من التقليد إلى الابتكار.. خطة الصين لبناء أول حاملة طائرات محلية

حاملة طائرات صينية تغادر حوض بناء السفن في مدينة داليان بمقاطعة لياونينج شمال شرق الصين. 14 نوفمبر 2019 - AFP
حاملة طائرات صينية تغادر حوض بناء السفن في مدينة داليان بمقاطعة لياونينج شمال شرق الصين. 14 نوفمبر 2019 - AFP
دبي -الشرق

يُسلط الصعود الكبير في قدرات الصين الجيوسياسية والعسكرية، وخاصة في القوة البحرية، الضوء على التطوّر الاستراتيجي المترسخ بشكل كبير في تاريخها منذ عصر الزعيم الراحل ماو تسي تونج.

في البداية، استفادت الصين من "التقليد كأداة استراتيجية"، لكن استحواذها على التقنيات العسكرية الأجنبية ودراستها، ساهم في إرساء الأساس لتوسعها البحري الطموح. وهذا النهج الدقيق مكنها من تجاوز الفجوات التقنية، والانتقال من التكرار إلى الإبداع، بحسب مجلة The National Interest.

ويشير التزام الصين حالياً بتطوير أسطول هائل من حاملات الطائرات، بما في ذلك الخطط الرامية إلى إنشاء حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، إلى نية واضحة لـ"تحدي التفوق البحري الأميركي".

وتهدف الاستراتيجية البحرية الصينية، إلى تأمين التفوق الإقليمي وتحدي الولايات المتحدة في البحر، وهو ما يعكس الاستراتيجية الكبرى التي تصورها الزعيم الراحل ماو، ونفذها القادة اللاحقون بدقة نحو إزاحة الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة العالمية.

أحلام صينية

وأشارت المجلة الأميركية، إلى أن مسؤولي الأمن القومي الأميركي قللوا من شأن الصينيين بشكل مستمر، بعد الانزلاق إلى "شعور زائف بالأمان بسبب التحالف المؤقت"، الذي كان قائماً بين الصين والغرب خلال العقد القريب من الحرب الباردة.

وأضافت أن التهديد الصيني الذي ظهر واضحاً لا لبس فيه بالنسبة لنخب غربية، لم ينشأ منذ العقد الماضي فقط، ولكنها قصة في طور الإعداد منذ فترة طويلة تعود إلى الأيام الأولى، عندما قاد ماو تسي تونج ثورته الشيوعية ضد القوميين المدعومين من الغرب.

ووفقاً للمجلة، سعى الحزب الشيوعي الصيني للحاق بالقوى الأخرى، سواء كانت بريطانيا، أو الولايات المتحدة، أو الاتحاد السوفيتي في حقبة الحرب الباردة؛ ولكن الصينيين اكتسبوا "سمعة سيئة" كونهم مقلدين وليسوا مبتكرين. ورغم ذلك، كان هذا التقليد أسلوباً استراتيجياً، وليس علامة على عدم الكفاءة.

وسعت الصين لتعزيز قواتها البحرية والتركيز على تصنيع حاملات طائرات، وهو ما تجلى في الحشد البحري الصيني. لكن الجميع أصبح يعرف أن Liaoning وهي أول حاملة طائرات لم تُنتج في الصين محلياً، ولكن تم شراؤها من روسيا.

وتعتبر حاملة الطائرات Liaoning مجرد سفينة تدريب كان من المفترض أن تمنح أفراد البحرية الصينية الخبرة التي يحتاجونها للعمل في أجواء حاملات الطائرات الحقيقية.

وعملت الصين على تقليد تصنيع حاملة الطائرات Liaoning في حاملتيها التاليتين. وستكون حاملة الطائرات الرابعة في بكين من تصميمها الخاص، وستعمل بالطاقة النووية.

ويعتبر اهتمام الصين بأن تصبح قوة حاملة طائرات، يعود تاريخه إلى فترة أطول من عام 2012. وجرى الاعتماد على حاملة طائرات خفيفة قديمة تابعة للبحرية الملكية الأسترالية تم بناؤها في نهاية الحرب العالمية الثانية وبيعها لبكين كخردة في الثمانينيات.

ودمرت أستراليا الأنظمة المتقدمة في السفينة الحربية HMAS Melbourne. وأكدت الصين لقادة أستراليا أنها ستفكك السفينة الحربية وتحولها إلى خردة، ولكن تلك الخطوة لم تتم إلا بعد مرور ما يقرب من 20 عاماً على شرائها.

وعملت الصين على تشريح حاملة الطائرات الأسترالية القديمة للتعرف على المزايا الهندسية الغربية.

تقنية متطورة

وأصبح صانعو السفن الصينيون، مفتونين بأنظمة إطلاق حاملة الطائرات الأسترالية HMAS Melbourne.

وتمكنت الصين من استخلاص تقنية نظام تشغيل المقلاع من حاملة Melbourne الأسترالية، وهذا النظام تعتبره معظم الدول المشغلة لحاملات الطائرات من "أسرار الأمن القومي".

وأمضى الصينيون نحو 20 عاماً في دراسة هيكل السفينة الأسترالية، لتعلّم أسرار عن نظام المقلاع الخاص بها.

وحتى بدون وجود نموذج وظيفي يمكن محاكاته، تمكن المهندسون الصينيون من إجراء هندسة عكسية للنظام. وعمل مخططو البحرية الصينية على تفكيك سطح السفينة، وإعادته إلى الأرض في التسعينيات.

وبمجرد وصولهم إلى الأرض، عملوا على إعادة تجميع سطح حاملة الطائرات Melbourne وتدربوا على هبوط الطائرات الحربية على سطح السفينة.

وتشير تلك الخطوات إلى أن طموحات الصين الجيوسياسية التي لا يمكن إشباعها، لم تبدأ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما يعتقد العديد من المراقبين.

ورجحت The National Interest، أن الطموح الكبير للصين للسيطرة على العالم، ممكن عبر إزاحة الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة الوحيدة، وهو مجرد خيال اختلقه ماو نفسه، ورعاه عبر الأجيال في الصين، وانتقل من زعيم للحزب الشيوعي الصيني إلى من يليه.

وأوضحت المجلة الأميركية، أن كل زعيم حديث للصين، كانت لديه منهجية مختلفة، للعمل نحو تحقيق هذا الهدف النهائي، لكن الجميع كانوا يدفعون بلادهم نحو تطوير القدرات اللازمة لإنجاز تلك المهمة.

من التقليد إلى الابتكار

بدأ برنامج حاملات الطائرات الصيني باستخدام الهندسة العكسية لتقليد التكنولوجيا، ولكنه تطور بالفعل إلى قدرة مبتكرة.
 
ولفتت The National Interest إلى أن تبني الصين المحاكاة والتقليد لتقليص الوقت المخصص للبحث والتطوير، لا يعني أن الصين ليست دولة مبدعة، ولكن يشير إلى احتفاظهم بابتكاراتهم عندما يلحقون بمنافسيهم.

وأضافت أنه لا يمكن للأميركيين الاطمئنان، فبالرغم من أن أسطول حاملات الطائرات الصينية ليس متطوراً بعد مثل أسطول البحرية الأميركية، لكن بكين تلحق بالركب.

وأوضحت أنه مع كل وحدة جديدة ينتجها الجيش الصيني، يتحقق بعض التقدم الجديد، فضلاً عن أن أي صراع مع الغرب سيدور قرب الشواطئ الصينية، يعني أن خطة بكين تتمتع بميزة "اللعب على أرضها".

وعمل الجيش الصيني على ربط المناطق الرئيسية بشبكة قوية من أنظمة A2/AD المصممة لإبطال قدرات عرض القوة التي توفرها حاملات البحرية الأميركية.

وبمجرد إصدار أوامر منع الوصول فوق منطقة متنازع عليها، مثل مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، فمن المفترض أن شركات الطيران الصينية ستعمل مع درجة من الإفلات من العقاب، ما يسمح لخطة الصين بتأكيد التفوق البحري على منافسيها المحليين، بينما يتراجع الأميركيون خوفًا من خسارة حاملات طائراتهم الباهظة الثمن لصالح شبكة A2/AD الصينية.

تصنيفات

قصص قد تهمك