قبل نحو 100 عام؛ تمكَّن الطبيب الكندي فردريك بانتينج من عزل الأنسولين الذي استخدم لاحقاً في علاج مرضى السكري. أحدث الاكتشاف ثورة في الأوساط العلمية؛ وحصل بموجبه بانتينج وزميله جون مكليود على نوبل الطب عام 1923.
ومنذ ذلك الحين؛ يعتبر الأنسولين -الذي يُنتج أصلاً في البنكرياس عند الأشخاص الأصحاء- الوسيلة الأساسية لعلاج الحالات التي تُعاني من ارتفاع نسبة السكر في الدم.
والآن؛ وبحسب ما ورد في دراسة نُشرت نتائجها في دورية "Cell Metabolism" اكتشف علماء من معهد "سيلك" جزيئاً ثانياً قد يُمكنه أن يحل محل الأنسولين في المستقبل.
ذلك الجزيء يتم إنتاجه في الأنسجة الدهنية ويعمل -مثله مثل الأنسولين- على تنظيم نسبة السكر في الدم بشكل فعال وسريع.
تطوير علاجات جديدة
ويمكن أن يؤدي ذلك الاكتشاف إلى تطوير علاجات جديدة لعلاج مرض السكري، كما يضع الأساس لسبل جديدة كُلياً وواعدة في أبحاث التمثيل الغذائي.
الجزيء الجديد؛ يسمى "FGF1" وهو نوع من الهرمونات التي تقوم بتنظيم مستوى الجلوكوز في الدم عن طريق تثبيط تكسير الدهون (تحلل الدهون).
مثل الأنسولين، يتحكم "FGF1" في نسبة الجلوكوز في الدم عن طريق تثبيط تحلل الدهون، لكن الهرمونين يفعلان ذلك بطرق مختلفة.
الأهم من ذلك، أن هذا الاختلاف يمكن أن يتيح استخدام "FGF1" لخفض نسبة الجلوكوز في الدم بأمان ونجاح لدى الأشخاص الذين يعانون من مقاومة الأنسولين.
يقول المؤلف الرئيس المشارك في الدراسة والبروفيسور رونالد إيفانز، إن العثور على هرمون ثانٍ يثبط تحلل الدهون ويخفض مستوى الجلوكوز "إنجاز علمي"، إذ إن الاكتشاف "يُحدد لاعباً جديداً في تنظيم تحلل الدهون الذي سيساعدنا على فهم كيفية إدارة مخازن الطاقة في الجسم".
عندما نأكل، تدخل الدهون الغنية بالطاقة والجلوكوز إلى مجرى الدم. عادةً ما ينقل الأنسولين هذه العناصر الغذائية إلى خلايا العضلات والأنسجة الدهنية، حيث يتم استخدامها على الفور أو تخزينها لاستخدامها لاحقاً.
في الأشخاص الذين يعانون من مقاومة الأنسولين، لا يتم إزالة الجلوكوز بكفاءة من الدم، ويزيد ارتفاع تحلل الدهون من مستويات الأحماض الدهنية. تعمل هذه الأحماض الدهنية الزائدة على تسريع إنتاج الجلوكوز من الكبد، مما يضاعف مستويات الجلوكوز المرتفعة بالفعل.
علاوة على ذلك، تتراكم الأحماض الدهنية في الأعضاء، مما يؤدي إلى تفاقم مقاومة الأنسولين؛ وهي خاصية من خصائص الإصابة بالسكري والسمنة.
تحلُّل الدهون
في السابق، أظهر نفس الفريق أن حقن "FGF1" يخفض بشكل كبير نسبة الجلوكوز في الدم لدى الفئران، وأن العلاج بذلك الهرمون يخفف من مقاومة الأنسولين. لكن كيفية عمل ذلك الهرمون ظلت لغزاً.
في العمل الحالي، حقق الفريق في الآليات الكامنة وراء هذه الظاهرة. أولاً، أظهروا أنَّ هرمون "FGF1" يقمع تحلل الدهون، كما يفعل الأنسولين. ثم أظهروا أنه يقوم بتنظيم إنتاج الجلوكوز في الكبد، كما يفعل الأنسولين. ودفعت أوجه التشابه العلماء للتساؤل عما إذا كان ذلك الهرمون والأنسولين يستخدمان نفس مسارات الإشارات لتنظيم جلوكوز الدم.
كان معروفاً بالفعل أن الأنسولين يثبط تحلل الدهون من خلال إنزيم يعرف باسم "PDE3B"، لذلك اختبر الفريق مجموعة كاملة من الإنزيمات المماثلة، مع وجود "PDE3B" في أعلى القائمة. لكنهم فوجئوا أن الهرمون الجديد يثبط تحلل الدهون باستخدام مسار مختلف يسمى "PDE4".
هذا يعني أن الهرمون المكتشف يستخدم آلية مختلفة ويُشكل خطَّ دفاع ثانياً لمرضى السكري الذين يعانون من مقاومة الأنسولين، وبالتالي؛ يُمكن مستقبلاً استخدامه حال فشل الأنسولين في علاج المريض؛ أو حتى كطريقة منفصلة تماماً للتحكم في تحلل الدهون وتنظيم سكر الدم.
اقرأ أيضاً: