صعوبات لوجيستية تعرقل أعمال التجديد وإعادة الانتشار الأميركي في المحيط الهادئ وسط مخاوف بشأن قدرات بكين

لمواجهة الصين.. الولايات المتحدة تعيد تأهيل منشآت جوية تعود للحرب العالمية الثانية

صورة بالأقمار الاصطناعية التقطتها شركة Maxar Technologies في يناير 2022 تظهر جزيرة تينيان حيث تعمل الولايات المتحدة على إحياء مطار من حقبة الحرب العالمية الثانية - AFP
صورة بالأقمار الاصطناعية التقطتها شركة Maxar Technologies في يناير 2022 تظهر جزيرة تينيان حيث تعمل الولايات المتحدة على إحياء مطار من حقبة الحرب العالمية الثانية - AFP
دبي -الشرق

تعيد الولايات المتحدة تأهيل مدارج طائرات في المحيط الهادئ، استُخدمه الجيش الأميركي لإلقاء القنبلتين النوويتين على اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، ولكن هذه المرة لمواجهة "تهديد عدو مختلف"، وهو الصين، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".

وذكرت الصحيفة الأميركية في تقرير، الأحد، أن المدارج تقع في جزيرة تينيان الصغيرة الأميركية، وهي جزء من تحول كبير في كيفية تعامل الولايات المتحدة العسكرية مع أي صراع محتمل في آسيا.

وأوضحت الصحيفة، أن الولايات المتحدة ستعمل على نشر طائراتها الحربية بدلاً من الاعتماد على عدد قليل من القواعد الجوية الكبيرة؛ لتقليل تعرضها للترسانة الضخمة من الصواريخ الصينية. وتشمل هذه الجهود تحديد مدارج طيران في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتطويرها وإعادة تشغيلها لاستخدامها عند الحاجة.

استراتيجية "التوظيف القتالي السريع"

وتطلق الولايات المتحدة على هذه الاستراتيجية اسم "التوظيف القتالي السريع"، أو ACE. ويعد إعادة بناء مدرج تينيان جزءاً رئيسياً من هذه الاستراتيجية، وفق الصحيفة.

ورجحت "وول ستريت جورنال"، أن إعادة تشغيل مدرج يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، وتكسوه غابات كثيفة على جزيرة في المحيط الهادئ "لن تكون مهمة سهلة".

قوات أميركية تخيم على مدرج متهالك في جزيرة تينيان أثناء تدريبات للقوات الجوية. 18 فبراير 2020
قوات أميركية تخيم على مدرج متهالك في جزيرة تينيان أثناء تدريبات للقوات الجوية. 18 فبراير 2020 - Stars and Stripes

وفي الأشهر الأخيرة، قطعت فرق من القوات الجوية الأميركية طريقها عبر الغابات الكثيفة باستخدام المناجل وأجهزة تحديد المواقع GPS، حيث كانت مهمتها تحديد حدود مدارج الطائرات القديمة التي يبلغ طولها 8500 قدم (2590.8 متراً)، اعتماداً على صور وخرائط قديمة تعود إلى أربعينيات القرن الماضي.

وواجهت الفرق الأميركية "عناكب صفراء، وأسراب من النحل، ورطوبة خانقة". وجرفت حفارات ضخمة مساحات شاسعة من الأشجار، بمعدل 117 حمولة شاحنة في اليوم الواحد. وفي أفضل أيامها، تمكنت الفرق من تجريف مساحة تعادل حجم 8 ملاعب كرة قدم.

وقال الرقيب جودي برانسون، مشرف العمليات التابع للسرب 513 في القوات الجوية الأميركية، للصحيفة: "كانت الكثافة صعبة للغاية، إذا كنت أنا وأنت نسير هناك، يمكن أن نكون على بعد 10 أقدام من بعضنا، ولن نتمكن من رؤية بعضنا".

وعلى مدى عقود، لم تكن الولايات المتحدة بحاجة إلى هذا المطار، إذ عززت وجودها في عدد قليل من القواعد الجوية الكبيرة، مثل اليابان وإقليم جوام الأميركي.

ولكن في الوقت الحالي، لم يعد بإمكانها الاعتماد على تلك القواعد وحدها. ففي أي صراع، يمكن للصين توجيه قوتها النارية الكبيرة نحو تلك القواعد المعروفة لتدمير الطائرات، وتدمير المدارج، وشل القوة الجوية الأميركية.

ولتجنب هذا السيناريو، ستتبع الولايات المتحدة استراتيجية مختلفة خلال الأزمات. وتنطوي هذه الاستراتيجية على توزيع الطائرات على مجموعة واسعة من القواعد الجوية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، سواء كانت قواعد كاملة لدى الحلفاء، أو مدارج منعزلة على جزر نائية، أو حتى مدارج المطارات مدنية.

وستتنقل الطائرات بين هذه المواقع المختلفة "لجعل الصين في حيرة" وزيادة فرصها في النجاة، حسبما ذكرت "وول ستريت جورنال".

إعادة انتشار

وأوضح مايكل وينكلر، نائب مدير العمليات الجوية والفضاء السيبراني في القوات الجوية الأميركية بمنطقة المحيط الهادئ، أن الهدف من ذلك هو "عدم تجميع جميع طائراتنا في هدف واحد كبير وسهل".

وأضاف: "ثمة جانب يتعلق بالتوزيع، بالإضافة إلى المرونة، بحيث لا تكون الطائرات مرتبطة بقاعدة واحدة محددة".

وأشار وينكلر إلى صعوبة الحفاظ على إمداد وحدات صغيرة متفرقة، وبعيدة، ذات تجهيزات محدودة. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بالمسافة، فكلما ابتعدت الطائرات عن ساحة المعركة الرئيسية، كان من الصعب عليها المساهمة في القتال.

صورة من الأرشيف الوطني الأمريكي، التقطت في 6 أغسطس 1945، تظهر الطائرة B-29 إينولا جاي بعد هبوطها في جزيرة تينيان من مهمتها لإسقاط أول قنبلة ذرية فوق هيروشيما باليابان
صورة من الأرشيف الوطني الأمريكي التقطت في 6 أغسطس 1945 تظهر الطائرة B-29 إينولا جاي بعد هبوطها في جزيرة تينيان من مهمتها لإسقاط أول قنبلة ذرية فوق هيروشيما باليابان - AFP

وأضاف وينكلر، أن نشر الطائرات في مواقع مختلفة يعني أيضاً أن الولايات المتحدة تحتاج للأماكن التي يمكنها استخدامها للهبوط والإقلاع، وإبراز القوة في وقت الأزمات.

وتابع: "نحن مهتمون بأي مدارج بشكل أساسي. إذا كان لديك مدرج يزيد طوله عن 7 آلاف قدم، فسنعتبره قاعدة تشغيل محتملة".

وأشار إلى أن القائمة تشمل عشرات المواقع في مختلف أنحاء هذه المنطقة الشاسعة، مضيفاً: "لدينا خريطة كبيرة تحتوي على العديد من المطارات، ونسعى جاهدين للوصول إلى أكبر عدد ممكن منها".

وتتواجد بعض هذه المدارج على أراضٍ أميركية، مثل تينيان، لكن أغلبها ليس كذلك، بما في تلك المتواجدة في مواقع حيوية قريبة من تايوان، التي تُعتبر "أخطر بؤرة توتر" محتملة في المنطقة، بحسب وينكلر.

وأشار وينكلر إلى المنشآت العسكرية والمدارج التجارية المتواجدة في اليابان والفلبين، التي يُمكن نشر الطائرات فيها. وقال إن جزيرة لوزون الفلبينية وحدها تضم ستة أو سبعة مدارج مناسبة للاستخدام.

ويعني ذلك أن واشنطن سيتعين عليها إجراء "مناقشات صعبة" مع حلفاء وحكومات صديقة، لاستخدام أراضيهما في حال نشوب صراع. وقرر الجيش الأميركي عدم تأجيل هذه المناقشات "حتى لحظة وقوع الأزمة"، بحسب وينكلر.

وقال وينكلر: "نحن نحاول ألا نجبر حلفائنا وشركائنا على اتخاذ خيار صعب بين شريك اقتصادي وشريك عسكري".

وفي الوقت الراهن، ترسل الولايات المتحدة طياريها إلى أكبر عدد ممكن من المواقع المحتملة للاستفادة منها، وذلك بهدف التعرف على البيئة المحيطة، بحسب "وول ستريت جورنال".

وتعمل الولايات المتحدة في بعض المواقع على تأسيس البنية التحتية اللازمة لجعل المنشآت أكثر ملاءمة للاستخدام. وتشمل هذه الجهود قياس المدراج، وبناء أرصفة جديدة، ومستودعات، ومرافق للتزود بالوقود، بالإضافة إلى التدريب على العمل مع فرق صغيرة من مناطق وعرة.

تحديث المدارج

وأظهرت وثائق الميزانية الأميركية، ومقابلات مع مسؤولين في سلاح الجو، وزيارات إلى مواقع عسكرية في تينيان، وجوام، وشمال أستراليا كيفية تنفيذ هذه الجهود. وتمول الولايات المتحدة إنشاء ممر وموقف للطائرات في قاعدة "باسا" الجوية بالفلبين بحجم يسمح باستقبال الطائرات الأميركية، وذلك بعد رفع كفاءة المدرج وبناء مستودع، بحسب "وول ستريت جورنال".

وتعد "باسا" واحدة من 9 مواقع عسكرية في الفلبين سُمح للقوات الأميركية باستخدامها بموجب اتفاق.

وإلى جانب إعادة بناء مطار نورث فيلد على جزيرة تينيان، تعمل الولايات المتحدة على رفع كفاءة المطار الدولي بإضافة ممرات جديدة ومواقف تتسع لـ12 طائرة للتزوّد بالوقود، كما تظهر وثائق الميزانية.

ويُعد الموقع مركزاً ثانوياً للتزود بالوقود يحتوي على خزانات وأنابيب تخزين، في حال تضررت القاعدة الأميركية الكبيرة في جوام، وفقاً للصحيفة.

وفي جوام، تعمل فرق عسكرية على ترميم مدرج جوي آخر يعود إلى الحرب العالمية الثانية، بهدف توزيع الطائرات في مواقع مختلفة على الجزيرة نفسها.

وعلى بعد 500 ميل تقريباً، اقترحت القوات الجوية الأميركية تمديد مدرج على جزيرة "ياب" الواقعة في أرخبيل ميكرونيزيا ذا الشعاب بقيمة 400 مليون دولار، لاستخدامه "في حال تعذر الوصول إلى مواقع أخرى في غرب المحيط الهادئ"، وفقاً لوثائق الميزانية.

وتخطط الولايات المتحدة لإجراء تحسينات على مدارج في جزيرة سايبان السياحية، بالإضافة إلى موقعين على الأقل في أرخبيل بالاو، في السنوات القادمة.

وتتركز معظم أعمال الحفر والرصف حالياً في "سلسلة الجزر الثانية"، التي تشمل أراضٍ تسيطر عليها الولايات المتحدة ودول تتمتع فيها واشنطن بإمكانية استخدام أراضيها عسكرياً.

وقالت "وول ستريت جورنال " إن تطوير البنى التحتية والتجهيز المسبق للإمدادات في هذه المواقع أسهل بالنسبة للقوات الأميركية، مقارنة بالمواقع في "سلسلة الجزر الأولى"، التي تشمل اليابان والفلبين وتايوان.

وتتمتع "سلسلة الجزر الأولى" بقيمة كبيرة لقربها من الصين، لكن اعتماد الولايات المتحدة على الحكومات الأجنبية هناك يجعل الأوضاع السياسية أكثر تقلباً.

وتضخ واشنطن مزيداً من الأموال في قاعدتين جويتين شمال أستراليا. ففي داروين، أنشأت الولايات المتحدة خزانات للوقود، وتعمل على إنشاء منشأة عمليات. كما يجري بناء خزانات أخرى للوقود في قاعدة تيندال، وتخطط لإنشاء موقف للطائرات وبنية تحتية أخرى قادرة على استيعاب قاذفات B-52.

ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أن تحديث الصين لجيشها أدى إلى تراجع الهيمنة الأميركية، مع استمرار تعزيز بكين ترسانتها الصاروخية من حيث العدد، والمدى، والدقة.

"عقدة استراتيجية"

وفي حال أقدمت الصين على غزو تايوان، التي تعهدت بكين بالاستيلاء عليها "ولو بالقوة إذا لزم الأمر"، ربما تطلق رشقات صاروخية باتجاه القواعد الجوية الرئيسية للولايات المتحدة في المنطقة لتدمير الطائرات، وعرقلة التدخل الأميركي أو تأخيره على الأقل. وبالنسبة للولايات المتحدة، يعني ذلك انتهاء حقبة الأمان في تلك القواعد، بحسب الصحيفة.

وتمثل قاعدة أندرسن "عقدة استراتيجية" للولايات المتحدة، حيث يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 150 طائرة، وتمتلك أكبر سعة لتخزين الوقود في سلاح الجو الأميركي. ويعتبرها الطيارون بمثابة محطة لـ"تعبئة الوقود والانطلاق".

وتتواجد في القاعدة بشكل شبه دائم، ثلاث أو أربع طائرات للتزود بالوقود جواً، لتزويد الطائرات الأخرى بالوقود أثناء الطيران. وخلال الأشهر الـ12 الماضية، زارت قاذفات B-52 القاعدة مرتين، حيث استمر وجودها عدة أسابيع في كل مرة. وفي فبراير الماضي، هبطت أكثر من 80 طائرة أميركية وحليفة في القاعدة للمشاركة في تدريبات.

وتعمل القوات الأميركية على تطوير خيارات جديدة لنشر الطائرات على نطاق أوسع في جزيرة جوام نفسها، وعلى الجزر القريبة مثل تينيان وسايبان. ويرى محللون أن الولايات المتحدة لا تستثمر بما يكفي في البنية التحتية، وأن البناء العسكري لا يتقدم بالسرعة المطلوبة.

وقال أندرو هونتون، نائب مدير الخدمات اللوجستية والهندسة وحماية القوات في القوات الجوية بالمحيط الهادئ، للصحيفة: "ما نحاول القيام به أمر صعب"، مشيراً إلى أن القوات الجوية الأميركية يجب أن تلتزم بالقواعد المحلية المتعلقة بالبيئة والتراث الثقافي، مع مراعاة المواقع البعيدة لبعض القواعد وعملية التصميم المنتظمة.

وأضاف هونتون، أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحسين بنيتها التحتية، قائلاً: "لدينا بعض المرافق المتهالكة في نطاق مسؤوليتنا".

وثمة تحدٍ آخر يتمثل في إيصال المعدات، وقطع الغيار، والوقود، والذخائر، وأطقم الدعم إلى المواقع المتناثرة في المنطقة، خاصة أثناء تعرضها لهجمات من العدو، بحسب "وول ستريت جورنال".

وأوضحت الصحيفة أن جزء من الحل يتمثل في تخزين المواد مسبقاً، ولكن إذا اندلعت الأعمال العدائية، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تدفق الإمدادات "إلى المكان المناسب، وفي الوقت المناسب".

تصنيفات

قصص قد تهمك