يتسائل الكثيرون حول العالم، ما إذا كانت نهاية جائحة كورونا باتت وشيكة أم أصبح الفيروس التاجي مستوطناً ويجب التأقلم معه، أم ستكون قنبلة موقوتة كأمراض مثل الملاريا والسل على نطاق واسع، فيما جاءت آراء العلماء متضاربة حول كل ذلك.
ومنذ إعلان منظمة الصحة العالمية، ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا في الصين نهاية ديسمبر 2019، توفي أكثر من 5.9 مليون شخص جراء الفيروس، وفق بيانات وكالة "فرانس برس"، في حين تأكدت إصابة أكثر من 433 مليون شخص حتى الثلاثاء.
هل انتهت الجائحة؟
أعلن الباحث الأميركي كريستوفر موراي المنتسب إلى الصحة العالمية في مجلة "ذي لانست" خلال يناير الماضي، أن "كوفيد-19 سيستمر في التفشي لكن نهاية الوباء قريبة".
واستشهد موراي بالحالة الذهنية للسلطات الصحية في العديد من البلدان بداية العام 2022، بعد عامين من تصنيف منظمة الصحة العالمية رسمياً لكوفيد بالجائحة.
ففي أوروبا، رفعت دول مثل الدنمارك وبريطانيا معظم القيود من الوضع الإلزامي للكمامات وفرض الحجر على المصابين وتقديم الشهادة الصحية.
وأشار موراي إلى أن الفكرة تكمن في القدرة على "التعايش مع" فيروس كورونا، لأنه بات أقل فتكاً مما كان عليه في بداياته بفضل فعالية اللقاحات وظهور المتحور أوميكرون الأقل خطورة من سابقاته.
وفي المقابل، خلال الأشهر الماضية قالت منظمة الصحة العالمية، إن نهاية الجائحة أو على الأقل نهاية "مرحلتها الخطيرة"، قد تكون ممكنة في منتصف العام الحالي.
"قد يظل قاتلاً ومنتشراً"
وفي إطار منفصل، أفاد عالم الفيروسات أريس كاتزوراكيس في نهاية يناير الماضي، عبر مقال نشرته مجلة "نايتشر"، بأن هناك مصطلحاً ظهر أخيراً في الخطاب العام، وهو الانتقال إلى "مرحلة يستمر فيها الانتشار مع بقاء عدد الحالات مستقراً إلى حد ما"، مؤكداً أنه سيتسبب في "استرخاء مفرط".
وأشار كاتزوراكيس إلى أن الفكرة لا تزال غامضة ويخشى بعض العلماء من أن تستخدم لتبرير استرخاء مفرط، مستشهداً بالملاريا والسل، قائلاً: "يمكن أن يكون المرض متوطناً ويظل قاتلاً ومنتشراً على نطاق واسع".
أي سيناريوهات؟
طرح علماء الأوبئة ثلاثة أو أربعة سيناريوهات على الأقل، في ما يتعلق بالجدل حول الطابع "الوبائي" أو "المتوطن" لنسخة 2022 من كورونا، حيث وضع المجلس العلمي البريطاني في فبراير 4 سيناريوهات للسنوات المقبلة.
يتوقع السيناريو الأكثر تفاؤلاً بؤراً محلية صغيرة تكون أكثر انتشاراً من الأنفلونزا الموسمية، أما الأسوأ فيتحدث عن موجات قاتلة بشكل خاص ما يتطلب إعادة فرض قيود.
وتعتمد هذه المجموعة من السيناريوهات بشكل أساسي على عنصرين غير مؤكدين: ظهور متحورات جديدة خطيرة إلى حد ما، وقدرة اللقاحات على توفير حماية طويلة الأمد ضد المرض.
وتفسر مسألة المتحورات مخاوف علماء الأوبئة من "التعايش معه" ويوصون بمحاولة تجنب انتشار الفيروس قدر الإمكان، حتى لو كانت استراتيجية "صفر كوفيد" تبدو غير واقعية إلى حد كبير نظراً للعدوى الكبيرة لـ"أوميكرون".
وأشاروا إلى أن الانتشار الواسع يعطي الفيروس فرصة أكبر للتحول إلى متحورات جديدة، بدون التمكن من توقع مدى خطورتها.
ويقول كاتزوراكيس: "كثيراً ما نسمع فكرة متداولة خاطئة أن الفيروسات تصبح أقل خطورة مع مرور الوقت". وتابع "الأمر ليس كذلك: لا شيء يدفع الفيروس إلى التطور على هذا النحو".
فاعلية اللقاحات
هناك تساؤلات عدة حول ما إذ ساهمت اللقاحات المضادة لكورونا إلى حد كبير في جعل موجات الأوبئة أقل خطورة؟ وهل ستحتفظ بهذه الفاعلية؟
يبدو ظهور "أوميكرون" كأنه تحذير واختبار. المتحور تفلت جزئياً من اللقاحات الموجودة والتي ليست شديدة الفعالية لمنع العدوى. من المسلم به وهذا أمر ضروري، أنها لا تزال تمنع الأشكال الخطيرة من الوباء لكن فقدان الفاعلية يلقي بظلال من الشك على استراتيجية التطعيم المستقبلية.
ففي المقابل، يقترح علماء مضاعفة الجرعات المعززة بانتظام بعد اللقاحات الأولية، حيث أصبحت "الجرعة الثالثة" التي أظهرت أهميتها لتعزيز فاعلية اللقاحات، منتشرة في العديد من البلدان، فيما لم يتم التوصية بالجرعة "الرابعة" إلا في بلدان قليلة مثل السويد، ويشك العديد من الخبراء في الجرعات المعززة المتكررة اذ يرون أنها استراتيجية قصيرة النظر.
فكان من المنتظر أن تكون تقنية الحمض الريبي المرسال المبتكرة والتي تقف وراء تطوير أول لقاح ضد كورونا من "فايزر-بايونتيك" و"موديرنا"، المرونة والتكيف بشكل سريع والقضاء على المتحورات.
لكن في الواقع، لم يخرج أي شيء من المختبرات، فيما موجات أوميكرون منتشرة بقوة. النتائج الأولى، أولية للغاية لأنها تمت على الحيوانات ولم تتم مراجعتها بشكل مستقل، ولا تشير إلى أن هذه اللقاحات المحدثة أكثر فاعلية من سابقاتها.
مسار واعد
رغم ذلك، لا يزال هناك مسار واعد يعتمد على تطوير لقاحات مقاومة لظهور متحورات جديدة أو حتى قادرة على الحماية من فيروسات أخرى غير تلك التي تقف وراء كوفيد.
واعلن أنتوني فاوتشي المستشار الرئيسي للبيت الأبيض لمكافحة الوباء: "علينا الآن إعطاء الأولوية لتطوير لقاحات ذات حماية واسعة جداً" حسب ما رأى العديد من الباحثين في "New England Journal of Medicine".
ومع ذلك، فإن مثل هذه اللقاحات تواجه تحديات علمية كبيرة والمشاريع الأولى بدأت للتو تجاربها السريرية. في الأثناء، يصر علماء الأوبئة على الحاجة الملحة لتقاسم الجرعات الحالية مع البلدان التي لا يزال فيها التطعيم غير متقدم لتجنب تفشي الأوبئة الجديدة في العالم.
اقرأ أيضاً: