تغير مواقف واشنطن في عهد ترمب يثير مخاوف أوروبية بشأن البيانات التشغيلية للأسلحة

"ندم المشتري" يلاحق حكومات أوروبا بسبب الاعتماد على الأسلحة الأميركية

مقاتلة أميركية من طراز F-35 على متن حاملة طائرات خلال مناورات قرب سواحل اليابان. 14 نوفمبر 2024 - Reuters
مقاتلة أميركية من طراز F-35 على متن حاملة طائرات خلال مناورات قرب سواحل اليابان. 14 نوفمبر 2024 - Reuters
دبي -الشرق

 تشعر العديد من الحكومات الأوروبية بـ"ندم المُشتري" على الأسلحة الأميركية، التي جعلتها تعتمد على واشنطن في استمرار تشغيل أسلحتها، وذلك مع توقف الولايات المتحدة عن دعم أوكرانيا عسكرياً، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز".

وقال ميكائيل جريف، الطيار السابق لمقاتلات "جريبن" والرئيس التنفيذي لشركة "أفيونك" السويدية للذكاء الاصطناعي في مجال الدفاع، للصحيفة: "إذا رأوا كيف يتعامل الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فعليهم أن يقلقوا. إنه يتخلى عنه تماماً".

وأضاف جريف: "يتعين على دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق أن تفكر: هل سيفعل الشيء نفسه معنا؟". ويثير هذا القلق نقاشاً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تحتفظ سراً بما يُعرف بـ"أزرار الإيقاف" التي يمكن أن تشل الطائرات وأنظمة الأسلحة.

ورغم عدم وجود دليل قاطع على ذلك، قال ريتشارد أبولافيا، المدير الإداري في شركة الاستشارات AeroDynamic Advisory، للصحيفة: "إذا افترضت إمكانية تنفيذ شيء ما بقليل من الرموز البرمجية، فهو موجود".

وترى "فاينانشيال تايمز"، أن الأمر في الواقع قد لا يكون بحاجة إلى إثبات، نظراً لاعتماد الطائرات القتالية المتقدمة والأسلحة المتطورة الأخرى، مثل أنظمة الدفاع الصاروخي والطائرات المُسيرة المتقدمة وطائرات الإنذار المبكر، بشكل كبير على قطع الغيار والتحديثات البرمجية الأميركية.

وقال جاستن برونك، الزميل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي)، للصحيفة: "الأمر ليس ببساطة مجرد زر إيقاف". وأضاف: "معظم الجيوش الأوروبية تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في دعم الاتصالات، والدعم في الحرب الإلكترونية، وإعادة التزويد بالذخائر في أي صراع خطير".

اعتماد أوروبي على الأسلحة الأميركية

وفي الوقت نفسه، تزايد اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة، حيث شكلت الأسلحة الأميركية 55% من واردات المعدات الدفاعية الأوروبية بين عامي 2019 و2023، مقارنة بـ35% في السنوات الخمس السابقة، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

وقال بن والاس، وزير الدفاع البريطاني السابق، إنه لو كان لا يزال في منصبه، لكان أول إجراء يتخذه هو تكليف بإجراء "تقييم لمدى اعتماد بلاده ونقاط ضعفها مع جميع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة". وأضاف أن ذلك سيسمح بالتفكير "فيما إذا كانت هناك حاجة إلى أي تغييرات استراتيجية".

ولطالما أعلن ترمب، نيته شراء أو الاستحواذ على جرينلاند، وهي إقليم يتمتع بالحكم الذاتي ضمن مملكة الدنمارك، كما ألمح وزراء دنماركيون إلى أنهم سيحاولون تعزيز الدفاعات في جرينلاند، ربما عبر توسيع مدرج مطار لاستيعاب مقاتلات F-35 التي اشترتها بلادهم من الولايات المتحدة، مشيرين إلى الأهمية الاستراتيجية للقطب الشمالي. ولكن، في هذه المهمة تحديداً، قد تكون تلك المقاتلات "عديمة الجدوى".

وتساءل ساش توسا، محلل شؤون الطيران والدفاع: "ما جدوى إرسال الدنمارك مقاتلات F-35 لحماية جرينلاند؟"، مشيراً إلى عدم اليقين بشأن ما إذا كانت تلك المقاتلات ستُحلق في حال لم ترغب الولايات المتحدة بذلك.

وقال توسا: "المشكلة في المعدات الدفاعية المتطورة للغاية هي أنها تحتاج إلى الكثير من الدعم من البائع. وإذا قرر البائع التوقف عن تقديم هذا الدعم، فإن المعدات تتوقف عن العمل، إن لم يكن على الفور، فبسرعة كبيرة جداً".

وأضاف: "السؤال الذي سيفكرون فيه هو: كيف يمكن إدخال حماية ضد الاعتماد على الولايات المتحدة في هيكلهم الدفاعي؟".

وأوضحت الصحيفة، أن الطائرة تعتمد على تحديثات وصيانة مستمرة من الولايات المتحدة عبر نظام المعلومات اللوجستية الذاتية، الذي من المقرر استبداله ببرنامج جديد يُعرف باسم "أودين" (الشبكة المتكاملة للبيانات التشغيلية).

وأضافت الصحيفة، أن هذه الأنظمة تتولى إدارة كل شيء، بدءاً من تخطيط المهام وقواعد بيانات التهديدات وصولاً إلى تشخيص أعمال الصيانة.

السيادة التشغيلية

وقالت "فاينانشيال تايمز"، إن أكثر من نصف الطائرات المقاتلة المتقدمة في أوروبا، وخاصة مقاتلات F-35 وF-16، يأتي من الولايات المتحدة. وأضافت أن بريطانيا، التي تُعد من كبار مشتري F-35 وتساهم في تصنيع العديد من أجزائها، طلبت ضمانات بشأن "السيادة التشغيلية" للطائرة في المراحل الأولى من البرنامج، حتى قبل حقبة ترمب.

وقُدمت بعض الضمانات في عام 2006، لكن لا يتمتع أي حليف للولايات المتحدة بنفس مستوى واشنطن في الوصول إلى الرموز المصدرية للنظام.

وقالت "لوكهيد مارتن"، إنها توفر "جميع البنى التحتية للأنظمة والبيانات اللازمة لجميع عملاء مقاتلات F-35 للحفاظ على الطائرة"، كجزء من عقودها الحكومية.

وأضافت الشركة، أن مبيعات الأسلحة الأجنبية تتم من خلال "معاملات بين الحكومات، لذا فإن أي مسائل إضافية من الأفضل أن تعالجها الحكومة الأميركية أو الحكومات العميلة المعنية".

وقالت وزارة الدفاع السويسرية مؤخراً، إن طائراتها من طراز F-35 يمكن استخدامها "بشكل مستقل" بعد تلقي تساؤلات حول النفوذ الأميركي على هذه الطائرات.

لكنها أشارت إلى عدم وجود أي مقاتلة غربية متقدمة مستقلة بالكامل عن أنظمة الاتصالات الآمنة الأميركية أو نظام الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية GPS، حتى تلك المصنعة من قبل شركات أوروبية.

الردع النووي البريطاني

ويواجه برنامج الردع النووي البريطاني تدقيقاً خاصاً، نظراً لاعتماده على غواصات مسلحة بصواريخ "ترايدنت" الباليستية. وتستأجر بريطانيا هذه الصواريخ من الولايات المتحدة، وتعود بانتظام إلى القاعدة الأميركية في كينجز باي بولاية جورجيا لإجراء الصيانة. كما يجري اختبار هذه الصواريخ تحت إشراف أميركي في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا.

ويرى محللون، أن هذا الاعتماد يقيد استقلالية النظام، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيؤثر على العمليات التي ستجريها بريطانيا في غضون أشهر أو سنوات.

وقال مالكوم تشالمرز، نائب المدير العام للمعهد الملكي للخدمات المتحدة، للصحيفة، إن احتمال أن تقرر الولايات المتحدة التوقف عن صيانة صواريخ ترايدنت البريطانية "ضعيف للغاية".

وأضاف تشالمرز: "سيكون ذلك بمثابة نهاية للعلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة إذا حدث انقطاع طويل الأمد من هذا النوع".

وتُعد صواريخ "ترايدنت" أيضاً جزءاً من اتفاقية الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي تم تمديدها إلى أجل غير مسمى عند إعادة التصديق عليها في نوفمبر الماضي.

ومع ذلك، وصف المحلل في Agency Partners، نيك كانينجهام، صواريخ "ترايدنت" بأنها "نقطة ضعف حرجة لبريطانيا". ونظراً للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في صيانتها، رأى أنه ينبغي لبريطانيا على الأقل دراسة إمكانية استخدام صواريخ "M51" الباليستية التي تُطلق من الغواصات، والتي تصنعها فرنسا. وتعد فرنسا وبريطانيا القوتين النوويتين الوحيدتين في أوروبا.

البيانات والمعلومات الاستخباراتية

وقال مصدر في قطاع الدفاع، إن أجزاءً مهمة من أسطول الطائرات المستخدمة في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في أوروبا "مرهونة فعلياً للولايات المتحدة وتعتمد على تعاونها".

وتشمل الأمثلة المحددة طائرات التجسس البريطانية Rivet Joint، وطائرات P8 Poseidon لصيد الغواصات التي تستخدمها النرويج وطلبتها ألمانيا، بالإضافة إلى طائرات الإنذار المبكر Wedgetail والطائرات المُسيرة Protector.

وتستخدم العديد من الدول الأوروبية الطائرة المُسيرة الأميركية "ريبر" التي تنتجها شركة "جنرال أتوميكس"، والتي تعتمد على روابط الاتصالات عبر الأقمار لاصطناعية والدعم البرمجي الذي توفره الولايات المتحدة. واحتاجت كل من إيطاليا وفرنسا إلى عملية موافقة مطولة من واشنطن لتجهيز هذه الطائرات بالصواريخ.

وقال دوجلاس باري، الزميل البارز في مجال الطيران العسكري بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، للصحيفة: "هناك قلق واضح بشأن موثوقية الولايات المتحدة كشريك دفاعي رئيسي".

ويتركز القلق في العواصم الأوروبية ليس فقط على أنظمة أسلحة محددة، بل على إمكانية سحب الولايات المتحدة دعمها للاتصالات وتبادل المعلومات عبر أي منصة، من المقاتلات إلى مروحيات "شينوك" و"أباتشي"، وصولاً إلى أنظمة الدفاع الجوي مثل "باتريوت".

تصنيفات

قصص قد تهمك