توفي الفنان المصري سمير غانم، الخميس، عن 84 عاماً متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، وبمجرد وفاته، أدلى شقيقه بتصريحات قال فيها إن غانم توفي جراء عدوى "الفطر الأسود". وهو ما نفته وزارة الصحة المصرية بشكل قاطع، مؤكدة أنها لم ترصد أيّ حالات توفيت جراء العدوى التي يُسببها ذلك الفطر في مصر على الإطلاق.
وربطت وسائل إعلام بين الفطر الأسود والسلالة الهندية لفيروس كورونا. فما صحة هذا الربط؟ وهل يُمكن أن يُسبب ذلك الفطر زيادة في أعداد وفيات كورونا؟ وما خطورته على المرضى؟ وهل يتواجد في مصر أو في أيّ دولة عربية أخرى؟
ما هي الفطريات؟
الفطريات كائنات وحيدة أو متعددة الخلايا تعيش في كل مكان على سطح كوكب الأرض، تنمو بشكل أساسي في التربة أو على النباتات في مجموعة تُسمى "المُحللات".
ولولا وجود الفطريات في نظامنا الحيوي، لما وُجدت الحياة، فتلك الكائنات تلعب دوراً مهماً في دورة الكربون، وهي دورة مغلقة يتم فيها انتقال الكربون من الغلاف الجوي إلى الكائنات الحية والعكس.
وتتطفل بعض الفطريات على الكائنات الأخرى، لا سيما النباتات والحيوانات، وتُسبب أمراضاً مثل العفن الفطري والجرب والتقرحات، ويُمكن أن تؤدي لخسائر كبيرة في المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.
وتنقسم الفطريات إلى 3 مجموعات رئيسة، منها الخميرة المجهرية كتلك التي نستخدمها لصناعة الخبز، ومنها الفطريات الخيطية، المسماة بالمشروم (عيش الغراب) الذي يدخل في صناعة الكثير من الوجبات، أما النوع الثالث فهي الفطريات من نوع القوالب الخيطية متعددة الخلايا، والتي ينتمي إليها فطر الغشاء المخاطي المعروف على نطاق واسع باسم "الفطر الأسود".
فطر في كل مكان
يمكن استنشاق الفطر الأسود من التربة أو الهواء أو المنتجات المتعفنة أو حتى الخبز وأكوام السماد، فذلك الفطر يتواجد في جميع البيئات حرفياً، ويستنشقه معظمنا كل يوم بكميات هائلة، إلا أنه لا يُسبب حدوث العدوى المميتة إلا في حالات نادرة للغاية.
وعلى الرغم من أن العدوى يُمكن أن تحدث لأيّ شخص في أيّ عمر، إلا أنه من المستبعد حدوث أعراض مرضية إلا في حالات نادرة للغاية، فحتى الذين يُعانون انخفاضاً بسيطاً إلى متوسط في المناعة، لا يُمكن أن يُطوروا أعراضاً مرضية بسبب ذلك الفطر.
ومن بين العوامل المختلفة التي قد تؤدي للمرض أو حتى الوفيات، العدوى البكتيرية المصاحبة أو العدوى المعروفة باسم "الفطرية الانتهازية".
حالة غير مفهومة
وتحدث "الفطرية الانتهازية" في حالات مُحددة من المرضى، وعلى الرغم من أنها حالة غير مفهومة على وجه الدقة، إلا أن الالتهابات الفطرية لدى المرضى المُصابين بعدوى كورونا سببت أعراضاً خطيرة من الصعب السيطرة عليها، وتم رصد تلك الحالات في الصين، وفرنسا، وألمانيا.
ففي الدول الثلاث، لاحظ العلماء وجود التهاب فطري خطير بشكل ملحوظ في المرضى المُصابين بالسرطان والذين تعرضوا لعدوى كورونا، ومن ضمن تلك الالتهابات حالات من داء المبيضات الفموي البلعومي، وهو مرض فطري يظهر على شكل بقع بيضاء في اللسان ثم ينتقل في حالات محددة إلى الرئة، والكبد، والأمعاء ويُسبب تلفاً في الأجهزة الحيوية ويؤدي للوفاة.
لكن، ما الذي يُسبب انتشار المرض الفطري في بعض الحالات؟ المناعة. فالمرضى الذين يُعانون من انخفاض مستويات المناعة بسبب حالات مرضية معينة، كالسرطان أو السكري، أو زراعة الأعضاء، أو انخفاض مستويات عدد خلايا الدم البيضاء، أو تعاطي المخدرات عن طريق الحقن يُمكن أن يُصبحوا أكثر عرضة لتطوير إصابة وخيمة بالأمراض الفطرية.
كلمة السر
ظهرت أخيراً حالات إصابة شديدة بالفطر الأسود في الهند بين مرضى كورونا، فلماذا يُطور بعض المُصابين بالفيروس أعراضاً خطيرة لها علاقة بعدوى الفطر الأسود؟ الكورتيزون هو كلمة السر في تلك الحالات.
فاستخدام الكورتيزون المكون في الأساس من الستيرويد -مركبات كيميائية تُشبه الهرمونات الطبيعية التي يُنتجها الجسم- يُسبب انخفاضاً حاداً في المناعة، ما يُمكن الفطر الأسود من الانتشار والسيطرة على بعض المرضى الذين خضعوا للعلاج بالستيرويد على المدى الطويل.
ويُصاب المرضى بعدوى الفطر الأسود عن طريق استنشاق الفطر الموجود في الهواء، أو بسبب دخول ذلك الفطر الجسم عن طريق جرح مفتوح في الجسم، ثم تتفاقم الإصابة بسبب انخفاض المناعة.
الانتشار القاتل
تعتمد أعراض الإصابة بذلك المرض على مكان نمو الفطريات في الجسم، إلا أنها تشكل الحمى، والسعال، وضيق التنفس، والتورم، والصداع، وظهور آفات سوداء على الأنف، ونزيف الجهاز الهضمي، وظهور الدم في البراز، والألم المبرح في منطقة البطن.
وعلى الرغم من أن فطر الغشاء المخاطي ليس معدياً للأشخاص الآخرين على الإطلاق، إلا أنه يُمكن أن تنتشر العدوى إلى أجزاء أخرى من جسم المريض نفسه عن طريق الدم، في تلك الحالة يُعرف المرض باسم "داء الغشاء المخاطي المنتشر" وفي تلك الحالة تؤثر الفطريات على الطحال والقلب، ثم تُسبب تغيرات في الحالة العقلية ويدخل المُصاب في غيبوبة تكون قاتلة في 50٪ من الحالات.
وتشمل مضاعفات الإصابة بالفطر الأسود العمى، والجلطات الدموية الشديدة، أو انسداد الأوعية الدموية، وتلف الأعصاب، والموت.
ونظراً لندرة الإصابة، فإن معدل الوفيات الدقيق غير واضح، إلا أن الباحثين يقدرون أن 54% من المصابين بداء الفطر المخاطي يموتون جراء تلك العدوى.
وحتى الآن، لا توجد أيّ طريقة لمنع استنشاق تلك الفطريات. لكن هناك بعض الأشياء التي يُمكن القيام بها لتقليل فرص الإصابة بداء الغشاء المخاطي، خصوصاً إذا كان لدى الشخص حالة صحية تُزيد من مخاطر الإصابة بذلك المرض.
تشكل خطوات تقليل فرص الإصابة الابتعاد من المناطق التي يوجد بها الغبار. وتجنب المياه الملوثة وارتداء الأقنعة الجراحية، وتجنب أعمال البستنة وحماية البشرة عن طريق ارتداء القفازات والسراويل الطويلة وغسل الجروح بالماء والصابون.