"الشوك والقرنفل".. رواية تكشف الوجه الآخر للسنوار

رواية يحي السنوار "الشوك والقرنفل" - afabookshop.adam-qs.com
رواية يحي السنوار "الشوك والقرنفل" - afabookshop.adam-qs.com
دبي-الشرق

عُرف يحيى السنوار منذ 7 أكتوبر الماضي، على أنه مهندس الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل، ولكن هذا ليس وجهه الوحيد، إذ يكشف في روايته "الشوك والقرنفل"، التي يتحدث فيها بلسان الراوي (أحمد)، بألسنة متعددة، عن أوجهه المختلفة، بينها وجهه الأدبي.

وأمضى السنوار، الذي نشأ في مخيم للاجئين الفلسطينيين، سنوات في سجون الاحتلال، تعلّم خلالها العبرية وأجادها، ثم درس تاريخ السردية الإسرائيلية، واستخدمها في المواجهة، بحيث قال أحدهم مشيداً بمهارته: "لا يمكن أن يكون فلسطينياً، إنه يعرف كل شيء عنا".

ويستشهد السنوار بتجربة السجن قائلاً: "هكذا بدأ السجن يتحوّل إلى مدرسة متقدّمة يعلّم فيها المتعلم غيره، ويتدرب الجدد على المناظرة والتفكير السياسي، وبدأ يتبلور فكر سياسي وأيديولوجي واضح للمعتقلين بحسب انتماءاتهم السياسية".

ويسرد السنوار في روايته تفاصيل الواقع الفلسطيني المتشعّب والمعقّد، الواقع تحت وصايات عربية ودولية، ويستهلها بالقول: "هذه ليست قصتي الشخصية، وليست قصّة شخص بعينه، رغم أن كل أحداثها حقيقية، وتخصّ هذا الفلسطيني أو ذاك".

كتب الأدباء كثيراً عن فلسطين، انطلاقاً من ضرورة استمرار السرد الذي يقاوم النسيان، وعدم تمرير ما فعله الاحتلال بيُسر، ورواية "الشوك والقرنفل" تسير على النهج نفسه، لكنها ليست مثل الروايات الأخرى، فهي أولاً تندرج ضمن أدب السجون، وثانياً لأن كاتبها هو يحيى السنوار.

"مسلخ" غزة

أمضى السنوار 23 عاماً في السجون الإسرائيلية، قبل أن يخرج ويتولى مسؤوليات أمنية داخل "حماس"، إذ كان معتقلاً في سجن بئر السبع، وأنهى فترة محكوميته سنة 2004، أي قبل 20 سنة من الحرب على غزة.

وكتب السنوار وقائع حقيقية عن تجربته في السجون قائلاً: "قسم التحقيق في سجن غزة كان يسمى المسلخ، لما يُمارس فيه من تعذيب وقهر وسلخ لمن يدخله، وهو عبارة عن مبنى فيه ممر يتوسّط المكان، عرضه نحو 4 أمتار وطوله 20 متراً، وعلى جانبيه تُفتح أبواب غرف مختلفة الحجم يتمّ فيها التحقيق".

أضاف: "في هذا الممرّ الطويل، يتم إجلاس المعتقلين على الأرض، أو إيقافهم ووجوههم إلى الجدار، وقد غطّيت رؤوسهم بأكياس من القماش السميك حتى الأكتاف، ورُبطت أيديهم خلف ظهورهم." 

أحلام الأرز واللحم

 وتتسم لغة الرواية بالسلاسة المتدفقة، إذ لا تعقيدات درامية وأسلوبية فيها، فيشخّص فيها الرواي بدقة الحياة الاجتماعية في المخيمات، والظروف الاقتصادية المرتبطة أصلاً بصفة اللاجئ، والعيش على إعانات وكالة الغوث، وعلى بعض الأعمال البسيطة، بفعل واقع الاحتلال.

ويصف السنوار في روايته الواقع المعيشي الصعب في فلسطين بفقرة تنمّ عن فكاهة مريرة، فيقول: "في أحد الأيام كان الجو شديد البرودة وعاصفاً، تبلّل غالبيتنا من مياه المطر في طريق ذهابنا إلى المدرسة. بعد أن تناولنا الحليب، دخلنا فصلنا وجلسنا على مقاعدنا نرتجف. دخل الأستاذ الشيخ علينا، وكأنه أدرك أننا لسنا بحالة تسمح لنا بالدراسة أو القراءة أو الفهم فأراد أن يُضحكنا قائلاً: يا أولاد تخيّلوا أن السماء تمطر الآن أرزاً ولحماً.. حدثت ضوضاء في الصف ونسينا البرد والبلل على ذكر الرز واللحم، وبدأنا نتحدث دون نظام: أنا لن أكل سوى اللحم .. أنا أحب الرز ... أنا ... أنا".

وتابع: "تركنا الشيخ نلهو نلعب ونعيش أحلام الرز واللحم بضعة دقائق، ثم صرخ فينا: اسكتوا.. الله يجعلها تمطر جراداً تعضكم جميعاً مرّة واحدة".

وأردف: "أخرجوا كتاب القراءة، افتحوا على الدرس العشرين، اقرأ يا أحمد.. فتحت كتابي الذي كان مبتلاً بالماء، وبدأت القراءة وأنا أرتجف من البرد، وشفاه الشيخ تتمتم: لا حول ولا قوة إلا بالله، لازم تتعلموا حتى تصبحوا (بني آدمين)".

يحكي السنوار كل ذلك من خلال عائلته الصغيرة، إذ يقوم جدّه الشيخ المتعب في البداية بدور المعيل للعائلة، ثم تحافظ الأم على تماسك الأولاد، بعد أن أخذ الإسرائيليون أبيه وعمه.

اختفى الوالد، قبل أن تأتي الأخبار عن موته في آخر فصول الرواية الثلاثين، وتوفى الثاني، وأصبحت الأم على رأس عائلة مكوّنة من أولادها وأبناء عمهم، الذين سيشكلون النسيج الروائي المحكي. 

السردية الفلسطينية

لا تتمركز الرواية على حبكة محدودة، بل هي سردية الواقع الفلسطيني الاجتماعي والسياسي، الذي يتنوّع ما بين مقاومة سلمية وأخرى مسلّحة، فقر ولجوء، بيوت صفيح، وصولاً إلى وجهات نظر سياسية واقتصادية مختلفة. 

تدور الرواية حول عائلة تعيش في مخيمات غزة، في تعالق مباشر مع مجريات القضية الفلسطينية منذ 1967، تاريخ النكسة في الأدبيات السياسية، التي عرفت سيطرة إسرائيل على قطاع غزة حتى انتفاضة عام 2000. 

يستعرض السنوار من وجهة نظر الكاتب، المنتمي إلى التيار الإسلامي الذي تتبناه "حماس"، التاريخ السياسي للقضية بكل تشعّباتها والفاعلين والمؤثرين فيها، والأحداث والمتغيرات التي عرفتها. 

ويبدأ من الخط السياسي المعروف الذي يوجّه دفة السرد، وينتقل إلى العوالم المرسومة التي نجدها في تيار الأدب الإسلامي، الذي يرسم لشخصياته حدوداً معينة، ويجعل آلية الوصف فيه مسارات مقيّدة بضوابط الدين الإسلامي. 

أفراح الحارة 

ويكتب عن لسان بطله: "يوم تمّ إطلاق سراح شقيقي محمود، انتظرنا جميعاً أمام باب السرايا، ثم أطلّ من الباب مع ساعات الظهر، حين رآنا ركض نحونا، واستقبلناه بالأحضان، كانت أمي كالعادة متأخرة، وصل إليها محمود وانكبّ عليها يقبّل رأسها ويديها، وهي تحاول منعه قائلة "لا يا باش مهندس".

يضيف: "انطلقنا إلى البيت ورؤوسنا تطاول العنان، وكلما مررنا بأحد معارفنا وقف مسرعاً أو التفت إلينا مسرعاً وجاء مهنئاً مقبلاً، قائلاً (الحمد لله على السلامة يا باش مهندس)، وصلنا أطراف الحارة فكانت كلها في انتظارنا، واستقبلوا محمود مثل الفاتحين المحرّرين، ودامت الأفراح أياماً متتالية."

هكذا نتتبع تطوّر الأحداث كما رآها أحمد، منذ كان طفلاً، ثم ما استتبع ذلك من تكوين خلايا مقاومة من قِبل بعض سكان المخيم، وما تلاها من اعتقالات واستجوابات، ومن ثم ظهور مصطلح "الفدائيين" في حركة "فتح"، عقب معركة الكرامة في الأردن، و"أيلول الأسود"، و"حرب أكتوبر" 1973، والحرب الأهلية اللبنانية، ودور اللاجئين الفلسطينيين فيها. 

بعدها اندلعت الانتفاضة الأولى في الثمانينات، وتبعتها حرب الخليج مع إطلاق صدام حسين الصواريخ باتجاه تل أبيب عام 1991، ثم توقيع اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ودخول السلطة إلى قطاع غزة. 

الخلاف الداخلي 

الجزء الأعمق من الرواية، يتناول الخلاف حول كيفية التعامل مع وضع الاحتلال، ما بين أعضاء التيار الإسلامي من جهة، وتيار "فتح" ثم خيارات السلطة الفلسطينية فيما بعد. 

يتناول بموازاة ذلك عمليات الفدائيين، أو ما أطلق عليهم في الرواية "المجاهدين" لاحقاً، ضدّ الجنود الإسرائيليين في غزة وأماكن أخرى من فلسطين، وذلك خلال الانتفاضة الأولى وما تلاها من عمليات مسلحة.

 في الرواية شخصيتان أساسيتان: الأخ الأكبر محمود، عضو حركة فتح الذي يدافع عن المقاومة من خلال السياسة، وابن العم إبراهيم، الذي يتبنّى خيار المقاومة بلا هوادة، واستمرار العمليات المسلحة حتى تحقيق النصر على كامل تراب فلسطين. وهو بذلك، يستعين بالعقيدة كمحفّز وأساس أفعاله. 

صفحات طويلة من الرواية، تُظهر تأثّر السنوار تدريجياً برؤية الحركات الإسلامية منذ بداياتها، من الدراسة الثانوية والجامعية، ثم اعتناق هذا الفكر لاحقاً. وهذا ما ذكره في روايته لاحقاً: "بدأنا نفهم أن للصراع وجه آخر لم نكن ندركه، فالمسألة لا تتعلق بأرض وشعب مطرود من بلاده، وإنما هي عقيدة ودين، معركة حضارة وتاريخ ووجود".

تصنيفات

قصص قد تهمك