ألغت البحرية الأميركية رسمياً برنامجها الصاروخي الهجومي المضاد للسطح HALO، الذي يطلق من الجو بسرعة فرط صوتية (وهي الأنظمة التي تتخطى سرعتها 5 ماخ)، وهو أحد المكونات الرئيسية لمبادرة الحرب الهجومية المضادة للسطح OASuW Inc 2.
وكان من المقرر أن يوفر نظام HALO صاروخاً بعيد المدى وعالي السرعة، يمكنه تحييد السفن الحربية المعادية بسرعات فرط صوتية، ولكن مجموعة من القيود المالية والتحديات التقنية وتغير الأولويات الاستراتيجية أدت إلى إيقافه، وذلك وفقاً لموقع EurAsian Times.
وقال المتحدث باسم البحرية الأميركية، رون فلاندرز، إن الخدمة ألغت طلب تقديم العطاءات لتطوير هندسة وتصنيع أنظمة الحرب الهجومية الجوية المضادة للسطح HALO، في خريف عام 2024؛ بسبب قيود الميزانية التي تمنع نشر قدرات جديدة ضمن جدول التسليم المخطط له.
وأضاف فلاندرز، أن القرار اتُخذ بعد أن أجرت البحرية الأميركية تحليلاً دقيقاً، بالنظر إلى اتجاهات التكلفة وأداء البرنامج، عبر قاعدة الصناعات المتعلقة بالذخائر مقارنة بأولويات البحرية والالتزامات المالية الحالية.
ومُنحت عقود HALO الأولية عام 2023 لشركتي الدفاع العملاقتين Raytheon وLockheed Martin.
ورغم عدم الإعلان عن تفاصيل تصميميهما، إلا أنه كان يُعتقد على نطاق واسع أن كلا المقترحين يتضمنان تقنيات دفع متقدمة، مثل محركات ramjet أو scramjet، المصممة لتحقيق سرعات فرط صوتية بشكل مستمر.
وتم التخطيط في البداية لنشر هذه الأنظمة على طائرات F/A-18E/F Super Hornet، مع وضع هدف طويل الأمد يتمثل في تكييفها مع المنصات القائمة على السفن والغواصات أيضاً.
وشاركت الشركتان أيضاً في برنامج DARPA للأسلحة الجوية الأسرع من الصوت HAWC، والذي وضع الأساس لمبادرة صاروخ كروز هجومي فرط صوتي HACM التابعة للقوات الجوية الأميركية.
وتعاونت شركتي Raytheon وNorthrop Grumman في كل من نظامي HAWC وHACM، بهدف تحقيق طموح القوات الجوية لنشر صاروخ كروز فرط صوتي من الجيل التالي.
عقبات أمام المشروع
ورغم هذا الإرث التقني والمعرفة المؤسسية، لم يتمكن مشروع HALO في النهاية من التغلب على العقبات المالية واللوجستية التي واجهته.
ويأتي إلغاء برنامج HALO عقب "خيبة أمل" أخرى في مجال الأسلحة الأسرع من الصوت، بعدما تم إيقاف سلاح الجو الأميركي لبرنامج سلاح الاستجابة السريعة المُطلق جواً ARRW.
وكان برنامج ARRW بقيادة شركة Lockheed Martin، يهدف إلى نشر مركبة انزلاقية تفوق سرعة الصوت من قاذفة B-52، بسرعات تتجاوز 5 ماخ.
ويشير مصطلح "مركبة انزلاقية" إلى نوع من المركبات غير المأهولة القادرة على المناورة والانزلاق بسرعة تفوق سرعة الصوت، وقد تكون محملة بحمولة يتم إلقائها عند مرحلة ما، أو تستخدم للاصطدام المباشر بالهدف.
وعانى البرنامج الأميركي من "سلسلة من الإخفاقات والمضاعفات الفنية والقيود التصميمية"، ما أدى في النهاية إلى إيقافه، بحسب Eurasiantimes.
وكشف مسار برنامج ARRW، الذي اتسم بتحديات اختبارية مستمرة وأداء متذبذب، عن التعقيدات العميقة التي تكتنف تطوير الأسلحة الأسرع من الصوت.
وحتى استمرار التمويل لم يُنقذ البرنامج من شعور متزايد بالشك داخل البنتاجون.
"قيود الميزانية"
لا تُمثل عمليات إلغاء البرنامجين المزدوجين مجرد "فشل منفرد" في المنصات؛ بل تعكس تحولاً أوسع في نهج الولايات المتحدة تجاه تطوير الأسلحة الأسرع من الصوت.
وبعد أن روج لها لفترة طويلة باعتبارها أساسيةً للحفاظ على التكافؤ التكنولوجي مع نظرائها من المنافسين كالصين وروسيا، اعتبرت الصواريخ الأسرع من الصوت بمثابة القفزة التالية في قدرة الضربات الدقيقة، المصممة لتفادي أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي تطوراً.
ويشير التراجع المفاجئ عن كل من HALO وARRW إلى إعادة تقييم داخل الولايات المتحدة للتكلفة والجدوى الفعلية في زمن الحرب.
ويعد تغيير موقف البحرية الأميركية ملحوظاً بشكل خاص؛ فبدلاً من السعي وراء القدرات الأسرع من الصوت بأي ثمن، تُكثف البحرية الأميركية جهودها لتحديث ونشر أنظمة مجربة وموثوقة وفعالة.
ويعتبر الصاروخ طويل المدى المضاد للسفن LRASM حجر الزاوية في هذا النهج المُعدل، وهو مبني على منصة صاروخ AGM-158 المشترك جو-أرض (JASSM) دون سرعة الصوت.
ورغم افتقار LRASM إلى السرعة الأسرع من الصوت، إلا أنه يُعوض ذلك بدقة التوجيه، وقدرات التخفي، وسهولة الانتشار.
ويجري العمل حالياً على تطوير نسخة من الجيل التالي من صاروخ LRASM، الذي يعد بمدى أطول وقدرة بقاء مُحسنة.
وإلى جانب ذلك، نشرت البحرية الأميركية صاروخ AIM-174B، وهو نسخة تُطلق جواً مشتقة من عائلة SM-6.
وكان من المقرر في الأصل أن يكون نظاماً متعدد المهام يتم إطلاقه من السطح، بما في ذلك الأدوار المضادة للطائرات والهجوم البري، ولكن الآن يُنظر إلى AIM-174B على أنه سلاح مضاد للسفن عالي السرعة ومتعدد الاستخدامات.
وتعكس هذه الاستراتيجية، الأكثر تحفظاً وتركيزاً على المنصة؛ إدراكاً بأن الطموح التكنولوجي يجب أن يرتكز على إمكانية التسليم العملي.
وأبرزت تجارب HALO وARRW التحديات الهندسية "المستعصية"، المرتبطة بالطيران الأسرع من الصوت، بدءاً من الدفع والحماية الحرارية ووصولاً إلى دقة الاستهداف.
وفي ظل بيئة مالية متزايدة القيود، يختار البنتاجون تحسين التقنيات الحالية بدلاً من المخاطرة بعوائد غير مؤكدة.
سباق تسلح متسارع
حتى مع إعادة الولايات المتحدة تقييمها لموقفها، يواصل خصومها الضغط، إذ قطعت روسيا والصين شوطاً كبيراً في نشر أنظمة فرط صوتية، ما يُعيد تحديد موازين القوى في حرب الصواريخ المتقدمة باستمرار.
وجرى استخدام صاروخ Kinzhal الروسي بالفعل في الصراع بأوكرانيا، وهو ما يمثل أحد الاستخدامات القتالية القليلة المعروفة لسلاح يعمل بسرعات فرط صوتية.
وفي حين ناقش المحللون في الغرب ما إذا كان kinzhal مؤهلاً ليكون سلاح فرط صوتي نظراً لأصوله الصاروخية الباليستية ونقاط ضعفه المحتملة للاعتراض، فإن استخدامه العملي يوضح استعداد موسكو لنشر أسلحة عالية السرعة في بيئات متنازع عليها.
وفي غضون ذلك، أفادت التقارير بأن صواريخ DF-17، التي عُرضت في العروض العسكرية الوطنية، قد أُدرجت في قوة الصواريخ التابعة للجيش الصيني.
وبالرغم من أنه لم يُختبر قتالياً بعد، إلا أن نشره يُرسل إشارة قوية لجدية بكين في دمج تقنيات فرط الصوت في استراتيجيتها العسكرية.
ويشير الخبراء إلى أن صاروخ DF-17، المُصمم للمناورة بشكل غير متوقع بسرعات عالية، يُشكل تهديداً حقيقياً لأنظمة الدفاع الصاروخي الحالية للولايات المتحدة وحلفائها، وخاصةً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
في المقابل، يبدو أن الولايات المتحدة تُقلص من التزاماتها، إلا أن هذا التحول الحذر ينذر بتركها في سباق تسلح متسارع.
وبإعطاء الأولوية للفعالية من حيث التكلفة، والتوافقية، والاستعداد على المدى القريب على الابتكارات عالية المخاطر، قد "تُضيع واشنطن مزاياها المستقبلية في سبيل الموثوقية الفورية"، وذلك وفقاً لـEurAsian Times.
ويكمن التحدي في موازنة هذه الضرورات المتنافسة دون التنازل عن أرضية استراتيجية لمنافسين أكثر عدوانية.