"صواريخ الصين" والجغرافيا تهددان استراتيجية واشنطن بالمحيطين الهادئ والهندي

الجنرال الأميركي في المحيط الهادئ رونالد كلارك رفقة رئيس قوات الدفاع التايلاندية الجنرال سونجفيت نوناكدي خلال حفل افتتاح مناورات "كوبرا جولد" العسكرية. 25 فبراير 2025 - reuters
الجنرال الأميركي في المحيط الهادئ رونالد كلارك رفقة رئيس قوات الدفاع التايلاندية الجنرال سونجفيت نوناكدي خلال حفل افتتاح مناورات "كوبرا جولد" العسكرية. 25 فبراير 2025 - reuters
دبي-الشرق

عندما تولى الجنرال رونالد كلارك قيادة القوات البرية الأميركية في منطقة المحيط الهادئ في نوفمبر الماضي، قدم له قائده في المنطقة، الأميرال صامويل بابارو، تقييماً أمنياً صارماً مفاده أن "الوضع يزداد سوءاً" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ منذ 2022، ليكشف عن استراتيجية جديدة تجاه بكين، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وقبل 3 سنوات أطلقت بكين سلسلة مناورات عسكرية تحاكي فرض حصار محتمل ضد تايوان، كما كثفت ضغوطها شبه اليومية، في ما يُعرف بـ"المنطقة الرمادية"، مستخدمةً مقاتلات وسفن حربية، وزوارق خفر السواحل، وطائرات مُسيرة، وغيرها من الوسائل. 

ويرى كلارك أن التدريبات التي تجريها الصين لمحاكاة حصار محتمل لتايوان تمثل نموذجاً على ذلك، قائلاً إنه "لم يكن ليتصور قبل خمس سنوات أن بكين قد تفكر في خطوة كهذه"، لكن اليوم بات من المألوف أن يقوم جيش التحرير الشعبي الصيني بتحرك من هذا النوع. 

وبعد مرور 6 أشهر منذ أن عُين في منصبه الجديد، أقر كلارك بأن "السلوك العدواني" الذي تنتهجه الصين جعل الوضع "أكثر خطورة". 

هل تغزو الصين تايوان؟

وقال كلارك، الذي أمضى 37 عاماً في الخدمة العسكرية ويشرف على 106 آلاف عنصر: "نعيش في أوقات استثنائية". وأضاف: "بعض ما يُقدم عليه خصومنا وأعداؤنا يجعلك في بعض الأحيان عاجزاً عن الكلام". 

وأضاف كلارك مازحاً، إن منطقة عمليات قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ تمتد من "هوليوود إلى بوليوود، ومن الدببة القطبية إلى البطاريق"، مشيراً إلى أنه يراقب ويدون ملاحظاته. 

وقال في إشارة إلى احتمال شن الصين هجوماً برمائياً للسيطرة على تايوان: "هذا يمنحنا فرصة لفهم كيفية تنفيذهم لعملية مثل الحصار، أو ربما غزو عبر المضيق، وهو أمر نعلم جميعاً أنه شديد التعقيد". 

وعلى خلاف الحصار، يتطلب مثل هذا الهجوم أن تعبر السفن الحربية الصينية مضيق تايوان، وهو ممر مائي لا يتعدى عرضه عشرات الأميال، لإنزال الجنود والمعدات على شواطئ الجزيرة. 

وتابع كلارك: "أن تفكر في تنفيذ مهمة من هذا النوع فوق منطقة متنازع عليها بعرض يقارب 80 ميلاً بحرياً، فهذا يشكل تحدياً. علينا فقط التأكد من أنهم يدركون أن جهودنا لردع هذا النوع من الأنشطة تعبر فعلاً عما نحن مستعدون للقيام به". 

استراتيجية الجيش الأميركي

وتشكل القدرات الصينية، ولا سيما ترسانتها المتنامية من الصواريخ، مصدر إزعاج خاص لواشنطن، إذ تهدف إلى منع القوات الأميركية من دخول مناطق استراتيجية في المحيطين الهندي والهادئ. 

وتشمل هذه المناطق الساحل الشرقي للصين، وسلسلة الجزر الأولى، التي تضم اليابان وتايوان والفلبين، وتتمدد تدريجياً نحو غرب المحيط الهادئ، وهنا تكمن أخطر بؤر التوتر في المنطقة، مثل قضية تايوان وبحر الصين الجنوبي. 

وحال نشوب صراع، ستسعى بكين إلى منع السفن والطائرات الأميركية من المشاركة عبر جعل هذه المناطق خطرة للغاية.

ووفقاً لكلارك، هنا يأتي دور القوات البرية، إذ ابتعد الجيش الأميركي عن نمط الحروب السابقة ضد التمرد، وبدأ في تشكيل وحدات جديدة أكثر مرونة وقدرة على العمل في الخطوط الأمامية، بما في ذلك سلسلة الجزر الأولى. 

وحال اندلاع صراع، تقوم الفكرة على أن تتوزع هذه القوات على الأرض وتضرب أهدافاً صينية من مواقع برية، وتجمع معلومات ثمينة عن ساحة المعركة، وتفتح المجال أمام القوات الجوية والبحرية الأميركية للمناورة. 

وقد تم تشكيل وحدتين من هذا النوع، تُعرفان باسم "قوات المهام متعددة المجالات" للعمل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بينما يجري العمل على تشكيل وحدة ثالثة. 

 ومن أجل دعم هذه المهام، بدأ الجيش في نشر أنظمة صاروخية جديدة، بينها نظام "تايفون" القادر على استهداف السفن والطائرات والأهداف البرية حتى داخل البر الصيني. 

وأرسل الجيش الأميركي هذه المنصة إلى الفلبين العام الماضي، حيث لا تزال موجودة، برفقة جنود أميركيين، الأمر الذي قوبل بانتقادات شديدة من بكين. 

 وقال كلارك: "إذا جعلهم ذلك يترددون، أو يدفعهم لإعادة التفكير، أو يؤخر أي نوايا عدوانية قد تكون لديهم تجاه تايوان قد تؤدي إلى (إعادة التوحيد)، فليكن ذلك". 

هل يشكل بُعد أميركا الجغرافي عائقاً؟

 ومن أبرز مزايا الصين قربها الجغرافي، فكل معركة كبرى في المنطقة ستدور في محيطها، بينما يواجه الجنود الأميركيون القادمين من الولايات المتحدة خطر الوصول المتأخر، وفق "وول ستريت جورنال". 

لكن كلارك يرى فرصة لتجاوز هذا التحدي في الوقت الراهن، إذ تكثف قواته تواجدها في مواقع رئيسية من خلال جدول مزدحم بالتدريبات العسكرية والأنشطة الأخرى، بهدف تعزيز شراكات الولايات المتحدة، ما يعني أيضاً أنها ستكون أقرب ميدانياً، حال نشوب نزاع. 

وفي الأيام الأخيرة، شارك جنود وأفراد من مشاة البحرية الأميركية، إلى جانب القوات فلبينية وأسترالية، في تدريبات سنوية تُعرف باسم "باليكاتان"، على شاطئ بعيد على طول بحر الصين الجنوبي، حيث كانت مهمتهم تتمثل في التدريب على صد غزو برمائي. 

وتواجه الفلبين، حليفة الولايات المتحدة بموجب معاهدة، مناورات صينية قوية في بحر الصين الجنوبي منذ ثلاث سنوات، وهو مثال آخر، وفق كلارك، على تزايد خطورة الوضع في المنطقة. 

واصطدمت سفن خفر السواحل الصينية بالسفن الفلبينية، وهاجمتها بخراطيم المياه، وهدد أفرادها البحارة الفلبينيين بالسكاكين. 

 وعندما سئل كلارك، عما إذا كانت حالة عدم اليقين التجاري تضر بتحالفات الولايات المتحدة في المنطقة، قال: "العلاقات العسكرية كثيراً ما تخلق توازناً في هذا الشأن، لأنك تجد من خلالها قواسم مشتركة بطرق بعيدة عن السياسة". 

وتشهد الصين في عهد الرئيس شي جين بينج توسعاً عسكرياً هائلاً، إذ تُنتج السفن الحربية والصواريخ والرؤوس النووية بوتيرة متسارعة. 

وحولت هذه التحولات الجذرية والسريعة القوة الاقتصادية الكبرى إلى أقوى منافس للولايات المتحدة، ما أدى إلى تقليص العديد من مكامن تفوق واشنطن التقليدية، وأجبرها على إعادة توجيه تركيزها لمواجهة عصر جديد من التنافس بين القوى العظمى. 

 ويرى منتقدون أن رد واشنطن على هذا التحول كان "بطيئاً"، في ظل انشغالها بحروب أوكرانيا والشرق الأوسط، كما تعاني أحواض بناء السفن الأميركية بالفعل من صعوبة في مواكبة المتطلبات، في وقت لا تبدو فيه قاعدة الصناعة الدفاعية قادرة على تحمل قتال طويل الأمد. 

تصنيفات

قصص قد تهمك