أعلن كبير مسؤولي الاستراتيجية العالمية بمجموعة "هانوا" في كوريا الجنوبية، أليكس وونج، أن حوض بناء السفن التابع للشركة في مدينة فيلادلفيا الأميركية، يستطيع بناء غواصة تعمل بالطاقة النووية لصالح البحرية الأميركية، وسط مخاوف من عقبات تنظيمية ربما تعطل المشروع.
وقال وونج، خلال اليوم الإعلامي الذي نظمته هانوا في حوض بناء السفن في فيلادلفيا، الاثنين: "التزام الحكومة الأميركية بقدرة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، سواء كانت خاصة بها أو بحلفائها، قوي للغاية"، بحسب بيان للشركة، الخميس.
وأضاف: "نحن على استعداد لتوفير القدرة على بناء تلك الغواصات هنا في فيلادلفيا عندما تكون الحكومات مستعدة لذلك".
ويراهن صناع السفن في كوريا الجنوبية بشكل كبير على تطلع الرئيس دونالد ترمب لإحياء صناعة بناء السفن الأميركية المتعثرة.
وتعهدت سول باستثمار 150 مليار دولار في قطاع بناء السفن في الولايات المتحدة، في اتفاق تجاري جرى توقيعه الشهر الماضي؛ بهدف خفض الرسوم الجمركية الأميركية على واردات السيارات الكورية من 25% إلى 15%.
وقال ترمب في مؤتمر صحافي، الاثنين، إن شركة "هانوا" ستشارك في بناء فرقاطات للبحرية الأميركية، ووصف "هانوا" بأنها "شركة جيدة"، مشيراً إلى توسعها المخطط له بقيمة 5 مليارات دولار في حوض بناء السفن في فيلادلفيا، الذي اشترته عام 2024 مقابل 100 مليون دولار.
عقبات تنظيمية وشكوك
أمام هذا الطموح المشترك للجانبين تشكك بعض التحليلات في الإمكانيات المتاحة للشركة الكورية الجنوبية وقدرتها على إحراز النتائج المرجوة.
وبحسب تحليل نشره موقع "Korea JoongAng Daily" الكوري الجنوبي، الخميس، فإن عقبات تنظيمية لم تُحسم بعد، ونقصاً في العمالة، يحددان في النهاية مدى قدرة شركة بناء السفن الكورية على المشاركة بعمق في رؤية ترمب لـ"الأسطول الذهبي".
واعتبر الموقع الكوري أن إشارة ترمب، الثلاثاء، إلى شركة هانوا في سياق مشروع الفرقاطات FF(X) للبحرية الأميركية أعادت الزخم إلى مساعي التعاون الثنائي في بناء السفن بين البلدين، وهي شراكة تشكّلت خلال الصيف كجزء من مقايضة لخفض الرسوم الجمركية، وتتضمن استثمارات بقيمة 150 مليار دولار ضمن مشروع أُطلق عليه اسم "لنجعل بناء السفن عظيماً في أميركا مجدداً" (Masga).
ودفعت هذه التصريحات أسهم "هانوا أوشن" للارتفاع بنسبة 12.5%، الثلاثاء، مقارنة بجلسة التداول السابقة.
حوض هانوا فيلادلفيا
ومع تآكل الطاقة الإنتاجية لدى كبار بناة السفن الأميركيين مثل "هانتينجتون إنجالس إندستريز" و"جنرال دايناميكس"، برز حوض "هانوا فيلادلفيا" كبديل محتمل ليكون مركزاً لبناء السفن البحرية المتقدمة.
على المدى القريب، يُتوقع أن تركز "هانوا" على إنتاج كتل الهياكل والمكونات المعيارية لأحواض أميركية أخرى.
وتعتمد قدرة المجموعة على أداء دور أكثر محورية في بناء سفن حربية كاملة أو حتى غواصات تعمل بالطاقة النووية، على استعداد المشرعين لتخفيف القيود القانونية، وعلى قدرة الشركة على تأمين الدعم المحلي والسياسي.
هل تكفي 5 مليارات دولار؟
لا يزال مراقبون في القطاع - وفق الموقع الكوري - يشككون في أن مبلغ 5 مليارات دولار وحده قادر على تحويل حوض فيلادلفيا إلى منشأة عالية التقنية بحق.
واستحوذت "هانوا" على الموقع، العام الماضي، مقابل 100 مليون دولار فقط، ما يبرز مدى تراجع الحوض عن معايير بناء السفن الحديثة.
وبحسب الشركة، يهدف الاستثمار إلى رفع الإنتاج السنوي من نحو 1.5 سفينة إلى 20 سفينة، ومع ذلك، يرى منتقدون أن حجم التكلفة يسلّط الضوء على هشاشة القاعدة الصناعية الأميركية أكثر مما يعكس تعافيها.
وقال مصدر في القطاع طلب عدم الكشف عن هويته: "يؤكد هذا إلى أي حدّ ضعفت القاعدة الصناعية الأميركية؛ فحوض قادر على إنتاج 15 سفينة سنوياً يُعد منشأة صغيرة إلى متوسطة الحجم في كوريا، بينما سيكلف بناء منشأة مماثلة في الولايات المتحدة أكثر من 7 تريليونات وون (نحو 5 مليارات دولار)".
وعلاوة على ذلك، فإن رأس المال وحده لن يحل المشكلة. إذ يتعين على "هانوا" أيضاً استقطاب العمال وتدريبهم في قطاع يعاني نقصاً حاداً في الأيدي العاملة.
الغواصات النووية
ويحظر القانون الأميركي على العمال الأجانب بناء السفن الحربية الأميركية، ما يضيّق أكثر من قاعدة المواهب، في وقت لا تزال فيه معدلات دوران العمالة مرتفعة في القطاع.
ورغم جهود حكومية لجذب عمال أصغر سناً، ظل التقدم بطيئاً؛ إذ بلغ عدد العاملين في صناعة بناء السفن بالولايات المتحدة 105 آلاف عامل فقط في 2023، وفق تقرير لإدارة الشؤون البحرية، وهو جزء يسير من أكثر من مليون عامل كانوا يعملون في ذروة الصناعة خلال أربعينيات القرن الماضي.
وبحسب "هانوا"، ارتفع التوظيف المباشر بنسبة 30% في 2025 مقارنة بالعام السابق، مع تعيين 126 عاملاً جديداً، ويجري تنفيذ استثمارات المنشأة على مراحل، مع خطط لاستبدال 23% من المعدات الأساسية لتعزيز الإنتاجية.
وقال مسؤول آخر في بناء السفن طلب عدم الكشف عن هويته: "من المتوقع أن يستغرق استكمال عملية تحديث الحوض ما بين 5 إلى 7 سنوات. ويبقى غير واضح ما إذا كان هذا الجدول يتماشى مع الجدول المعجّل لـ(الأسطول الذهبي) الذي يطرحه ترمب".
وتظل تساؤلات مطروحة أيضاً بشأن ربحية المنشأة على المدى البعيد، في ظل ارتفاع تكاليف العمالة في الولايات المتحدة مقارنة بكوريا، وضعف البنية التحتية، والحاجة إلى استيراد مكونات متخصصة للسفن الحربية بتكلفة مرتفعة.
وتركّز "هانوا" الآن على كيفية دخول سوق السفن الحربية الأميركية، وبصورة أدق الغواصات العاملة بالطاقة النووية.
ويسعى حوض "هانوا فيلادلفيا" للمشاركة في برنامج البحرية الأميركية طويل الأجل لبناء 66 غواصة من فئة "فيرجينيا" بحلول عام 2054، دخلت الخدمة منها حتى الآن 24 غواصة فقط.
أخطار قانونية مستمرة
تسعى "هانوا" حالياً للحصول على عدة تراخيص أميركية مطلوبة للعمل على السفن الحربية الأميركية، وتخضع لسلسلة من إجراءات الموافقة الصارمة بسبب التعامل مع تقنيات مصنّفة.
ومن المتوقع أن تُسرّع تصريحات ترمب هذه العملية، بما يدفع بعض الموافقات الرئيسية إلى مطلع 2026 تماشياً مع الجدول الزمني المقترح لـ"الأسطول الذهبي".
وقال كبير الباحثين في معهد البحوث الاقتصادية الخارجية ببنك التصدير والاستيراد الكوري، يانج جونج-سيو: "على أي حال، (هانوا) هي بالفعل متعهد دفاعي رئيسي في كوريا، وتكمن أهمية تصريحات ترمب في أن الشركة دخلت الآن بشكل ملموس إلى سوق السفن البحرية الأميركية؛ ومع ذلك، فإن إحراز تقدم حقيقي سيتطلب من الولايات المتحدة تخفيف بعض الحواجز القانونية والتنظيمية، ما يجعل الدعم على مستوى الحكومة أمراً أساسياً".
ومن بين الموافقات المعلّقة ترخيص صناعات دفاعية أميركي لبناء السفن القتالية، ويتطلب إثبات توافر بنية تحتية متخصصة، وقوة عاملة أميركية كافية، إضافة إلى تصريح أمني للمنشأة يتيح استلام وتخزين تصاميم وبيانات تقنية حساسة للبحرية الأميركية.
كما عادت المخاوف بشأن تباطؤ الزخم بعدما حذفت النسخة النهائية من قانون تفويض الدفاع الأميركي للسنة المالية 2026، بنوداَ كانت تشجع التعاون في بناء السفن مع حلفاء مثل كوريا واليابان؛ وفي الوقت نفسه، لا يزال بناء السفن العسكرية الأميركية في الخارج محظوراً، ما يعني أن على شركات بناء السفن الكورية توفير المواد والمكونات والعمالة محلياً داخل الولايات المتحدة وفق القوانين السارية.
ويقول خبراء في القطاع إن حذف اللغة المشجعة على التعاون الثنائي ربما يعكس تأثير جماعات الضغط في قطاع بناء السفن الأميركي، ويجعل من غير المرجح ظهور فرص إضافية لمشاركة أجنبية أوسع في برامج بحرية جديدة.











