دراسة: نصف الذين يُعانون الاكتئاب لا يتلقون العلاج

القلق والاكتئاب أحد علامات اضطرابات الإحكام أو التكيف - Getty
القلق والاكتئاب أحد علامات اضطرابات الإحكام أو التكيف - Getty
القاهرة -محمد منصور

يفشل العالم في معالجة أزمة الاكتئاب العالمية المستمرة والمتزايدة الخطورة، فرغم كون الاكتئاب السبب الأول للمعاناة النفسية عالمياً، إلا أن عدداً قليلاً من الحكومات والمجتمعات والعاملين في المجال الصحي يفهمونه.

ودعت دراسة نشرت في مجلة "لانسيت" الطبية الثلاثاء، شارك في تأليفها لجنة من 25 خبيراً من 11 دولة تغطي تخصصات من علم الأعصاب إلى الصحة العالمية، إلى استجابة المجتمع بأسره للحد من العبء العالمي للاكتئاب. 

وقالت الدراسة، إن عدد البالغين الذين يُصابون بالاكتئاب كل عام يقدر بنحو 5٪ من البالغين في جميع أنحاء العالم؛ ومع ذلك لا تزال تلك الأزمة الصحية مهملة. وحذرت من أن الفهم السيئ لهذه الحالة ونقص الموارد النفسية والاجتماعية على الوقاية والتشخيص والعلاج والازدهار الاقتصادي للدول. 

وحدد الخبراء مجموعة من التوصيات الطموحة لمعالجة أوجه عدم المساواة والإهمال الواسع النطاق في التشخيص والعلاج والوقاية، بما في ذلك إعطاء الأولوية لنهج مرحلي مبتكر للرعاية والتدخل المبكر، وتقديم رعاية تعاونية في الأماكن محدودة الموارد وغيرها. 

ودعا الخبراء إلى اتباع نهج شامل للمجتمع بأكمله للوقاية من الاكتئاب لتحقيق فوائد مماثلة لتلك الموجودة في مجالات أخرى مثل أمراض القلب والسرطان، مما يضمن السعي الشامل لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. 

 لا تشخيص أو علاج

وقالت دراسة "لانسيت" إنه في البلدان المرتفعة الدخل، لا يتم تشخيص أو علاج حوالي نصف الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، وترتفع هذه النسبة إلى 80-90٪ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.  

وخلقت جائحة كورونا تحديات إضافية، مع العزلة الاجتماعية ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية، ما أدى إلى خسائر فادحة في الصحة العقلية للملايين. 

ودعت اللجنة إلى بذل جهود متضافرة وتعاونية من قبل الحكومات ومقدمي الرعاية الصحية والباحثين والأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب وأسرهم لتحسين الرعاية والوقاية، وسد الفجوات المعرفية، وزيادة الوعي لمعالجة أحد الأسباب الرئيسية للمعاناة التي يمكن تجنبها والوفاة المبكرة في جميع أنحاء العالم.  

أزمة عالمية 

واعتبرت الدراسة أن الاكتئاب أزمة صحية عالمية تتطلب استجابات على مستويات متعددة، وقدمت اللجنة فرصة مهمة للعمل الموحد لتحويل مناهج رعاية الصحة النفسية والوقاية على الصعيد العالمي.  

وقالت رئيسة اللجنة التي وضعت التقرير "هيلين هيرمان" إن الاستثمار في الحد من عبء الاكتئاب سيمنح الملايين من الناس فرصة ليصبحوا أعضاء أكثر صحة وسعادة وإنتاجية في المجتمع. 

ويقول المؤلف المشارك الدكتور "تشارلز رينولدز" من جامعة بيتسبرج بالولايات المتحدة الأميركية إنه يمكن منع الاكتئاب وعلاجه وتجنب عواقبه المحتملة عبر تمكين الأشخاص ذوي الخبرة بالاكتئاب جنباً إلى جنب مع العائلات والممارسين وصانعي السياسات والمجتمع المدني للتصدي لتلك الكارثة من الاحتياجات غير الملباة من خلال مشاركة خبراتهم للحد من وصمة العار، ودعم الآخرين بمعلومات حول الحالة وإمكانيات المساعدة، والدعوة إلى المزيد من الموارد. 

أساطير تحيط بالاكتئاب

وقالت الدراسة إنه رغم كون الاكتئاب حالة شائعة في جميع أنحاء العالم، إلا أنه لا يزال محاطاً بالعديد من الأساطير، وهو ما يساهم في "التراخي" في علاج المشكلة.  

وتشمل هذه المفاهيم الخاطئة الشائعة بأن الاكتئاب مجرد حزن أو علامة ضعف أو يقتصر على مجموعات ثقافية معينة.  

وشدد أعضاء اللجنة على أن الاكتئاب حالة صحية خاصة تتصف باستمراريتها وتأثيرها الكبير على الأداء اليومي كما أن لها عواقب صحية طويلة المدى.  

ويمكن أن يؤثر الاكتئاب على أي شخص، بغض النظر عن الجنس أو الخلفية أو الطبقة الاجتماعية أو العمر، ويزداد خطر الإصابة بالاكتئاب في ظروف الشدائد بما في ذلك الفقر والعنف والنزوح والجنس والعرق وأشكال أخرى من التمييز. 

أمراض بدنية وخطر الانتحار

ويرتبط الاكتئاب بمجموعة متنوعة من الأمراض الجسدية المزمنة، ويمكن أن تؤثر الصحة البدنية للفرد على صحته العقلية، والعكس صحيح.  

وفي أسوأ حالاته، يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى الانتحار. وتشير الدراسات إلى أن 70٪ -80٪ ​​من الأشخاص الذين يموتون بالانتحار في البلدان المرتفعة الدخل، وحوالي نصف أولئك في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، يعانون من أمراض عقلية لكن الاكتئاب هو السبب الأكثر شيوعاً.  

كما أن للاكتئاب خسائر اجتماعية واقتصادية هائلة وغير معترف بها على الأفراد والأسر والمجتمعات والبلدان.  

فحتى قبل انتشار جائحة كورونا المستجد كانت خسارة الإنتاجية الاقتصادية المرتبطة بالاكتئاب تكلف الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 1 تريليون دولار أمريكي سنوياً. 

"يمكن القول إنه لا توجد حالة صحية أخرى شائعة أو مرهقة أو عالمية أو يمكن علاجها مثل الاكتئاب، ومع ذلك لا تحظى إلا بالقليل من الاهتمام والموارد السياسية" كما يقول الأستاذ المشارك كريستيان كيلينج من الجامعة الفيدرالية في ريو جراندي دو سول في البرازيل.  

الوقاية العنصر الأكثر إهمالاً

وشددت اللجنة على الحاجة إلى استراتيجيات المجتمع الكلية والتي تقلل من التعرض لكل من التجارب السلبية في الطفولة (بما في ذلك الإهمال والصدمات) وعبر العمر لتقليل انتشار الاكتئاب.  

وهناك حاجة أيضاً إلى التدخلات على المستوى الفردي، مع التركيز على عوامل نمط الحياة (على سبيل المثال التدخين واستهلاك الكحول وقلة النشاط البدني) وعوامل الخطر الأخرى مثل عنف الشريك الحميم وأحداث الحياة المجهدة مثل الفجيعة أو الأزمة المالية. 

وتعد الوقاية هي الجانب الأكثر إهمالًا من جوانب الاكتئاب. يقول المؤلف المشارك الدكتور "لاكشمي فيجاياكومار" من مركز الوقاية من الانتحار والخدمات الصحية التطوعية بالهند، إن هذا يرجع جزئياً إلى أن معظم التدخلات تتم خارج القطاع الصحي مشيراً إلى أنه في مواجهة الآثار طويلة المدى لاكتئاب المراهقين، بدءاً من الصعوبات الدراسية والعلاقات المستقبلية إلى مخاطر تعاطي المخدرات وإيذاء النفس والانتحار، فإن الاستثمار في الوقاية من الاكتئاب يعد "ذا قيمة ممتازة مقابل المال".  

وتقول اللجنة إن دعم الأبوين والحد من العنف في الأسرة، والتنمر في المدرسة، وكذلك تعزيز الصحة العقلية في العمل ومعالجة الشعور بالوحدة لدى كبار السن يمكن أن يحد من مستويات الاكتئاب. 

تصنيف مفرط التبسيط

وشدد الباحثون على أن النظام الحالي لتصنيف الأشخاص الذين يعانون من أعراض الاكتئاب إلى فئتين فقط - إما لديهم اكتئاب إكلينيكي أم لا - هو نظام مفرط التبسيط. ويجادلون بأن الاكتئاب حالة معقدة مع مجموعة متنوعة من العلامات والأعراض. 

وتدعم اللجنة نهجاً شخصياً مرحلياً لرعاية الاكتئاب يعتمد على تحديد التسلسل الزمني وشدة الأعراض ويوصي بالتدخلات المصممة وفقًا للاحتياجات المحددة للفرد وشدة الحالة، بدءاً من المساعدة الذاتية وتغيير نمط الحياة إلى العلاجات النفسية ومضادات الاكتئاب إلى علاجات أكثر كثافة وتخصصاً مثل العلاج بالصدمات الكهربائية لأشكال المرض الشديدة المقاومة للعلاجات الأخرى. 

ودعت اللجنة إلى مزيد من الاستثمار لضمان حصول الناس على الرعاية التي يحتاجون إليها أينما ومتى يحتاجون إليها، وأكدت أهمية الإجراءات الحكومية بأكملها للحد من الآثار الضارة للفقر وعدم المساواة بين الجنسين وغير ذلك من أشكال عدم المساواة الاجتماعية على الصحة العقلية.