دراسة تتوقع 1.2 مليون وفاة في أميركا الشمالية بسبب المواد الأفيونية

أقراص هيدروكودون ذات أساس "أفيوني" - REUTERS
أقراص هيدروكودون ذات أساس "أفيوني" - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

كشفت دراسة علمية نُشرت نتائجها، الخميس، في دورية "لانسيت"، أنه من المتوقع حدوث 1.2 مليون حالة وفاة إضافية بسبب تعاطي الأدوية الأفيونية في أميركا الشمالية بحلول عام 2029. ومن المتوقع انتشار "ذلك الوباء" خارج أميركا الشمالية، ما سيؤدي لمزيد من الوفيات.

ويعزو مؤلفو التقرير، وهم مجموعة دولية على رأسها علماء من جامعتي ستانفورد وهارفارد، هجمة "وباء المواد الأفيونية" إلى دوافع الربح للجهات الفاعلة في صناعة الأدوية والرعاية الصحية، إلى جانب "الإخفاقات التنظيمية الكارثية من إدارة الغذاء والدواء الأميركية".

وانتقدت اللجنة التي أجرت هذه الدراسة الشركات المصنعة، مثل "بوردو فارما" و"جونسون أند جونسون"، لتسويقها "العدواني والمضلل" للأدوية الأفيونية التي تقوم بصناعتها. وتم إدانة العديد من الشركات المصنعة جنائياً للكذب حول مدى خطورة هذه الأدوية. 

إخفاقات

كما أدانت اللجنة ما وصفته بـ"الإخفاقات" في "إدارة الغذاء والدواء" والتي كانت "شديدة المرونة عند التعامل مع الشركات المصنعة للمواد الأفيونية، بما في ذلك حملة التسويق لشركة بوردو فارما التي أشارت إلى أن مادة أوكسكونتين كانت أقل إدماناً من مسكنات الألم الأخرى وهي كذبة صريحة".

وقالت اللجنة إن هناك أيضاً إخفاقات من قبل شركات التوزيع، التي أفرطت في شحن المواد الأفيونية، وعدم انتقاد المجتمع الطبي بما فيه الكفاية، وفي بعض الحالات استخدام الرشوة، لكتابة المسكنات الأفيونية بشكل غير قانوني.

وأشارت اللجنة إلى أن "فشل في التعليم"، يتمثل في عدم إعطاء طلاب الطب والتمريض وطب الأسنان التدريب الكافي حول الإدمان. 

ولفتت اللجنة إلى وجود "إخفاقات سياسية" ناجمة عن تدفق الكثير من الأموال "، وقد تأثر المشرعون وصنّاع السياسات أحياناً بالأشخاص الخطأ، واستمعوا إلى جماعات الضغط عندما كان ينبغي عليهم الاستماع إلى الأدلة".

العام الأسوأ

وشكّل عام 2020 "العام الأسوأ على الإطلاق" في انتشار التعاطي غير القانوني للأدوية الأفيونية في أميركا الشمالية. كما كان العام الأسوأ أيضاً في أعداد الوفيات، بعد أن زادت في الولايات المتحدة بنسبة 37٪ وفي كندا بنسبة 67٪.

وتعتبر المواد الأفيونية فئة مهمة من مسكنات الألم، الموصوفة تاريخياً بشكل رئيسي في الجراحة والرعاية التلطيفية ورعاية مرضى السرطان، ولكنها موصوفة الآن للعديد من الحالات قصيرة الأمد والمزمنة، التي تتراوح من آلام أسفل الظهر إلى الصداع إلى التواء الكاحل.

ودون إشراف مناسب أو طرق بديلة لتخفيف الآلام، أصبح ملايين الأشخاص مدمنين على المواد الأفيونية الموصوفة طبياً، وفيما بعد على مواد أفيونية أخرى غير مشروعة ومُصنّعة، مثل الهيروين والفنتانيل، مما أدى إلى مئات الآلاف من الجرعات الزائدة المميتة.

كسر حلقة الإدمان

ويدعو الباحثون إلى اتخاذ إجراءات جريئة وقائمة على الأدلة لكسر حلقة الإدمان، والحد من الوباء الحالي، وإرساء الأساس للسياسات الصحية المستقبلية التي يمكنها إنهاء وباء المواد الأفيونية، ومنع أوبئة الإدمان في المستقبل.

ومن دون سياسات الصحة العامة، القائمة على الأدلة التي تعالج الإدمان على المخدرات كحالة مزمنة وتعطي الأولوية للوقاية، من المتوقع أن يزداد عدد الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية في أميركا الشمالية بشكل كبير، مما يضيف 1.2 مليون حالة وفاة بسبب الجرعات الزائدة بحلول نهاية هذا العقد، إلى ما يقرب من 6 مليون حالة وفاة حدثت بالفعل منذ عام 1999. 

وبدأت أزمة المواد الأفيونية في التسعينيات، عندما فشل صانعو السياسات وأنظمة الرعاية الصحية في إيقاف الدفع القوي لصناعة الأدوية لزيادة وصف الأدوية الأفيونية.

وازدادت الأزمة سوءً خلال العقد الماضي، إذ أصبحت المخدرات غير المشروعة مثل الهيروين والفنتانيل متاحة على نطاق واسع.

وكان عام 2020 هو الأكثر مأساوية حتى الآن بالنسبة لوفيات المواد الأفيونية في أميركا الشمالية، إذ بلغ مجموع الوفيات أكثر من 76000 شخص.

ويقول الباحثون إن جائحة كورونا أدت إلى تفاقم "وباء المواد الأفيونية"، من خلال الحد من الوصول إلى خدمات علاج اضطراب استخدام المواد الأفيونية، وخلق ضغوط مثل البطالة والإعاقة وفقدان الأحباء، التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة تعاطي المخدرات والإدمان.

ويعتقد الخبراء أن الارتفاع السريع كان مدفوعاً بتعاطي مادة "الفنتانيل" الأفيونية الاصطناعية، والتي يُعتقد أنها أقوى بكثير من الهيروين والمورفين.

توصيات

وللمساعدة في مكافحة وباء المواد الأفيونية، يقدم مؤلفو التقرير الجديد توصيات لـ"الاستجابة لأزمة المواد الأفيونية في أميركا الشمالية وخارجها"، في مجالات السياسة العامة وإصلاح صناعة الدواء، والابتكارات في إدارة الألم وطرق وصف الأدوية.

وتقول اللجنة إن وباء المواد الأفيونية يمثل أزمة صحية عامة تطورت على مدى عقود، وقد يستغرق الأمر الكثير من الوقت للتغلب عليه. 

ويشير التقرير إلى أنه لإنقاذ الأرواح وتقليل المعاناة على الفور، هناك حاجة ماسة إلى استراتيجية متماسكة طويلة الأجل للصحة العامة، يمكنها تقييد التأثير القوي لصناعة المستحضرات الصيدلانية على أنظمة الرعاية الصحية، والتغلب عليه في نهاية المطاف. 

وتحتاج أنظمة الرعاية الصحية أيضاً، إلى تكثيف جهودها بشكل كبير لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من الإدمان.

وتتركز الجرعات الزائدة القاتلة من المواد الأفيونية بين الرجال وبين الشباب في منتصف العمر.

وفي عام 2020، كان معدل الوفيات عند الرجال أعلى بمقدار 2.5 مرة من النساء، وهو ما يمثل 71٪ من الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة، و75٪ من الوفيات (3.2 مرات أعلى من النساء) في كندا.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، حدثت 87٪ من الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية في الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و59 عاماً، وكانت هذه الفئة العمرية نفسها مسؤولة عن 89٪ من الوفيات في كندا في عام 2020.

ويضيف التقرير أن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين اللوائح المتعلقة بممارسات وصف الأدوية الأفيونية المفرطة، ولجعل مراقبة الأدوية بعد الموافقة وتخفيف المخاطر من مهام الحكومة.

النفوذ السياسي

ولتقليل النفوذ السياسي الساحق في كثير من الأحيان للصناعة، فإنه يوصي أيضاً بفضح مجموعات تمويل الصناعة، وإعادة القيود المفروضة على تبرعات الشركات للحملات السياسية.

ويوضح التحليل الوارد في التقرير كيف أدى الافتقار إلى التنظيم الفعال ودافع الربح غير الخاضع للرقابة إلى انتشار وباء المواد الأفيونية.

ولضمان وجود إجراءات وقائية للحد من وباء إدمان المواد الأفيونية ومنعه مستقبلاً، يرى رئيس اللجنة البروفيسور "هوارد كوه" من جامعة هارفارد، أنه "يجب علينا إنهاء التأثير غير المبرر لصناعة الأدوية والرعاية الصحية على الحكومة ودفعها غير المنظم لاستخدام المواد الأفيونية. وهذا يشمل عزل المجتمع الطبي عن تأثير شركات الأدوية وإغلاق الباب الدائر باستمرار بين المنظمين والصناعة".

وحذر مؤلفو الدراسة من أن وباء المواد الأفيونية سوف ينتشر عالمياً دون تنفيذ توصياتهم، مؤكدين ضرورة أن تمنع السلطات التنظيمية "منتجي الأدوية من تصدير ممارسات الترويج العدوانية للمواد الأفيونية إلى الخارج، مثلما فعلت صناعة التبغ عندما خضعت لتنظيم أكثر صرامة في الولايات المتحدة الأميركية".

وشهدت العديد من البلدان خارج أميركا الشمالية زيادات حادة في وصف الأدوية الأفيونية، بما في ذلك هولندا وأيسلندا وإنجلترا والبرازيل وأستراليا. على سبيل المثال، بين عامي 2009 و2015، زادت وصفات الأدوية الأفيونية في البرازيل بنسبة 465٪. 

وتدعو المفوضية الدول ذات الدخل المرتفع، حيث يوجد مصنعو المواد الأفيونية، إلى توسيع القيود والعقوبات القانونية لتشمل العمليات العالمية. وتوصي اللجنة منظمة الصحة العالمية والدول المانحة بتوفير المورفين المجاني العام للتسكين لصالح المستشفيات ودور العجزة في البلدان منخفضة الدخل.

نقص الخدمات

ويقول التقرير إن هناك نقصاً في خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية عالية الجودة و"غير الموصومة بالعار" المتاحة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب استخدام المواد الأفيونية. لذلك، توصي اللجنة بشدة بأن تصبح الخدمات المتعلقة بالإدمان سمة دائمة لأنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية في جميع البلدان.

وتقترح اللجنة حلولاً للعمل مع سلطات إنفاذ القانون والحكومات، لتعظيم الفائدة التي يمكن أن يحققها نظام العدالة الجنائية، مع تقليل الضرر الذي يمكن أن يلحق بالمدمن.

وتشمل التوصيات توفير علاج الإدمان والخدمات الصحية الأخرى أثناء السجن، والتخلي عن السجن لحيازة المواد الأفيونية غير المشروعة للاستخدام الشخصي، وإنهاء العقوبة على استخدام المواد الأفيونية أثناء الحمل.

ووفق التقرير لا ينبغي النظر إلى المواد الأفيونية على أنها جيدة أو سيئة، بل يجب اعتبارها فئة من الأدوية الأساسية للتحكم في الألم، كما يضيف أنه "يمكن كسر دائرة اضطرابات تعاطي المخدرات من خلال الاستثمار في التعليم والدعم المجتمعي للأطفال منذ الصغر". 

ويقترح المفوضون تطوير برامج شاملة للشباب تقترن بمبادرات تهدف إلى تعزيز الصحة والرفاهية بدءً من الأطفال الصغار، لتقليل مخاطر الإدمان في وقت لاحق من الحياة، على أن يكون منع الإدمان على المخدرات جزءً من استراتيجية شاملة للصحة العامة، تبدأ في مرحلة الطفولة وتضع الأساس لانخفاضات طويلة الأجل في الإدمان.

تصنيفات