دراسة تكشف عن "مفتاح حيوي" قد يُحدث ثورة في علاج داء باركنسون

شخص مصاب بداء باركنسون يقف في مرعى بالقرب من جنيف في سويسرا. 19 يوليو 2021 - Reuters
شخص مصاب بداء باركنسون يقف في مرعى بالقرب من جنيف في سويسرا. 19 يوليو 2021 - Reuters
القاهرة -محمد منصور

ذكرت دراسة علمية أجراها باحثون من جامعة "كاتوليكا" في روما، بالتعاون مع جامعة "روما تري" الإيطالية أن اكتشاف مفتاح حيوي جديد داخل الخلايا، قد يمهّد الطريق لتطوير علاجات مبتكرة لمجموعة من الأمراض، من بينها داء باركنسون وبعض الأمراض النادرة المرتبطة بخلل في الميتوكوندريا.

وأشارت الدراسة إلى أن هذا المفتاح يتمثل في إنزيم يُعرف باسم "فوسفاتاز B55" أو (PP2A-B55alpha) وهو عنصر أساسي في ضبط توازن الميتوكوندريا (محطات توليد الطاقة) داخل الخلية.

وتوصّل الباحثون إلى أن تقليل نشاط هذا الإنزيم في نموذج تجريبي لداء باركنسون أدى الى خفْض الأعراض الحركية للمرض، لافتين إلى أن هذه النتائج قد تفتح المجال أمام تطوير عقاقير جديدة تستهدف هذا المسار الحيوي لعلاج باركنسون واضطرابات أخرى.

وقاد الدراسة المنشورة في دورية Science Advances البروفيسور فرانشيسكو تشيكّوني، أستاذ الكيمياء الحيوية في قسم العلوم البيوتكنولوجية بجامعة كاتوليكا، بمشاركة الدكتورة فالنتينا تشيانفانيلي، الأستاذة المشاركة في جامعة "روما تري"، وأجوستينو جيميلي، الباحثة الرئيسية في مشروع "الباحثين الشباب" بوحدة علم الأورام النسائية في مؤسسة بوليكلينيكو.

اقرأ أيضاً

تطوير قلم ذكي يكتشف مرض باركنسون بدقة 96% من خلال الكتابة

قلم مزود بحبر مغناطيسي وذكاء اصطناعي يميز خط اليد بدقة تفوق 95%، ما يتيح تشخيصًا مبكرًا ومنخفض التكلفة لمرض الشلل الرعاش، خاصة في الدول الفقيرة.

خلفية علمية

وتُعد الميتوكوندريا من أهم العضيات الضرورية لبقاء الخلايا، إذ تُنتج الطاقة اللازمة لعملها، ويُعد خللها سبباً رئيسياً في أمراض عدة، منها باركنسون وأمراض ميتوكوندريا نادرة تؤثر في العضلات أو العينين أو الدماغ.

وأوضحت الدراسة أنه داخل الخلايا، يجب الحفاظ على توازن دقيق بين التخلص من الميتوكوندريا التالفة واستبدالها بجديدة، لكن في بعض الأمراض، يختل هذا التوازن، فإما تفقد الخلايا عدداً مفرطاً من الميتوكوندريا أو تتراكم العضيات التالفة، ما يهدد بقاء الخلية نفسها. وفي حالة داء باركنسون تحديداً، يسهم فقدان الميتوكوندريا في موت الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين، وهي العملية التي تُعد أساس المرض.

تفاصيل الدراسة

وأكد الباحثون أن هذا الإنزيم يمثّل عنصراً محورياً في التحكم بعملية توازن الميتوكوندريا، إذ يعزز من جانب عملية "الميتوفاجي" وهي الآلية التي تسمح بإزالة الميتوكوندريا التالفة والخطرة. وعلى جانب آخر يعمل على تثبيت المكونات الأساسية لعملية تكوين ميتوكوندريا جديدة وهو ما يحافظ على توازن ديناميكي بين الإزالة والتجديد.

وقال البروفيسور فرانشيسكو تشيكّوني إن أهمية هذا الاكتشاف تكمن في أن تأثيرات ذلك الإنزيم ترتبط بشكل مباشر مع بروتين "باركن"، وهو بروتين مركزي في آليات الميتوفاجي (Mitophagy) وذو صلة مباشرة بمرض باركنسون.

وأضاف الباحثون أنهم عندما طبّقوا تقنيات تقليل مستويات إنزيم B55 في ذباب الفاكهة وهو نموذج يستخدم لدراسة داء باركنسون لاحظوا تحسناً ملحوظاً في الأعراض الحركية وكذلك في التغيرات الميتوكوندرية المصاحبة للمرض، مؤكدين أن هذا التأثير يتطلب وجود بروتين باركن ويعمل أساساً على عملية تكوين الميتوكوندريا الجديدة.

ونبهت الدراسة إلى أن الفكرة المستقبلية تكمن في تطوير جزيئات دوائية صغيرة قادرة على اختراق الدماغ والوصول إلى الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين ومن ثم الحد من موتها.

وشدد البروفيسور تشيكّوني على أن هذه المقاربة قد تسمح في المستقبل بتطوير عقار شامل يمكنه تعديل عمل إنزيم B55 لعلاج مختلف الأمراض الميتوكوندرية مثل بعض أمراض الاعتلال العضلي الميتوكوندري أو الأمراض العصبية التنكسية.

ونبهت الدراسة أيضاً إلى أن الخلل في عدد وجودة الميتوكوندريا يلعب دوراً أساسياً في قدرة الخلايا السرطانية على التكيف ومقاومة العلاجات وبالتالي فإن التحكم في نشاط B55 قد يفتح المجال أمام مقاربات علاجية جديدة في مجال الأورام.

وأكد فريق البحث أن الهدف المستقبلي هو تحديد جزيئات آمنة واستراتيجيات علاجية تسمح بالتحكم في نشاط إنزيم B55 ضمن نماذج قبل سريرية وكذلك في نماذج خلوية بشرية مع التركيز على دراسة تأثير هذا التعديل على أمراض عصبية وتنكسية أخرى مرتبطة بالميتوكوندريا.

آفاق علاجية جديدة

واعتبرت الدراسة أن هذه النتائج تُمثّل خطوة واعدة نحو فتح آفاق جديدة لفهم آليات باركنسون والأمراض الميتوكوندرية وإمكانية تحويل هذا الفهم إلى تدخلات علاجية ملموسة.

وبيّنت النتائج أن الجمع بين الميتوفاجي وتكوين ميتوكوندريا جديدة بطريقة متوازنة هو مفتاح الحفاظ على صحة الخلية وأن B55 يمثّل نقطة السيطرة المركزية في هذه العملية.

وأفاد الباحثون بأن فقدان التوازن في هذه العملية قد يكون سبباً مشتركاً بين أمراض عصبية مثل باركنسون وأمراض نادرة تصيب العضلات أو العيون أو الدماغ.

وأكدت الدراسة أن هذا التقدم العلمي لم يكن ليتم دون التعاون بين المؤسسات البحثية الأكاديمية والمراكز الطبية وهو ما يعكس أهمية العمل متعدد التخصصات في مواجهة التحديات الصحية الكبرى.

وأبرزت النتائج أن الوصول إلى علاج فعال لداء باركنسون وغيره من الأمراض المرتبطة بالميتوكوندريا قد يكون أقرب مما يظنه البعض إذا ما نجح الباحثون في تطوير الأدوات الدوائية اللازمة للتحكم في هذا الإنزيم.

وتحدّث الباحثون عن أنهم سيواصلون العمل على استكشاف العلاقة بين B55 وبروتين باركن من أجل بناء أساس علمي متين يسمح بتطوير علاجات دقيقة تستهدف الخلايا العصبية المهددة بالموت.

ولفتت الدراسة إلى أن هذه الجهود تمثّل بداية مسار طويل نحو علاجات جديدة لكنها تقدم أملاً ملموساً للملايين من المرضى الذين يعانون من باركنسون وأمراض أخرى معقدة.

ومضى الباحثون يقولون إن التحدي المقبل سيكون في إثبات فاعلية وأمان هذه الاستراتيجيات في نماذج بشرية قبل الانتقال إلى التجارب السريرية.

ونوّه الفريق البحثي إلى أن التطور المستقبلي قد يشمل أيضاً تطبيقات في مجال علاج السرطان من خلال تقويض قدرة الخلايا السرطانية على تعديل ميتوكوندرياتها لمقاومة العلاج.

وأوضحت النتائج أن التحكم في B55 قد يفتح المجال أمام استراتيجيات علاجية شاملة تستهدف ليس فقط الأمراض العصبية والتنكسية بل أيضاً الأمراض النادرة وحتى بعض أشكال الأورام.

وأردف الباحثون بالقول إنهم متفائلون بأن النتائج الحالية ستدفع بمجتمع البحث الطبي إلى استكشاف المزيد حول دور الميتوكوندريا في الصحة والمرض.

وأكدوا أن النجاح في هذا المجال يمكن أن يغيّر بشكل جذري طريقة فهمنا لأمراض التنكس العصبي والأمراض الميتوكوندرية وربما حتى السرطان.

وختمت الدراسة إلى أن الطريق ما زال طويلاً لكن الاكتشافات الحالية تضع أساساً صلباً لبناء مستقبل علاجي جديد يعتمد على فهم أعمق لديناميكيات الميتوكوندريا ودورها في بقاء الخلية.

تصنيفات

قصص قد تهمك