مروة الجزائري: "ظهر في السنوات الماضية مترجمون ومترجمات شباب يستحقون الإشادة. أما فيما يخص ظروف العمل، فأنا في صراع دائم مع الوقت. أولادي لهم الأولوية، وباقي الوقت بين عملي كمهندسة كهرباء، والترجمة وترشيح الكتب لدور النشر، وقراءاتي الشخصية".

تضيف: "الترجمة هي عملي الثانوي، لأن دخلها محدود، وغير مستمرّ، ولا يمكن الاعتماد عليه كمصدر رزق أساسي".

وتشير زهراء صباح إلى "ازدياد عدد دور النشر التجارية، والغياب التام لدور النشر الحكومية، وللقوانين التي تحمي حقوق المترجمين الفكرية والمادية، لذلك فالمترجم العراقي يعيش حالة من اللارفاهية".

استغلال المترجمين الشباب

ترى وداد عبد الحليم أن الترجمة الشبابية في العراق لم تأخذ المساحة التي تستحقها، وأغلب المترجمين، من ضمنهم أنا، نقدّم أعمالنا مقابل مبالغ بسيطة. كما أن بعض المبتدئين لا يأخذون أي مبلغ، في مقابل طباعة عملهم المترجم فقط. وهذا يحدث مع معظم الدور العراقية، وهناك استغلال كبير للمترجمين العراقيين".

زينب بني سعد تؤكد على الظروف الصعبة التي يعيشها العراقيون، وغياب الوظائف، والانشغال بالأعمال الحرة الصعبة، كلها تتطلب وقتاً وجهداً، حتى يتمكن المترجم الحقيقي من إنجاز عمل أدبي أو أثنين خلال سنةٍ واحدة".

وتعتبر ربى صباح "أن حركة الترجمة الشبابية في العراق ما تزال ناشئة وضعيفة، فضلاً عن تخوّف دور النشر من الاعتماد على المترجمين الشباب، ولكن في السنوات الأخيرة، بدأ الأقبال على الترجمة يتزايد، وبدأت الدور الحديثة بالاعتراف بضرورة وجود مترجمين شباب، وهذا نذير خير".

تصنيفات

قصص قد تهمك