على مدار عقود، نظر القائمون على عملية صنع القرار في الولايات المتحدة بنوع من الشك إلى الاتفاقيات المتعلقة بالحد من التسلح في الفضاء، بسبب عدم قدرة واشنطن على التحقق من امتثال الدول للاتفاقيات التي يمكن توقيعها لتناول هذه المسألة.
وأصدر مركز السياسة والاستراتيجية الفضائية التابع لمؤسسة The Aerospace Corporation الأميركية، دراسة جديدة، تشكل تحولاً في الاعتقاد السائد بشأن عدم إمكانية التحقق من الأسلحة المنشورة في الفضاء، بحسب موقع Breaking Defense المعني بشؤون الدفاع.
وقال مؤلف الدراسة، مايك جليسون، وهو عقيد متقاعد في القوات الجوية الأميركية، إن الدراسة خلصت إلى أن مسألة التحقق ربما تكون عقبة يمكن تجاوزها بفضل التطورات التكنولوجية الحديثة، وعمليات تبادل المعلومات في الفضاء، فضلاً عن الطرق الجديدة القادرة على تحديد أنظمة الأسلحة الفضائية والتعرف عليها.
ويعد مصطلح "التحقق" مصطلحاً دبلوماسياً يحدد ما إذا كانت الأطراف الموقعة على معاهدة ما تتعلق بالحد من نشر الأسلحة في الفضاء، تمتثل لشروط المعاهدة أم لا، وما إذا كانت انتهكت القيود الأساسية التي نصت عليها المعاهدة، كعدد أنظمة الأسلحة وأنواعها.
وأوضحت الدراسة أنه على عكس المعاهدات السابقة المتعلقة بالحد من التسلح، والتي تغطي الأسلحة النووية، والأسلحة التقليدية، التي يسهل إلى حد ما تحديد نوعها وعددها، فإن هناك عقبات يتعين التغلب عليها للقيام بالأمر ذاته في ما يتعلق بأسلحة الفضاء، خاصة المنشورة بالفعل في المدار.
صعوبات فنية
وأشارت الدراسة إلى أن هناك العديد من الصعوبات والمشكلات الفنية الرئيسية في طريق التحقق من الأسلحة المنشورة في الفضاء، بما في ذلك صعوبة تحديد السلاح الفضائي والتعرف عليه، نظراً لتشابهه مع تقنيات الأقمار الصناعية، وكذلك صعوبة التفرقة بين أنظمة الدفاع الصاروخي والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وخاصة إذ نُشر أياً منهما في المدار.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات الفنية، خلصت الدراسة إلى أن السياسة وحدها، سواء على المستوى المحلي، أو المستوى الجيوسياسي، هي التي كانت ولا تزال تشكل المشكلة الحقيقية لجهود الحد من الأسلحة الفضائية وليست الجوانب الفنية.
وتقدم الدراسة الأميركية إطاراً من شأنه أن يساعد في المضي قدماً نحو الحد من الأسلحة الفضائية، وعدم الاستناد إلى الصعوبات الفنية في هذا الصدد كذريعة للتخلي عن هذا الهدف.
وأفادت بأن أحد طرق التغلب على مسألة التحقق من امتثال الدول لاتفاقيات الحد من التسلح في الفضاء، تكمن في التفاوض على معاهدات تستند إلى سلوك الجهات الفاعلة والأنظمة الفضائية.
واستحوذت هذه القضية في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على قدر كبير من الاهتمام والعناية في إطار الدبلوماسية الفضائية الأميركية، إذ دعت قيادة وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية إلى وضع معايير دولية للسلوك المسؤول في مختلف أروقة الأمم المتحدة، وإن كان ذلك من خلال اتفاقيات طوعية.
وأكدت الدراسة أن التقدم التكنولوجي المُحرز على مدار العقد الماضي، جعل حل المشكلات المتعلقة بتمييز الأسلحة وتحديدها والتعرف عليها أمراً سهلاً، من خلال أنظمة الوعي الظرفي في الفضاء، والتي توفرها بعض شركات القطاع الخاص.
وخلصت الدراسة إلى أن معالجة مسألة التحقق من الأسلحة في الفضاء والحد منها تكمن في مجموعة من التدابير، أهمها الاستفادة من التقنيات والاختراقات التكنولوجية المتعلقة بمراقبة الأنشطة الفضائية، وتركيز جهود الحد من التسلح على تحديد السلوكيات الخطيرة الواجب على الدول تجنبها، بدلاً من تحديد أنظمة الأسلحة الخطيرة وإحصائها.