بعد صفقة مع أستراليا.. اليابان تكثف جهودها في سوق الصناعات الدفاعية

المدمرة هاماجيري من فئة أساجيري التابعة للبحرية اليابانية في مدينة فلاديفوستوك أقصى شرق روسيا. 20 نوفمبر 2017 - Reuters
المدمرة هاماجيري من فئة أساجيري التابعة للبحرية اليابانية في مدينة فلاديفوستوك أقصى شرق روسيا. 20 نوفمبر 2017 - Reuters
دبي -الشرق

اختارت أستراليا شركة "ميتسوبيشي" للصناعات الثقيلة، كمورد لدفعة جديدة من الفرقاطات، فيما يشكل خطوة كبيرة في مساعي اليابان لأن تصبح مصدراً رئيسياً للأسلحة، وسط تصاعد التوترات الإقليمية ومشكلات سلاسل توريد المنتجات الدفاعية، حسبما أوردت صحيفة "فاينانشيال تايمز".

وأشار محللون إلى أن اليابان ستضطر إلى تغيير القيود التي تفرضها على الطاقة الإنتاجية والعمالة لإثبات قدرتها على تقديم بديل حقيقي لموردي الدفاع الأميركيين والأوروبيين وكوريا الجنوبية.

وستُمثل صفقة الفرقاطات التي أبرمتها شركة "ميتسوبيشي" للصناعات الثقيلة بقيمة 6.5 مليار دولار، والتي أعلنت عنها طوكيو وكانبرا هذا الأسبوع، ومن المتوقع إتمامها مطلع العام المقبل، أول صفقة بيع دولية لمنصة دفاعية يابانية كاملة ذات قدرات فتاكة منذ الحرب العالمية الثانية، ونموذجاً للصادرات المستقبلية من السفن الحربية والصواريخ وأنظمة الرادار.

تحفيز لقطاع الصناعات الدفاعية الياباني

ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن هيروهيتو أوجي، الباحث البارز في معهد الجيواقتصاد والمسؤول السابق في وزارة الدفاع: "تُمثل هذه الصفقة إنجازاً كبيراً لليابان. وهذا سيُحفز شركات الدفاع اليابانية بشكل أكبر على البحث عن فرص أخرى لصفقات الأسلحة الدولية".

ويأتي نجاح شركة "ميتسوبيشي" للصناعات الثقيلة، في الوقت الذي تشهد فيه شركات تصنيع الأسلحة طفرة في الإنفاق الدفاعي العالمي، مدفوعةً بالصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، وفي الوقت الذي يعزز فيه حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ قدراتهم العسكرية لمواجهة القوة الصينية المتزايدة.

اقرأ أيضاً

واشنطن تراجع اتفاقية "أوكوس" للغواصات.. وأستراليا: سنعمل عن كثب

قال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارلز، الخميس، إن حكومته ستعمل عن كثب مع الولايات المتحدة بينما تُجري إدارة الرئيس دونالد ترمب مراجعة رسمية لاتفاقية "أوكوس".

ورفعت اليابان في عام 2014، حظراً ذاتياً على جميع صادرات الأسلحة تقريباً، والذي كان قد قيد منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، المجموعات الصناعية القوية تقنياً في البلاد بتزويد الجيش الياباني.

لكن الصفقات الكبيرة أثبتت أنها بعيدة المنال منذ أن خسرت اليابان أمام فرنسا صفقة توريد غواصات بقيمة 35 مليار دولار من أستراليا في عام 2016.

وقال أوجي إن الفارق الرئيسي هذه المرة هو أن "سوق الأسلحة الدولي الحالي يتميز بنقص في القدرة على التوريد". وأضاف: "لا تستطيع الولايات المتحدة تلبية جميع طلبات حلفائها من الأسلحة (..) أستراليا بحاجة إلى القدرات التي يمكن أن توفرها اليابان".

واعتبر محللون أن صناعة الدفاع اليابانية "قد تعلمت من الفشل السابق في تكييف منتجاتها مع احتياجات أستراليا". كما قدم القطاع الخاص دعمه لحملة حكومية أكثر تطوراً.

خصائص تنافسية

وعرضت شركة "ميتسوبيشي" للصناعات الثقيلة، نسخةً مُطوّرةً من فرقاطتها من فئة "موجامي"، والتي لا تتطلب سوى طاقم من 90 فرداً، مقارنةً بـ 120 فرداً مطلوباً على السفينة التي اقترحتها شركة "تيسنكروب" الألمانية، كما أنها أكبر حجماً، مما يسمح بمدى إبحار أطول وقدرة تسليح أكبر، وهو ما كانت ترغب فيه كانبرا.

كما استطاعت اليابان، ضمان تسليم أول سفينة بحلول عام 2029، مما سدّ الفجوة الناجمة عن تقاعد فرقاطات "أنزاك" الأسترالية الحالية، ويمكنها أن توفر التوافق التشغيلي مع البحرية الأميركية. وستنتج اليابان أول ثلاث فرقاطات من أصل إحدى عشرة فرقاطة محلياً، بينما تُبنى البقية في أستراليا بالتعاون مع شريكها المحلي "أوستال".

وعلى الرغم من ارتفاع السعر الأولي، أصرت الحكومة الأسترالية على أن السفن الحربية اليابانية ستكون أرخص عند أخذ تكاليف أسلحتها وأفرادها المنخفضة، بالإضافة إلى عمر هيكلها الأطول، في الاعتبار.

وصرحت جينيفر باركر، الباحثة في كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية والضابطة البحرية السابقة، بأن الفرقاطات اليابانية "هي بوضوح، نظرياً، أفضل سفينة" لأستراليا.

ومن المنتظر أن تساهم اليابان بشكل كبير في مجال تقنيات التشغيل الذاتي تحت الماء بموجب اتفاقية "أوكوس" الأمنية الثلاثية بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. 

قضية حساسة

وفي هذا الصدد، قال ماساشي مورانو، الزميل البارز في قسم اليابان بمعهد هدسون، إن اختيارها لبناء الفرقاطة اكتسب "أهمية أوسع" نظراً لتوقعات بتعميق التعاون بين طوكيو وكانبيرا في مجال تقنيات التخفي. 

وتُطوّر طوكيو بالفعل طائرة مقاتلة مع بريطانيا وإيطاليا، وتأمل الدول الثلاث في بيعها دولياً لتعويض تكاليف التطوير. كما تمتلك اليابان قدرات كبيرة في صواريخ الدفاع الجوي المتقدمة وتقنيات الفضاء، وجميعها منتجات يمكن تصديرها.

وفي عام 2023، عدّلت اليابان قواعد تصدير الأسلحة للسماح بشحن صواريخ باتريوت للدفاع الجوي إلى الولايات المتحدة، حتى تتمكن واشنطن من إرسال مخزوناتها الخاصة إلى أوكرانيا.

ومع ذلك، لا تزال صادرات الأسلحة قضية سياسية حساسة في الدولة المسالمة دستورياً. ولا تزال الحكومة تسمح بتصدير الأسلحة الفتاكة فقط في ظل شروط مثل اشتراط عدم انخراط الدولة المستوردة في صراع نشط.

وقد يُشكّل إيجاد طاقة إنتاجية كافية للصادرات تحدياً أيضاً لموردي الأسلحة اليابانيين، حيث يُحفّز الطلب المحلي زيادة مُخطط لها في الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، ارتفاعاً من 1.8%.

رهانات يابانية

وصرّح يوشينوري كانيهانا، رئيس مجلس إدارة شركة "كاواساكي" للصناعات الثقيلة، في يناير الماضي، أن قطاع الدفاع "يعاني" من ارتفاع حاد في الطلبات. وأشار إلى أن الطلبات السنوية على مروحية شينوك CH-47 التي تنتجها شركة "كاواساكي" للصناعات الثقيلة بموجب ترخيص من "بوينج"، قفزت من ست وحدات في عام 2017 إلى 17 وحدة العام الماضي.

وقال: "لا يمكننا بناء مصنع في فترة قصيرة"، مضيفاً أن المصنع يُدير أعماله بقدراته الإنتاجية الحالية.

وتابع: "حان الوقت لزيادة طاقتنا الإنتاجية. ليس لدينا ما يكفي من الكوادر. نحتاج إلى تدريب الكوادر، ونقلها من الأقسام الأخرى للتدريب على تصنيع الطائرات العسكرية، بالإضافة إلى الاستعانة بكوادر خارجية، لكن الأمر صعب للغاية".

وستنتج اليابان أول ثلاث فرقاطات من أصل إحدى عشرة فرقاطة محلياً، بينما تُبنى البقية في أستراليا بالتعاون مع شريكها المحلي "أوستال".

وأشار كوري والاس، الأستاذ المشارك في جامعة كاناجاوا، إلى أن هذا قد يكون تحدياً كبيراً، نظراً لقلة خبرة اليابان في إدارة "الصيانة والخدمات وسلسلة التوريد" الدفاعية الخارجية.

وحذر باركر من الجامعة الوطنية الأسترالية من أن مشاكل تسليم الفرقاطات قد تضر بالعلاقات بين اليابان وأستراليا، والتي تشهد ازدهاراً ملحوظاً. ولكن إذا استطاعت شركة "ميتسوبيشي" للصناعات الدفاعية الوفاء بالتزاماتها، فقد تتمكن اليابان من ترسيخ مكانتها في صناعة الأسلحة العالمية.

وقال والاس: "هناك العديد من القوى العسكرية من المستوى الثاني أو الثالث التي لا تستطيع تحمل تكاليف المعدات الأميركية. لدى اليابان الآن فرصة رائعة لتبديد العوامل والتصورات الخارجية التي كانت تمنعها من أن تصبح مُصدّراً رئيسياً للأسلحة".

تصنيفات

قصص قد تهمك