يُعد مرض باركنسون أو"الشلل الرعاش"، الذي يصيب الجهاز العصبي ويؤثر على الحركة، أسرع الاضطرابات العصبية نمواً على مستوى العالم، إذ قُدّر عدد المصابين الجدد به في عام 2016 بنحو 6.1 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بزيادة 2.4 ضعف عن عام 1990.
ولا تزال الصورة النمطية المستمدة من كتاب "دليل أمراض الجهاز العصبي"، التي تُظهر رجلاً أبيض كبيراً في السن يعاني الضعف والانحناء والارتعاش، هي المسيطرة على خيالنا حين نسمع لفظ "باركنسون"، إلا أن تلك الصورة النمطية الشائعة غير صحيحة على الإطلاق.
فالصورة تفشل في أن تعكس بدقة وجهة النظر المعاصرة لمرض باركنسون والتباين في العمر والجنس والعرق والإثنية للمصابين.
مراحل الإصابة بباركنسون
لم يعد مرض باركنسون يصيب كبار السن فحسب، رغم أن معدل الإصابة بمرض باركنسون أعلى بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 70 إلى 79 عاماً، كما يبلغ انتشار "باركنسون" ذروته بين سن 85 و89 عاماً، إلا أن الدراسات الحديثة تقول إن "باركنسون" فى مراحله المتأخرة يمثل 39% فقط من الأشخاص المصابين بذلك الداء، مقارنة بـ51% لمرض باركنسون في العمر المتوسط (ما بين 50 إلى 69 عاماً)، و10% لمرض باركنسون المبكر (أصغر من 50 عاماً).
وبحسب دراسة نُشرت في دورية "جاما نيورولوجي JAMA Neurology"، فقد حان الوقت للتخلص من الصورة النمطية لمرض باركنسون الذي يُعد أحد أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً، وتبدأ أعراضه برعشة بسيطة في اليدين تكون غير ملحوظة على الأرجح، ثم تتفاقم بشكل كبير.
بعد ذلك يعاني المصاب ضعفاً في الحركة وتيّبس العضلات، وتحصل تغييرات في طريقة الكلام ونمط الكتابة. وعلى الرغم من عدم وجود أي علاج للمرض، إلا أن الأدوية - وفي بعض الحالات الجراحات الدماغية - يُمكن أن تُقلل من حدة الأعراض وتبطئ تطورها.
اعتقاد خاطئ
ويظن معظم الناس أن ذلك المرض حكراً بصورة كبيرة على الذكور أصحاب البشرة البيضاء، إلا أن ذلك الاعتقاد خاطئ على نحو ما.
فعلى الرغم من غلبة أعداد الذكور، إلا أن التحليلات العالمية أثبتت أن نسبة الذكور للإناث 1.4 إلى 1، وهو فارق غير كبير من الناحية العددية.
كما أن معدل الإصابة بمرض باركنسون أعلى فقط بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 60 إلى 79 عاماً. وبشكل عام، يصل معدل الإصابات بين الرجال إلى 44.21 شخص لكل 100 ألف فرد في العام الواحد.
ويصل معدل الإصابات بين السيدات إلى 37.15 مصابة لكل 100 ألف سيدة في العام الواحد، ما يدل على أن مرض باركنسون شائع بين كلا الجنسين.
في الولايات المتحدة الأمريكية، يتم تشخيص داء باركنسون بشكل متكرر لدى السكان البيض من غير ذوي الأصول الإسبانية. وعلى الرغم من أن تشخيص المرض أقل شيوعاً بين السكان السود، إلا أن نسبة الانتشار لا تزال متقاربة في الحالتين، لتجعل الفرق الإحصائي بين إصابة البيض والسود ضئيل للغاية.
إن الضعف العام الذي نعتقد أن مرضى "باركنسون" يعانونه بشكل مؤكد، أصبح عرضاً غير دقيق على الإطلاق، إذ حدد التصنيف الفرعي الأخير الشكل الخبيث المنتشر المعطل لمرض باركنسون في 16% فقط من الحالات.
وبحسب الإحصائيات، كان النمط الظاهري لمرض باركنسون الخفيف السائد الحركي هو الأكثر شيوعاً (49%)، يليه الشكل الوسيط (35%)، كما أن معدل تدهور الحالات من البسيط إلى الشديد يصل في بعض الأحيان إلى 17 عاماً في المتوسط. وهذا يشير إلى أن الأشخاص المصابين بمرض باركنسون يعيشون سنوات عديدة دون إعاقة شديدة.
وعلى الرغم من أن الأساليب الحالية في التصنيف الفرعي لمرض باركنسون لها قيود ولا يوجد توافق في الآراء بشأن التصنيف الأمثل، فمن الواضح أن تجارب الأفراد المصابين بمرض باركنسون متنوعة وتشمل تطور المرض الخفيف والبطيء.
الصورة النمطية عن "باركنسون"
تقول الدراسة إن التحيزات التي تتعلق بالعمر والجنس والعرق تؤدي إلى استنتاج معلومات غير دقيقة وغير كافية وغير واقعية.
على سبيل المثال، فمن الممكن أن تؤدي الصورة النمطية في حصول الذكور المصابين بالمرض على الرعاية الصحية المتخصصة بشكل أسرع من الإناث، وذلك وفقاً للأبحاث.
وربما تؤدي الصورة الكلاسيكية لمرض باركنسون المتقدم إلى عدم التعرف على أعراضه المبكرة، خاصة في أماكن الرعاية الأولية.
كما تساهم تلك الصور أيضاً في الافتراضات العامة بأن مرض باركنسون هو مرض كبار السن والضعفاء، وهو ما يعتبره الأشخاص المصابون بمرض باركنسون "وصمة".
وتشير الأبحاث خارج إطار مرض باركنسون أيضاً إلى أن التوقعات يمكن أن تكوّن نبوءة تحقق ذاتها، فالتصورات السلبية للشيخوخة في الأساس ارتبطت بسوء سرعة المشي وانخفاض الطلاقة اللفظية وضعف الذاكرة الذاتية.
أشهر مصابي "باركنسون"
يُعد أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي، الذي رحل قبل 4 سنوات، عن عمر يناهز الـ74 عامًا، أشهر مصابي مرض باركنسون أو "الشلل الرعاش"، بعد أن ظل مصاباً به أكثر من ثلاثة عقود.
وعرف الملاكم الأبرز في العالم بمرضه في عام 1984 بعد ثلاثة أعوام من تقاعده، ليبدأ المرض يسلبه مهاراته الحركية وقدرته على التحدث بشكل طبيعي.
وأصبح صاحب الأداء المعروف بأنه "يطير كالفراشة ويلدغ كالنحلة" لا يقوى على الحركة إلا على كرسي متحرك. وعانى خلال فترة مرضه كحال المصابين بالشلل الرعاش آلاماً شديدة، مصحوبة برعشة في الأطراف وتصلُّباً في العضلات وصعوبة في المشي والحركة والكلام، إلا أنه ظل من أبرز الداعين للتوعية بالمرض.