بعد عامين على انتشار جائحة فيروس كورونا، وفرض عدّة دول إغلاقات وتدابير احترازية، تتجه بعض الدول الأوروبية والآسيوية إلى حث سكانها على التعامل مع الفيروس كمرض "مستوطن" مثل الحصبة أو الإنفلونزا، مع الإبقاء على تقديم الدعم لمن يواجهون مضاعفات خطيرة أو يعانون أمراضاً مناعية.
ووفقاً لتقرير أعدته وكالة "أسوشيتد برس"، فإن دولاً مثل بريطانيا وإسبانيا واليابان والبرتغال تسعى إلى التعامل مع الفيروس ومتحوراته، رغم تسجيل معدلات إصابة مرتفعة، على أنه مرض طبيعي وباقٍ وليس كحالة طارئة.
إسبانيا والبرتغال
في إسبانيا، يسعى رئيس الوزراء بيدرو سانشيز إلى طرح تغييرات في طريقة التعامل مع الفيروس، خصوصاً بعد أن أظهر متحور "أوميكرون" أن المرض أصبح "أقل فتكاً".
وقال سانشيز في تصريحات الاثنين الماضي: "ما نقوله هو أنه في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة، سيتعين علينا التفكير دون تردد، ووفقاً لما يخبرنا به العلم، في كيفية إدارة الوباء بمعايير مختلفة. يجب البدء في تشكيل عالم ما بعد الجائحة الآن، وأن نتوقع السيناريوهات".
وتلقى ما يزيد قليلاً على 80% من سكان إسبانيا جرعتي اللقاح، فيما تعمل السلطات على تعزيز مناعة البالغين بجرعات ثالثة.
وفي هذا الصدد، قال سلفادور ترينش، رئيس الجمعية الإسبانية لطب الأسرة والمجتمع، إن "المناعة المكتسبة من اللقاح، إلى جانب انتشار العدوى، توفر فرصة لتركيز جهود الوقاية".
وأضاف: "يجب التعامل مع كورونا كبقية الأمراض"، مضيفاً أن الجمهور يحتاج أيضاً إلى "التصالح مع فكرة أن بعض الوفيات الناجمة عن المرض ستكون حتمية"، مؤكداً أنه "لا يمكننا أن نفعل في الموجة السادسة ما كنا نفعله في الموجة الأولى".
وقالت وزارة الصحة الإسبانية إنه "من السابق لأوانه مشاركة أي مخططات يجري صياغتها من قبل خبرائها ومستشاريها، لكن أحد الاقتراحات هو اتباع نموذج المراقبة الخافرة المستخدم حالياً في الاتحاد الأوروبي لمراقبة الإنفلونزا".
أما في البرتغال التي تتمتع بواحدة من أعلى معدلات التطعيم عالمياً، فأعلن الرئيس مارسيلو ريبيلو دي سوزا في خطاب ألقاه بمناسبة العام الجديد أن البلاد "انتقلت إلى مرحلة مستوطنة"، لكن الجدل حول تدابير محددة تلاشى مع تسارع الانتشار إلى مستويات قياسية، إذ تم تسجيل نحو 44 ألف إصابة، الثلاثاء.
بريطانيا.. رفع القيود
أما في المملكة المتحدة، فقال وزير الصحة ساجد جاويد، الخميس، إن بلاده تتقدم على الدول الأخرى من حيث التعايش مع وباء فيروس كورونا، مشدداً على "ضرورة تعلّم كيفية التعايش معه، لأنه قد يبقى للأبد".
وأضاف، في تصريحات لشبكة "سكاي نيوز"، أن بلاده "تتقدم على دول أخرى مع رفع الحكومة القيود الرامية إلى احتواء الفيروس".
وتابع: "يتعين علينا تعلم كيفية التعايش مع كورونا. من المحزن أن الناس يموتون من الإنفلونزا، خلال السنوات الماضية نحو 20 ألفاً كادوا أن يفقدوا حياتهم، لكننا لم نغلق بلدنا بالكامل".
وأوضح جاويد أن "كوفيد -19 لن يختفي، بل سيظل معنا لسنوات طويلة وربما للأبد، ويتعين علينا تعلم التعايش معه (...) أعتقد أننا نقود أوروبا في التحول من الجائحة إلى الوباء المتوطن ونتقدم الآخرين في إظهار كيفية التعايش معه للعالم".
من جانبه، أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون، الأربعاء، أن الموجة الأخيرة "بلغت ذروتها على الصعيد الوطني"، لكن أشار إلى سعيه "إلغاء شرط عزل المصابين لمدة 5 أيام كاملة، والذي سيسري خلال الأسابيع المقبلة، إذا استمرت مؤشرات الإصابات في التحسن".
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 95% من السكان البريطانيين طوروا أجساماً مضادة ضد كورونا بسبب إما انتقال العدوى أو التطعيم.
اليابان.. نهج حذر
وفي اليابان، تتزايد الدعوات للتعامل مع كورونا على أنه أحد الأمراض المستوطنة، ما يمثل إضافة إلى الأصوات العالمية التي تضغط من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية، وفقاً لـ"بلومبرغ".
وأضافت الوكالة، في تقرير نشرته الأربعاء، أنه بالنظر إلى البيانات التي تظهر أن المتغير الجديد يعد أقل خطورة من المتغيرات السابقة، أعربت بعض الشخصيات السياسية عن دعمها لتخفيف القيود المتعلقة بالفيروس في اليابان، والنظر إليه باعتباره مماثلاً للإنفلونزا.
وأشارت إلى أنه في آسيا، التي كانت أكثر صرامةً في ما يتعلق باحتواء الفيروس منذ بداية الوباء، من المرجح أن يحدث الكثير من التغييرات، خصوصاً في اليابان.
ورأت أن تقليل أهمية كورونا سيكون له تأثير مباشر أيضاً في توفر الموارد الطبية في المستشفيات، التي ترفض حالياً علاج المرضى المصابين لأنهم يدّعون "عدم جاهزيتهم للتعامل مع المرض".
ولكن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا حث على توخي الحذر، قائلاً إنه "لا يزال من السابق لأوانه خفض مستوى خطورة الفيروس بالنظر إلى عدد حالات أوميكرون"، ومع ذلك، فإن الأمر له صدى متزايد في طوكيو، مع تزايد الدعوات الداعمة للحد من تخفيف القيود.
وبينما تحسب طوكيو خطوتها التالية، أشار كيشيدا إلى أن أولوية حكومته هي "إيجاد حل وسط"، مضيفاً: "الفيروس يتحور بشكل متكرر ويجب أن نأخذ ذلك في الحسبان، فلا يمكننا الاستمرار في تغيير الوضع في كل مرة يغير فيها الفيروس شكله".
وتعتمد اليابان حالياً على 450 مركزاً للصحة العامة لتتبع الأشخاص المصابين بالفيروس، وإدخالهم إلى المستشفيات، كما أنه تم تطعيم ما يقرب من 80% من السكان بجرعتين، ما يجعلها واحدة من أكثر الدول تحصيناً بين الدول المتقدمة.
رفض ألماني وشروط إيطالية
في غضون ذلك، رفضت ألمانيا التي تلقى أقل من 73% من سكانها الجرعتين وتصل معدلات الإصابة إلى مستويات قياسية جديدة يومياً، المقارنات مع إسبانيا أو أي دولة أخرى.
وقال الناطق باسم وزارة الصحة أندرياس ديفنر، الاثنين: "لا يزال لدينا عدد كبير جداً من الأشخاص غير المحصنين، خاصة بين مواطنينا الأكبر سناً".
من جهتها، تعمل إيطاليا على توسيع نطاق تفويض التطعيم ليشمل جميع المواطنين الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكثر، في حين تفرض غرامات تصل إلى 1500 يورو على الأشخاص غير المطعمين الذين يحضرون إلى العمل.
كما يُطلب من الإيطاليين التطعيم الكامل لاستخدام وسائل النقل العام والطائرات والصالات الرياضية والفنادق والمعارض التجارية.
ليس مرضاً مستوطناً
وكانت منظمة الصحة العالمية قالت، في وقت سابق، إن من السابق لأوانه التفكير في أي تحول فوري، إذ ليس لديها أي معايير محددة للإعلان عن أن فيروس كورونا سيبقى ويعتبر بمثابة مرض مستوطن، لكن خبراءها قالوا سابقاً إن ذلك قد يحدث عند "توقف التفشي المستمر حالياً".
من جانبه، قال خبير الأمراض المعدية في الولايات المتحدة أنتوني فاوتشي، الاثنين، إنه "لا يمكن اعتبار كوفيد-19مرضاً مستوطناً حتى ينخفض إلى مستوى لا يزعج المجتمع".
في حين، نصح المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، البلدان بالانتقال إلى "معالجة أكثر روتينية لكورونا وإنهاء المرحلة الحادة من الوباء"، مضيفاً أن "المزيد من دول الاتحاد الأوروبي سترغب في تبني نهج مراقبة طويل الأمد ومستدام أكثر".