تقرير: التطور التكنولوجي يجعل تجاوز العقبات الهندسية أمراً ممكناً

هل تصبح أسلحة الليزر "حلاً سحرياً" لواشنطن في مواجهة الصواريخ الفرط صوتية؟

نظام أسلحة الليزر (LaWS) على متن سفينة النقل البرمائية "يو إس إس بونس" للبحرية الأميركية. 15 نوفمبر 2014 - Reuters
نظام أسلحة الليزر (LaWS) على متن سفينة النقل البرمائية "يو إس إس بونس" للبحرية الأميركية. 15 نوفمبر 2014 - Reuters
دبي-الشرق

تشكل الصواريخ الحديثة فرط الصوتية والتي تجمع بين القدرة على الطيران بسرعات تتجاوز 5 ماخ مع تغيير المسار بشكل غير متوقع، تحدياً فريداً لأقوى أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدماً. 

وتطلق أنظمة الدفاع الجوي، مثل منظومة باتريوت "إم آي إم 104" - (MIM-104) الأميركية، صاروخاً اعتراضياً، ليطير نحو نقطة أبعد على طول مسار رحلة السلاح المتجه لاعتراضه، وذلك بحسب ما ذكرته مجلة ناشونال إنترست

وأثبت هذا النهج في الدفاع الصاروخي فعاليته للغاية ضد الصواريخ الباليستية، التي تسافر بسرعات تتخطى سرعة الصوت، ولكن وفق مسار يمكن التنبؤ به إلى حد ما. 

وتشكل صواريخ كروز نوعاً مختلفاً من المخاطر، لأنها تطير على ارتفاعات أقل بكثير، مثل طائرة بدون طيار، ما يجعلها أقل قابلية للتنبؤ باتجاهاتها، ولكن بسبب سرعاتها النسبية المنخفضة، غالباً ما تكون أنظمة الدفاع الجوي قادرة على اعتراضها.

صواريخ فرط الصوتية

وتمثل الصواريخ الحديثة فرط الصوتية مزيداً من التعقيد، نظراً لأنه بدلاً من تحقيق سرعات عالية من خلال الطيران على طول مسار طيران باليستي يمكن التنبؤ به، فإن أسلحة الانزلاق المعزز وصواريخ كروز تغيّر مسارها بشكل غير متوقع أثناء الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت. 

ونتيجة السرعة العالية والقدرة على المناورة، أصبحت حسابات نظام الدفاع الجوي للتنبؤ ببقية مسار طيران السلاح موضع نقاش، فضلاً عن أن سرعة الإغلاق العالية لتلك الأنظمة، يترك القليل من الوقت لمحاولة إعادة الحساب لإطلاق صاروخ اعتراضي آخر. 

ولفت تقرير "ناشونال إنترست" إلى أن حل هذه المشكلة ربما يكون في توجيه أسلحة الطاقة أو الليزر، بدلاً من إطلاق صاروخ ليقترب من هدف بسرعة تفوق سرعة الصوت، ينتقل الليزر بسرعة الضوء، لافتة إلى أنه في حين أن محطة إطلاق باتريوت قد تحمل 4 صواريخ اعتراضية فقط، فلن ينفد الليزر إلّا إذا نفدت الطاقة. 

وأشارت إلى أن استخدام الليزر لاعتراض الصواريخ والمركبات الانزلاقية فرط الصوتية القادرة على المناورة قد يكون حلاً نظرياً، ولكن الممارسة العملية يجعل الأمور "أكثر تعقيداً". 

قيد التطوير 

تركز جهود تطوير أسلحة الليزر في السنوات الأخيرة، على نهج ليزر الحالة الصلبة الأصغر حجماً، وأكثر أماناً وأقل قوة، بعدما كان الليزر الكيميائي الضخم والقوي رائجاً في الثمانينات.

ويعمل الليزر الكيميائي عن طريق إرسال تيار كهربائي عبر الغاز لتوليد الضوء. 

وتضطر القوة التي تشغل الليزر الكيميائي إلى حمل مجموعة من المواد الكيميائية الخطرة وإضافة الحجم والوزن والخطر على المشغلين. 

وتستخدم أشعة الليزر ذات الحالة الصلبة مادة بلورية صلبة، بدلاً من الغاز أو السائل، وهو ما يجعلها أصغر بكثير وأكثر أماناً في التشغيل، ولكنها حتى وقت قريب لم تكن قادرة على إنتاج ما يكفي من الطاقة لتطبيقات الأسلحة.

وتعد أشعة الليزر ذات الحالة الصلبة مؤخراً، تقنية واعدة بشكل متزايد، مع العديد من الجهود التطويرية المستمرة وعدد من أنظمة الليزر المنتشرة بالفعل على سفن البحرية الأميركية.

أقوى ليزر تكتيكي

وعملت البحرية الأميركية على تركيب ليزر لأول مرة على إحدى سفنها الحربية في العام 2014، مستخدمة نظام أسلحة الليزر "إيه إن/ إس إي كيو 3" (AN/SEQ-3) بقدرة 33 كيلووات، إضافة إلى نظام (هيليوس- HELIOS) الأقوى بقدرة 60 كيلووات، أو الليزر عالي الطاقة مع جهاز مراقبة وإبهار بصري متكامل. 

وتعتقد البحرية الأميركية أن نظام "هيليوس" سيكون قادرا في النهاية على إنتاج ما يصل إلى 150 كيلووات. 

وتسعى البحرية الأميركية للبدء، خلال العام المقبل، لاختبار (هيلكاب - HELCAP) بقوة 300 كيلووات، وهو اختصار لبرنامج الطاقة العالية المضاد لصواريخ كروز. 

وقدمت شركة "لوكهيد مارتن" في سبتمبر من العام الماضي، "أقوى ليزر تكتيكي" عالي الطاقة بقدرة 300 كيلوواط للحماية من الحرائق غير المباشرة - IFPC-HEL، إلى الجيش الأميركي. 

ويوفر هذا النظام حوالي ثلث إنتاج الطاقة الصادر عن نظام (ميراكل - MIRACL) الضخم من الثمانينيات، ولكنه صغير الحجم بما يكفي لحمله بواسطة شاحنة واحدة أو داخل جسم الطائرة. 

وأعلنت شركة "لوكهيد مارتن" في أواخر يوليو، خطط لإطلاق ليزر من فئة 500 كيلووات، والذي سيوفر عدداً من الإمكانيات الدفاعية الجديدة، ولكنه سيظل أقل بكثير من القدرة على إيقاف صاروخ فرط صوتي. 

وأوضحت "ناشونال إنترست" أنه في حين أن الليزر أصبح بالفعل سلاح قريب المدى، ومن بين أنظمة الدفاع الجوي المفيدة للغاية، إلّا أن هناك العديد من القيود التكنولوجية "الخطيرة" التي تمنع استخدامه لإسقاط الصواريخ فرط الصوتية، أو حتى الصواريخ الباليستية.

مخرج قوي 

وأكدت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، أن إنتاج الطاقة هو العامل المحدد الأول لاستخدام تقنية الليزر. 

ويرى البنتاجون أن الأنظمة المنتشرة حالياً على سفن البحرية الأميركية يمكنها الاشتباك مع الطائرات بدون طيار بطيئة الحركة وحتى القوارب الصغيرة من خلال تركيز شعاع الليزر على الهدف لفترة طويلة من الوقت، ثم حرقها في النهاية لإتلافها داخلياً. 

فيما تعتبر أنظمة الليزر الأخرى الأقوى بقدرة 300 كيلووات، قوية بما يكفي لحرق جزء من صاروخ كروز أثناء الطيران لتدميره أو إرساله بعيداً عن مساره، ولكن يتطلب أن تستمر الأشعة على نفس الزاوية وتوجيه لمدة طويلة.

وفي 2020، استغرق الأمر 15 ثانية من الإطلاق المستمر من سلاح من فئة 150 كيلوواط لتدمير طائرة بدون طيار محمولة جواً. 

وأكد مراقبون أن هذا النهج يمكن التصدي له بسهولة من خلال تصميم صواريخ تتدحرج أثناء مسار طيرانها، ما يجعل من المستحيل تركيز الشعاع على نقطة واحدة. 

وتقدر وزارة الدفاع الأميركية، أنه لمنع صاروخ فرط صوتي من الوصول إلى هدفه، ستحتاج إلى ما لا يقل عن 1 ميجاوات (أو 1000 كيلووات) من الليزر، وهذا أكثر من 3 أضعاف إنتاج الطاقة لنظام الليزر التكتيكي الأكثر تقدماً الموجود حالياً.

ويبدو أنه مع قوة سلاح الليزر التي تصل إلى 1 ميجاوات، فمن المحتمل أن يواجه صعوبة في الاحتراق، خاصة أنه تم تصميم هذه الأسلحة لتحمل درجات حرارة تزيد عن 1700 درجة. 

وأكدت البحرية الأميركية، أن بناء صواريخ ذات درع حراري أكبر، أرخص من إنتاج أشعة ليزر ذات إنتاج طاقة أكبر، ما يشير إلى أنه عندما تصبح دفاعات الليزر أكثر شيوعاً، فإن الصواريخ ستكون محمية بشكل أفضل، وبالتالي أقل عرضة للضرر.

خط البصر 

على عكس الصواريخ الاعتراضية التي يمكن إطلاقها على أهداف محددة، فإن طبيعة الليزر ذاتها تحدها من نطاق الرؤية، وهو ما يمثل أزمة عند التوجيه لحرق الهدف. 

وقد تطير الأسلحة فرط الصوتية مثل صاروخ (دي إف-زد أف -DF-ZF) الصيني بسرعة ميلين في الثانية أو حتى أسرع، ما يعني أنه لن يكون هناك سوى مدة قليلة لتدمير السلاح فعلياً بحلول الوقت الذي يظهر فيه في خط رؤية الليزر.

وتواجه أسلحة الليزر مشكلة أخرى فيما يتعلق بعملية التوجيه، نظراً لأنه يمكن لبخار الماء والرمل والملح والدخان وتلوث الهواء والمواد الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي أن يكون لها تأثير مبعثر على أشعة الليزر.  

ويمثل هذا الاضطراب الجوي "مشكلة خطيرة"، ما جعل البنتاجون يرى حالياً أن الليزر هو نظام أسلحة قابل للتطبيق على نطاقات تقل عن ميل واحد فقط. 

إلغاء تركيز الشعاع 

ومع استمرار الليزر في الإطلاق في نفس الاتجاه لفترة طويلة، فإنه يقوم بتسخين الهواء الذي يمر من خلاله، ما يؤدي في النهاية إلى إلغاء تركيز الشعاع، وهي ليست مشكلة عند التعامل مع صاروخ من الجانب، أو من زاوية أثناء تحليقه، ولكنها تصبح أزمة كبيرة عند التعامل مع صاروخ يطير نحو اتجاه الشعاع مباشرة. 

وأشارت "ناشونال إنترست" إلى أنه للأسباب السابقة، لن يكون الليزر وسيلة فعالة للدفاع إلّا إذا كانت كمية الطاقة التي ينتجها هائلة للغاية بحيث يمكنها تدمير الهدف في جزء من الثانية. 

وأوضحت أن التكنولوجيا تطورت بسرعة كبيرة خلال القرنين الماضيين، ما يجعل تجاوز العقبات الهندسية أمراً ممكناً.

ويبدو أن أسلحة الليزر حالياً، لها تطبيقات كمكمل للدفاعات قريبة المدى مثل نظام الأسلحة القريبة (CIWS)، بدلاً من استخدامها لإسقاط الصواريخ فرط الصوتية. 

وقد تتجاوز أجهزة الليزر عالية الطاقة قدرات أنظمة مثل نظام الأسلحة القريبة، ما يقلل التكاليف المرتبطة بالدفاع القريب، ويقدم مجموعة واسعة من التطبيقات الجديدة للأنظمة الدفاعية القريبة.

تصنيفات

قصص قد تهمك