دعا 40 عالماً وخبيراً في مرض ألزهايمر، إلى إجراء تغييرات عميقة في أنظمة الرعاية الصحية والسياسات العامة والمواقف الاجتماعية، لضمان استفادة المرضى من التطورات التشخيصية والعلاجية المتسارعة.
ومرض ألزهايمر هو السبب وراء نحو 70% من حالات الخرف في العالم، كما يمثل أحد أبرز أسباب الإعاقة لدى كبار السن، الأمر الذي يفرض أعباء اجتماعية واقتصادية هائلة على الأسر والأنظمة الصحية على حد سواء.
وأشار العلماء والخبراء، في الأوراق البحثية التي نشرتها دورية The Lancet، إلى التطورات في تشخيص وأدوية ألزهايمر، وأحدث طرق التشخيص، مستقبل علاجات ألزهايمر وسبل الوقاية المحتملة منه.
تناولت الورقة الأولى مجموعة من الاختراقات العلمية الكبرى التي شهدتها أبحاث ألزهايمر، خلال السنوات الماضية، مع ظهور جيل جديد من الأدوية يعرف باسم الأجسام المضادة أحادية النسيلة المضادة للبيتا-أميلويد، أبرزها ليكانيماب ودونانيماب.
ولا تخفف هذه العقاقير الأعراض بشكل مؤقت كما تفعل الأدوية التقليدية؛ بل تستهدف الآلية الجزيئية المسببة للمرض عبر إزالة تراكم البروتينات السامة في الدماغ.
وأظهرت نتائج التجارب السريرية قدرة هذه الأدوية على إبطاء التدهور المعرفي والوظيفي لعدة أشهر ثم سنوات، ما يفتح الباب لأول مرة نحو تدخل فعلي يغير مسار المرض بدل التعايش معه فقط.
لكن الطريق ليس ممهداً، فهذه الأدوية تحتوي على خطر حدوث مضاعفات دماغية تعرف باضطرابات التصوير المرتبطة بالأميلويد مثل النزيف والوذمة، ما يستلزم متابعة دقيقة عبر تصوير بالرنين المغناطيسي بشكل متكرر، كما أن فعاليتها تختلف بحسب المرحلة البيولوجية للمرض، إذ يبدو أن المستفيد الأكبر هم المرضى في المراحل المبكرة.
ألزهايمر
- أكتر من 55 مليون شخص حول العالم مصابون بالخرف، ما بين 60و70% منهم بسبب ألزهايمر.
- توقعات بارتفاع عدد الحالات إلى 139 مليون بحلول 2050.
- 71 % من المصابين بالخرف يعيشون في دول منخفضة ومتوسطة الدخل.
- ألزهايمر المبكر: 1 من كل 13 مريضاً، يصاب قبل سن 65.
- تطور المرض: التغيرات في الدماغ يمكن أن تبدأ قبل ظهور الأعراض بـ 20 سنة أو أكتر.
ويرى الخبراء أن هذه التطورات تلقي عبئاً ضخماً على أنظمة الرعاية الصحية، خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، إذ يتطلب العلاج توفر أجهزة رنين مغناطيسي متطورة، وفحوصات للواسمات الحيوية؛ من سائل النخاع أو عبر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، إلى جانب طواقم طبية متعددة التخصصات على غرار "مجالس الأورام" في علاج السرطان.
وحذر الخبراء من أن يؤدي التفاوت في القدرات بين الدول إلى توسيع فجوة العدالة الصحية، ويجعل العلاج حكراً على الأغنياء، لكنهم توقعوا أن يدفع توفر هذه الأدوية المزيد من الناس إلى التشخيص المبكر، ويعيد تشكيل شبكات الرعاية لتكون أكثر سرعة وكفاءة.
المؤشرات الحيوية لمرض ألزهايمر
واستعرض الخبراء في الورقة الثانية أحدث ممارسات التشخيص والرحلة النموذجية للمريض في البيئات المتخصصة، إذ يجري الأطباء تشخيصاً تفريقياً لتحديد ما إذا كانت أمراض ألزهايمر - ترسب بيتا أميلويد في الدماغ وفرط فسفرة تاو - تساهم في ضعف الإدراك.
وتتيح المؤشرات الحيوية التي تشير إلى اختلال توازن بيتا أميلويد وتاو، والتي تقاس باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني وتحليل السائل النخاعي، تشخيصاً على المستوى الجزيئي، وهي خطوة إلزامية لتحديد أهلية الحصول على علاجات مضادات الأميلويد المُعتمدة حديثاً.
وتوقع الباحثون أن تؤدي المؤشرات الحيوية للدم، التي يسهل الوصول إليها، والمتوفرة بالفعل في بعض البلدان، إلى ثورة في تشخيص المرض، وتُحدث تغييرات كبيرة في أنظمة الرعاية الصحية حول العالم.
مستقبل علاج ألزهايمر
أشار الخبراء في الورقة الثالثة إلى مستقبل علاج ألزهايمر وسبل الوقاية المحتملة منه، موضحين أن الطب يقف حالياً أمام لحظة فارقة في معركة استمرت قرناً مع المرض؛ إذ لأول مرة يتمكن الباحثون، عبر تدخل دوائي مثبت في تجارب سريرية من المرحلة الثالثة، من تقليص تراكم بروتين البيتا-أميلويد في الدماغ وإبطاء وتيرة التدهور المعرفي والوظيفي.
وأوضحوا أن هذا الإنجاز، الذي تحقق بفضل عقاقير الأجسام المضادة وحيدة النسيلة مثل ليكانيماب ودونانيماب، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية والطبية، إذ رحب به البعض باعتباره بداية "عصر جديد" في علاج الخرف، بينما رأى آخرون أن الفوائد لا تزال محدودة ولا تبرر الأخطار والتكاليف الباهظة.
ولفت الخبراء إلى أن هذا الخلاف لم ينشأ من فراغ، فالتجارب أظهرت أن الأدوية الجديدة لا توقف المرض تماماً، بل تبطئ مساره بنسبة تتراوح بين 27 و36% خلال 18 شهراً، وهو فارق ربما يعني بقاء المريض قادراً على قيادة السيارة أو الاعتناء بنفسه لفترة أطول، لكنه في الوقت نفسه لا يُحدث انقلاباً جذرياً، مشيرين إلى أن الأسوأ هو أن هذه العلاجات ربما تسبب مضاعفات خطيرة مثل نزيف الدماغ أو الوذمة الدماغية، وهي أخطار تتطلب متابعة دقيقة ومكلفة عبر فحوص بالرنين المغناطيسي وفحوص جينية للكشف عن الطفرات التي تزيد من احتمالية المضاعفات.
تشخيص ألزهايمر قبل ظهور الأعراض
ويشهد ميدان الطب ثطوراً آخر في أدوات التشخيص، إذ ظهرت مؤشرات حيوية رقمية ودموية جديدة، مثل اختبارات p-tau217، قادرة على كشف التغيرات الدماغية المرتبطة بألزهايمر قبل ظهور الأعراض بعقد كامل أو أكثر.
ويقول العلماء إن هذه التطورات تطرح سؤالاً استراتيجياً؛ هو هل يجب البدء في فحص ملايين الأشخاص الأصحاء للكشف المبكر عن المرض، تماماً كما نفعل في فحوص السرطان؟ وما الذي يعنيه ذلك من ناحية اقتصادية وأخلاقية؟
ويرى الباحثون أن المستقبل مفتوح على سيناريوهات متباينة، فقد ترسخ الأجسام المضادة مكانتها كأول "علاج معدل لمسار المرض"، أو قد يقتصر دورها على جسر مؤقت نحو أدوية أكثر أماناً وفاعلية تستهدف مسارات غير أميلويدية.
ويعتبر العلماء أنه في كل الأحوال، يبقى التحدي الأكبر سياسياً ومجتمعياً متعلق بمن يقرر قيمة الزمن الذي يمنح للمريض قبل أن يفقد استقلاليته؟ وهل تتحمل الأنظمة الصحية هذا العبء في ظل أولويات لا تقل إلحاحا؟.
وأشاروا إلى وجود تقدم في مجال الوقاية، يتمثل في خدمات الصحة التي تحدد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض وتقدم لهم برامج علاجية شخصية.
ومع ذلك، يبقى معظم مرضى ألزهايمر من الفئات ذات الخطورة المنخفضة أو المتوسطة، ما يجعل التدابير السكانية العامة – مثل تصميم حضري صحي، وتقييد استهلاك الكحول والمشروبات السكرية – أدوات وقاية لا غنى عنها.
وأكد الخبراء أن التطور السريع في العلم يجب أن يقابله إصلاح متسارع في السياسات والبنى الصحية والمجتمعية.
وقال رئيس الفريق البحثي، جيوفاني فريزوني، الباحث بجامعة جنيف في سويسرا، إن اختبارات الدم والأدوية البيولوجية لألزهايمر، إلى جانب التدخلات الوقائية، تدفع الرعاية نحو آفاق جديدة مثيرة.
وأضاف: "لكن الاحتياجات التقليدية للمرضى لن تختفي؛ بل سنحتاج إلى مزيد من الأطباء المتخصصين في الخرف لمواصلة العمل على الرعاية السلوكية، والتشخيص الدقيق، والدعم النفسي والاجتماعي، وبالتالي فبذل جهد مجتمعي منسق في هذا الاتجاه يضمن استفادة المرضى اليوم وغدا من ثمار التقدم العلمي والتكنولوجي".