تعمل شركة أميركية على تطوير لقاح تجريبي جديد للوقاية من الجدري، وجدري القردة، يجمع بين مزايا نوعي اللقاحات المتاحة حالياً.
اللقاح الحالي للجدري يتوفر في نوعين، أحدهما يعتمد على حقنة واحدة تحتوي على فيروس حي، لكنه يحمل أخطار التسبب في آثار جانبية خطيرة، أما النوع الثاني الأحدث، فيستخدم فيروساً غير قادر على التكاثر، ويتميز بتأثيرات جانبية أقل، ولكنه يتطلب جرعتين.
يهدف اللقاح التجريبي الجديد، إلى الجمع بين الحماية الفعالة من النوع الأول، والأمان العالي للنوع الثاني، باستخدام فيروس جدري الخيل كعامل وقائي.
لقاح جدري القردة
وقد أظهرت دراسة جديدة، نُشرت في دورية mSphere، أن فيروس جدري الخيل المستخدم في هذا اللقاح أقل نشاطاً بكثير من فيروس اللقاح vaccinia المستخدم في اللقاح أحادي الجرعة المعتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، مما يجعله أقل احتمالاً لإحداث عدوى عامة في الجسم.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة، فاروق نصر: "نسعى للوصول إلى فعالية مناعية شبيهة بلقاحات الجدري القديمة، مع مستوى الأمان المرتفع في اللقاحات الحديثة، وحتى الآن تُظهر البيانات نتائج واعدة">
وأكد أنهم يسعون إلى تحقيق توازن بين الفعالية والسلامة في آن واحد.
الجدري، الذي يسببه فيروس الفاريولا variola، مرض شديد العدوى، وبلغت نسب الوفاة الناتجة عنه ما بين 30% إلى 97%، وقد بدأ تسجيل الإصابات به منذ آلاف السنين.
وقادت منظمة الصحة العالمية حملة تلقيح فعالة بدأت في خمسينيات القرن الماضي، واستطاعت القضاء على الجدري تماماً، إذ أُعلن القضاء عليه نهائياً في عام 1980.
من ناحية أخرى، فإن جدري القردة مرض مشابه، تسببه فيروسات تنتمي إلى نفس عائلة الجدري، ويُعرف علمياً بفيروس monkeypox.
ومنذ عام 2022، شهد العالم عدة موجات لتفشي جدري القردة، وتراوحت نسبة الوفيات الناجمة عنه بين 0.2% و11%.
استجابة مناعية قوية
ويستخدم أحد اللقاحات الحالية المقاومة للجدري، فيروس اللقاح vaccinia الذي ينتمي إلى العائلة الفيروسية Orthopoxvirus الأقل خطورة، مما يساعد الجسم على تكوين مناعة ضد العدوى.
إلا أن الأبحاث الحديثة اكتشفت أن لقاحات الجدري التي استُخدمت قبل الحرب الأهلية الأميركية كانت تحتوي على فيروس مشابه بنسبة تفوق 99% لفيروس جدري الخيل، مما فتح باب التساؤل بشان إمكانية استخدام جدري الخيل في تطوير لقاح يحمي المرض دون التسبب في الآثار الجانبية غير المرغوبة.
وقد أظهرت الدراسات السابقة، التي أجرتها الشركة الأميركية المعروفة باسم Tonix Pharmaceuticals، أن اللقاح التجريبي المستند إلى فيروس جدري الخيل، يثير استجابة مناعية قوية، دون أن يُسبب المرض لدى الرئيسيات غير البشرية.
كما وفَّر اللقاح، حماية كاملة لهذه الحيوانات من التعرض للفيروس القاتل المسبب لجدري القردة دون ظهور أعراض مرضية.
اختبار سلامة اللقاح
وفي الدراسة الجديدة، قارن الباحثون تكاثر الفيروس في نماذج خلوية مأخوذة من البشر والفئران بين سلالات فيروس اللقاح، وفيروس جدري الخيل التجريبي.
ووجدوا أن فيروس جدري الخيل تم إضعافه بنحو ألف ضعف مقارنة بسلالات فيروس اللقاح، مما يعني أنه يحتوي على تركيز أقل بكثير من الجزيئات المعدية.
ويعني هذا الضعف أن فيروس جدري الخيل أقل احتمالاً لإحداث عدوى نظامية في الجسم.
في التجارب، أظهرت الفئران التي تم تلقيحها باستخدام سلالات فيروس اللقاح التقليدي أعراضاً شديدة، بينما لم تُظهر الفئران التي أُعطيت اللقاح التجريبي أي آثار سلبية.
وتستعد الشركة حالياً لإجراء تجارب المرحلة الأولى السريرية لاختبار سلامة اللقاح على البشر.
ورغم أن الجدري لم يعد موجوداً إلا في مختبرات بحثية في الولايات المتحدة وروسيا، فإن البحث مستمر عن لقاحات للجدري كإجراء دفاعي ضد احتمال استخدامه كعامل في الإرهاب البيولوجي.
ولكن التحدي الأهم حالياً هو الوقاية من تفشي جدري القردة مستقبلاً، ويأمل الفريق أن يسهم اللقاح الجديد في توفير حماية فعالة ضد المرضين.