حرب المسيّرات.. هل يتأخر الجيش الأميركي عن ساحة المعركة الحديثة؟

طائرة أميركية مسيّرة من طراز  "MQ-9B" في قاعدة جوية أميركية بأستونيا - REUTERS
طائرة أميركية مسيّرة من طراز "MQ-9B" في قاعدة جوية أميركية بأستونيا - REUTERS
دبي -الشرق

في قاعدة عسكرية بولاية تكساس الأميركية، الشهر الماضي، تدرب جنود أميركيون على كيفية تشغيل طائرات رباعية المراوح صغيرة الحجم، من النوع الذي يهيمن الآن على ساحة المعركة في أوكرانيا، ويتحول بشكل متزايد إلى السلاح المفضل للمقاتلين في جميع أنحاء العالم.

وباستخدام متفجرات، يمكن لطائرة مسيرة تكلف أقل من 1000 دولار أن تدمر دبابة قيمتها ملايين الدولارات.

وقالت شبكة CNN، إنه بالنسبة للقوات الأميركية في قاعدة فورت بليس في إل باسو، كانت التكنولوجيا والتكتيكات لا تزال جديدة، وهذه مشكلة بالنسبة للجيش الأميركي.

حرب المسيّرات

وأدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تطور هائل في حرب الطائرات المسيرة، لدرجة أن الولايات المتحدة، التي تمتلك أحد أكثر الجيوش والمجمعات الصناعية الدفاعية تقدماً في العالم، وجدت نفسها متأخرة، إذ يفتقر معظم الجنود الأميركيين إلى الخبرة اللازمة للقتال باستخدام الأنظمة المسيرة.

وبينما برعت الولايات المتحدة في بناء أسلحة ضخمة، وباهظة الثمن من طائرات مقاتلة، ودبابات، وصواريخ دقيقة التوجيه، إلا أنها غير مستعدة، من نواحٍ عديدة، لإنتاج كميات كبيرة من الأنظمة الصغيرة والرخيصة، مثل الطائرات المسيرة، بسرعة، ويحاول مسؤولو الدفاع الآن اللحاق بالركب.

وفي يوليو الماضي، وجه وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث مذكرة إلى كبار القادة بهدف تسريع اعتماد الجيش الأميركي للطائرات المسيرة.

وفي الأشهر الأخيرة، بدأت القوات الأميركية في بناء وطباعة طائرات مسيرة ثلاثية الأبعاد، والتدريب على أجهزة محاكاة تُذكر بألعاب الفيديو، لتعلم كيفية توجيه الأنظمة الصغيرة عبر النوافذ، أو حول الزوايا، أو إلى داخل فتحة دبابة العدو.

وقال كيرت تايلور، قائد الفرقة المدرعة الأولى في الجيش الأميركي، لشبكة CNN خلال مؤتمر للجيش في ألمانيا في يوليو الماضي إن هذه ليست مشكلة الغد، بل مشكلة اليوم. 

وأضاف أن المعركة الأولى في الحرب المقبلة ستتضمن طائرات مسيرة أكثر مما تخيله القادة العسكريون.

التعلم من أوكرانيا

بينما تعمل الوحدات العسكرية على تطوير قدراتها، لا تزال الولايات المتحدة تواجه صعوبات في التصنيع لمواكبة قدرات وإنتاج دول مثل الصين، وفقاً لمحللين وقادة الصناعة. 

ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في أن الأسلحة الأميركية لا يمكن أن تحتوي على أجزاء صينية لأسباب أمنية، في حين أن البدائل المحلية أغلى بكثير.

وعرضت أوكرانيا المساعدة في إنتاج الطائرات المسيرة، في ظل سعي المسؤولين في كييف إلى توطيد علاقاتها مع واشنطن لضمان أمنها المستقبلي. 

ورغم أن واشنطن أرسلت أسلحة بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا، ترى كييف الآن فرصة سانحة لإرسال بعض الدعم إلى الولايات المتحدة.

صفقة كييف

وخلال زيارة للبيت الأبيض، الشهر الماضي، عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الرئيس دونالد ترمب صفقة بقيمة 50 مليار دولار لتوريد طائرات مسيرة، وإنتاجها المشترك مع الولايات المتحدة. 

وصرح زيلينسكي للصحافيين بأن البرنامج، الذي لم يُستكمل بعد، سيُسلم 10 ملايين نظام طائرة مسيرة سنوياً على مدى خمس سنوات.

وقال ميخائيلو فيدوروف، نائب رئيس الوزراء الأوكراني الذي قاد جهود البلاد في زمن الحرب لشراء وإنتاج الطائرات المسيرة بكميات كبيرة، لشبكة CNN، إنه في الأشهر الستة الماضية على وجه التحديد، كان هناك نوع من التغيير الجذري في تصور كيفية عمل الطائرات المسيرة وتطور الصناعة.

وأكد فيدوروف أن كييف قد تتمكن من الاستفادة من ابتكاراتها في مجال الطائرات المسيرة مقابل الحصول على المزيد من الدعم المالي، أو المادي في المستقبل، لافتاً إلى أنها ورقة جيوسياسية سيدرس زيلينسكي كيفية استخدامها. 

طائرة مسيرة لكل جندي

بمركز مؤتمرات في فيسبادن بألمانيا، يوليو الماضي، قدَّم القادة العسكريون الأوكرانيون تقييماً صريحاً لحاجة حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى الاستثمار في الطائرات المسيرة، وسط قاعة مكتظة بمسؤولي الحلف العسكريين، وخبراء صناعة الدفاع.

وأعلن روبرت بروفدي، قائد قوات الأنظمة المسيرة في أوكرانيا، عن رهانه على أنه لا توجد دبابة واحدة على الطريق يمكنها النجاة من طائرات مسيرة انتحارية FPV.

وقال نائب رئيس هيئة الأركان العامة الأوكرانية، فلاديمير هورباتيوك، إنه في حين أن المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات حيوية، فإن ما يقرب من 80% من نجاح كييف في ضرب الأهداف يأتي من الطائرات المسيرة.

وأضاف هورباتيوك، في وقت لاحق، أن هذا ليس المستقبل، بل هو الواقع الروتيني لكيفية خوض أوكرانيا للحرب.

وتوصل المسؤولون الأميركيون إلى النتيجة نفسها، وأشار القادة العسكريون في الولايات المتحدة الذين تحدثوا إلى شبكة CNN مراراً وتكراراً إلى مذكرة هيجسيث الصادرة في يوليو، باعتبارها بالغة الأهمية لتسريع وصول الطائرات المسيرة إلى القوات. 

وتؤكد المذكرة على ضرورة تقبّل القادة للمخاطرة، وعدم التهاون فيها، وهو نهج يكاد يكون مناقضاً لأسلوب عمل الجيش.

وأكد هيجسيث أن القيود المفروضة ذاتياً لن تعوق القدرة على القتل؛ خاصة فيما يتعلق بتسخير التقنيات التي ابتكرتها الولايات المتحدة، ولكن واشنطن كانت بطيئة في تطويرها. 

وأضاف أن تكنولوجيا الطائرات المسيرة تتطور بسرعة هائلة، والخطر الرئيسي الذي تواجهه الولايات المتحدة هو تجنب المخاطر، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يتم دمج هذه القدرة في جميع التدريبات القتالية ذات الصلة.

ومنحت مذكرة وزير الدفاع الأميركي العديد من القادة الغطاء الأمني ​​اللازم لتسريع وتيرة تحركهم. 

وقال نيك رايان، الذي يشرف مكتبه على دمج الطائرات المسيرة في الجيش الأميركي، إن هناك "خططاً جاهزة بالفعل" لضمان حصول كل وحدة في الجيش على أنظمة طائرات مسيرة في السنة المالية 2026.

وأشار إلى أن الهدف النهائي هو أن يتعامل الجنود مع الطائرات المسيرة، كما لو كانت سلاحهم الشخصي، أو جهازهم اللاسلكي، أو نظارات الرؤية الليلية، أو قنبلة يدوية. 

يبدأ التدريب الأولي، الذي يستمر أسبوعين في تكساس، في قاعة دراسية، حيث يتعلم الجنود الأميركيون كيفية بناء طائراتهم المسيرة بأنفسهم، وهو أمر بالغ الأهمية لمعرفة كيفية إصلاح أي عطل في الميدان، ومن ثم التدريب على الطيران باستخدام جهاز محاكاة حاسوبي، يُعوّدهم على استخدام جهاز تحكم ألعاب الفيديو.

وقال تيري تيليس، قائد قيادة تدريب الجيش السابع الأميركي في ألمانيا، إنه لا يقتصر التدريب على تكساس فحسب. ففي أوروبا، ستغادر جميع وحدات الجيش الأميركي المنتشرة في المنطقة "بتدريب على مستوى السرية" على الطائرات المسيرة، بما في ذلك استخدامها لإسقاط ذخائر حية.

ويتوقع أن تبدأ دورة جديدة في فورت بينينج بولاية جورجيا في أكتوبر المقبل، وستوفر "تدريباً أساسياً" لجميع الجنود الجدد الذين يخضعون لتدريب وحدة المحطة الواحدة، والذي يجمع بين التدريب الأساسي للجنود، والتدريب المتقدم لوظائفهم المحددة، لضمان إلمامهم بالطائرات المسيرة.

وقال آندي كايزر، نائب القائد العام للعمليات في الفرقة 82 المحمولة جواً بالجيش الأميركي، لشبكة CNN، إن طائرة صغيرة مسيرة يمكن أن تحل محل المراقب الأمامي، وهو جندي يحدد أهداف نيران المدفعية، أو الدعم الجوي. 

كما يمكنها تعزيز عمل كشافة سلاح الفرسان، المسؤولين بشكل كبير عن الاستطلاع ومهام أخرى، لجمع المعلومات عن قوات العدو.

وأكد إميل مايكل، الذي يدير حالياً مكتب الأبحاث والهندسة في البنتاجون، أن الجهود العاجلة لا تقتصر على استخدام الطائرات المسيرة في القتال الفعلي، بل تشمل أيضاً الأدوار الداعمة التي ستؤديها، مثل توصيل الإمدادات الأساسية والمساعدة الطبية. 

ويشرف مكتب مايكل على عمل البنتاجون في مجال الابتكار التكنولوجي، ويقدم المشورة لوزير الدفاع في مجالات التصنيع والهندسة والأبحاث.

السوق الأوكرانية

تعتبر الغالبية العظمى من الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجنود الأوكرانيون على خطوط المواجهة اليوم مصنوعة في أوكرانيا. 

ومع ذلك، في الأشهر الأولى من الحرب، أُدرجت طائرات هجومية أميركية الصنع ضمن حزم المساعدات الأميركية للأسلحة لكييف.

وكانت الطائرات المسيرة خفيفة الوزن، ثابتة الأجنحة، مخصصة لوحدات القوات الخاصة الأوكرانية العليا، ما يدل على تقدير كييف لهذه التقنية باعتبارها من أوائل الأسلحة الحديثة التي تلقتها من حلفائها، ولكن الولايات المتحدة توقفت في النهاية عن تزويد أوكرانيا بطائرات Switch Blade المسيرة، ويعود ذلك جزئياً إلى ملاحظات الجنود الأوكرانيين بأنها لم تكن بنفس فاعلية البدائل ضد الحرب الإلكترونية الروسية.

وفي خضم الحرب، يدور سباق تسلح تكنولوجي بين أوكرانيا وروسيا، حيث تسعى كل منهما إلى تطوير أحدث ابتكارات الأخرى، ما منح الشركات الأوكرانية أفضلية على منافسيها الأجانب الذين كانوا يفتقرون إلى التواصل المباشر مع الجنود في الميدان.

وقال الوزير الأوكراني فيدوروف إن الفائز هو من يُحدّث تقنيته أسرع، لافتاً إلى أن الشركات الأوكرانية كانت حاضرة على أرض الواقع وتتلقى الملاحظات، ما مكّنها من التفوق على أنواع أخرى من الطائرات المسيرة التي لم تكن فعالة.

ودفع ذلك بعض الشركات الرائدة في مجال إنتاج الطائرات المسيرة في الولايات المتحدة، إلى إرسال فرق إلى كييف، وإبرام صفقات مع الحكومة الأوكرانية للحصول على طائراتها المسيرة على الخطوط الأمامية.

طائرات FPV المسيرة

وقال سورين مونرو أندرسون، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة Neros، إنه عندما تم تأسيس الشركة لم يهتم البنتاجون بنشاطها، لكن لم يكن أحد يعرف ما هي طائرات FPV المسيرة منخفضة التكلفة، ولم يكن أحد يهتم بالطائرات الرباعية المروحية الصغيرة.

وأضاف أنه اصطحب معه 30 نموذجاً أولياً لطائرة FPV  المسيرة في رحلته الأولى إلى أوكرانيا، وأجرت شركة Neros العديد من عمليات التكرار لطائراتها المسيرة خلال رحلاتها المتتالية إلى أوكرانيا.

وأشار إلى مواصلة تطوير البرامج بناءً على الملاحظات التي تلقتها الشركة من أوكرانيا، واختبارها باستمرار هناك، ثم الانتقال إلى أوكرانيا.

الطائرات منخفضة التكلفة

يُمثل التوجه نحو أنظمة أصغر حجماً، وأقل تكلفة، تغييراً جذرياً في طريقة التفكير التقليدية في صناعة الدفاع.

ولم تعد الشركات قادرة على تحمل قضاء سنوات في تطوير، أو تحديث نظام قد يصبح قديماً عند تسليمه إلى جنود في الخطوط الأمامية.

وقال كريس بروس، رئيس شركة Anduril، إن المشكلة تكمن في أن البنتاجون دأب على التعامل مع الطائرات المسيرة بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع اقتناء أي نوع من المعدات الدفاعية الكبيرة. 

وأضاف في تصريحات لـ CNN، أنه يتعين على الولايات المتحدة في الأساس اعتبار اقتناء هذه الأنظمة منخفضة التكلفة، والمستقلة، وغير المأهولة لا يجب التعامل معه بنفس منطق القدرات العسكرية التقليدية.

وبينما تستخدم الشركات الأوكرانية عادة قطع غيار ورقائق صينية رخيصة في طائراتها المسيرة، فإن هذه المكونات محظورة في الأسلحة الأميركية.

"أغلى بمئة مرة" 

وقال مونرو أندرسون إن Neros أدركت سريعاَ أن تصنيع هذه القطع في الولايات المتحدة كان في بعض الحالات "أغلى بمئة مرة"، لافتاً إلى أن إنتاج كميات كبيرة من شأنه أن يخفض التكلفة، لكن الطلب ليس كافياً.

وبما أن شركات صينية مثل DJI تُهيمن بالفعل على سوق الطائرات المسيرة الاستهلاكية، فإن مُصنعي الطائرات المسيرة FPV الأميركية يعتمدون على عقود البنتاجون، التي لم تُبرم بكميات كبيرة بعد. 

ورُصدت مبادرة Replicator التابعة للبنتاجون، التي أُعلن عنها عام 2023، كبرنامج يهدف إلى تعزيز إنتاج أنظمة رخيصة الثمن على نطاق واسع للجيش الأميركي، لبناء 3000 طائرة مسيرة فقط في غضون عامين.

وقال أندرسون إن وضع الصناعة في الولايات المتحدة "مُزرٍ للغاية"، حيث تُنتج شركة Neros وحدها 2000 طائرة مُسيرة شهرياً، ولديها أعلى خط إنتاج مُعدل للطائرات المُسيرة في الولايات المتحدة، وهو أمر مُثير للدهشة؛ لأن هذا الرقم المعلن ضمن مبادرة Replicator ليس كبيراً.

وفي المقابل، تنتج الصين بالفعل عشرات الملايين من الطائرات المسيرة الصغيرة سنوياً، وهو ما يُثير قلق الولايات المتحدة.

ملايين المسيّرات

وأكد وزير الدفاع الأوكراني، في يونيو الماضي، أن الشركات الأوكرانية زادت طاقتها الإنتاجية لإنتاج 4 ملايين طائرة مُسيّرة هذا العام. 

ويشمل ذلك ترسانة أوكرانيا الهائلة من الطائرات المُسيرة الهجومية بعيدة المدى، والتي يستطيع بعضها ضرب أهداف على بُعد يزيد على 1000 ميل. 

وقال محللون ومسؤولون إن حرب الطائرات المسيرة ستبدو على الأرجح مختلفة في صراعٍ بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ مترامية الأطراف، عما تبدو عليه على خطوط المواجهة الثابتة في الصراع الأوكراني الروسي، ويرجَّح استخدام نفس التكنولوجيا.

تصنيفات

قصص قد تهمك