قال عضو اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا في وزارة الصحة اللبنانية، عبدالرحمن البزري، لـ"الشرق"، إن لبنان فقد السيطرة على تفشي فيروس كورونا، مضيفاً أنه "لا توجد أماكن شاغرة للمصابين، في غرف العناية المركزة".
ويدخل لبنان يومه الثالث من الإغلاق العام، وسط مخاوف من انهيار النظام الصحي، في ظل الارتفاع القياسي لأعداد الإصابات بكورونا، وتراجع القدرة الاستيعابية للمستشفيات.
وسجل لبنان الجمعة، أكثر من 5400 إصابة هي الأعلى منذ تفشي الفيروس قبل نحو عام.
ويحذر مسؤولون لبنانيون من سيناريو مشابه لما حدث في إيطاليا خلال الأسابيع الأولى لتفشي الوباء عالمياً، خصوصاً أن الالتزام بقرار الإغلاق وتدابيره ليس كما يجب.
وكانت وزيرة العمل اللبنانية لميا يمين، أعلنت في وقت سابق السبت، إصابتها بكورونا، داعية الجميع إلى التقيد بالإجراءات الوقائية.
وقالت الوزيرة في حكومة تصريف الأعمال عبر حسابها على "تويتر" إنها خضعت لفحص فيروس كورونا وجاءت "النتيجة إيجابية".
ومنذ أيام يسجل لبنان إصابات بكورونا تتخطى حاجز الـ4 آلاف يومياً، وعلى الرغم من الإقفال العام الذي فرضته الحكومة، الخميس الماضي ويستمر حتى الأول من فبراير، فإن أعداد الإصابات في تصاعد مستمر.
ووفقاً لموقع (Our World in Data)، يحتل لبنان المرتبة العاشرة عالمياً بعدد الإصابات المثبتة يومياً لكل مليون نسمة.
وبحسب إحصاءات حديثة نشرتها وزارة الصحة اللبنانية، بلغ إجمالي عدد المصابين بكورونا في لبنان نحو 210 آلاف و139 إصابة، بينما وصل مجموع الوفيات إلى 1570 وفاة.
وتزداد التحذيرات من عجز المستشفيات الخاصة والحكومية، التي تعاني تداعيات الأزمة المالية التي تضرب لبنان، على استيعاب إصابات جديدة.
وكان وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، حمد حسن، أعلن الشهر الماضي تسجيل أول إصابة بسلالة كورونا الجديدة في لبنان من خلال مسافر قادم عبر رحلة جوية من لندن.
"فقدان السيطرة"
وفي حديث لـ"الشرق" وصف رئيس قسم العناية الفائقة وأمراض الرئة في مستشفى رفيق الحريري، محمود حسون، الوضع الصحي في لبنان بـ"الكارثي".
وقال إن المستشفيات استخدمت أكثر من 95% من الأسرة المتوفرة لديها، وهذا يدعو للقلق، لأن العديد من المرضى لم تستدعِ حالتهم الدخول إلى المستشفى، بحسب حسون.
وأضاف: "نتوقع خلال 10 أيام كحد أقصى، أن يحتاج عدد كبير من المرضى إلى العناية الفائقة أو الرعاية الصحية العادية، وهذا سيُفاقم الأزمة في المستشفيات، ما ينذر بمضاعفة أعداد الوفيات. وفي ضوء ذلك من المرجح أننا مقبلون على وضع مماثل لإيطاليا في بداية ظهور الوباء".
وقال مصدر في وزارة الصحة اللبنانية لـ"الشرق" إن لبنان فقد السيطرة على انتشار الوباء، لافتاً إلى أن عدداً من المستشفيات، منها "البوار" و"سان جورج" و"جبيل"، يعملون على معالجة مصابي كورونا داخل سياراتهم في مواقف السيارات، و أن هناك 10 أشخاص توفوا داخل منازلهم هذا الأسبوع لعدم وجود أسرة شاغرة.
وأضاف المصدر نفسه أن نحو "525 حالة حرجة موجودة داخل المستشفيات في العناية الفائقة، وبذلك لا توجد أمكنة شاغرة، و أن هناك 35 حالة أخرى موجودة في غرف العناية العادية، ولكنها تحتاج إلى العناية الفائقة غير المتوفرة".
الإغلاق العام
وفي ظل مخاوف انهيار النظام الصحي في لبنان، تزداد الدعوات إلى أهمية التزام المجتمع بقرار الإغلاق العام الذي يشهد منذ بدايته الخميس الماضي، خروقات كبيرة، بلغت نحو 3916 مخالفة في غضون يومين فقط، بحسب قوى الأمن الداخلي.
ونشرت قناة "إل بي سي" اللبنانية مقطع فيديو يُظهر تجمع أعداد من السكان على أحد شواطئ قضاء جبيل (شمال)، وفي حين يكتب أحد عناصر الأمن محاضر بحق المخالفين، الذين لم يبدوا اهتماماً أو دراية بقرار التعبئة العام "الإغلاق" الذي أعلنته السلطات منذ أيام.
من جهته، ناشد مدير العناية الطبية في وزارة الصحة اللبنانية، الدكتور جوزيف الحلو، اللبنانيين بالالتزام بتدابير مواجهة كورونا، وقال في فيديو انتشر عبر مواقع التواصل إن الناس يتصلون به لتأمين أسرّة لأقاربهم في المستشفيات.
وانتقد الحلو بشدة خروج البعض للاحتفال برأس السنة، ما أدى إلى انتشار العدوى وارتفاع أعداد الإصابات في زيادة غير مسبوقة منذ بدء تفشي الفيروس نتيجة الاختلاط والتجمعات، ووصف ذلك بـ"الجريمة، والخيانة العظمى" مضيفاً: "هناك سيدة قالت إنها لا تريد الموت أمام أطفالها".
ولم يقتصر سلوك عدم الالتزام بالتدابير الوقائية على الناس العاديين فحسب، إذ تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة تجمع وزيري الصحة والاقتصاد وعدد من المسؤولين، يتناولون الغداء على مائدة واحدة، من دون الأخذ بعين الاعتبار إجراءات التباعد الاجتماعي، وانتقد مغردون ووسائل إعلام ذلك المشهد باعتباره لا يعكس حِساً عالياً بالمسؤولية لدى صناع القرار.
تحذير للمستشفيات
واعتبر رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، أن ارتفاع وضع لبنان الوبائي يُحتّم الإعلان عن حالة طوارئ صحيّة، وقال لـ"الشرق" إن المستشفيات الخاصة الـ67 التي تخلفت عن فتح أقسام خاصة بمرضى كورونا لم تتخذ قرارها بعد، في انتظار تلقيها باقي مستحقاتها من الوزارة، والمقدّرة بـ 555 مليار ليرة عن سنة 2020.
وأكد عراجي أن وزير الصحة، حمد حسن سيرسل إنذاراً إلى تلك المستشفيات بخفض تصنيفها في حال لم تستجب لطلبها وتفتح أقساماً لكورونا، مشيراً إلى أن "الأولوية حالياً هي إقفال لبنان بشكل تام ومنع التجول بشكل نهائي لوقف تفشي الجائحة، وكذلك إعطاء أموال للناس الفقراء كي يتمكنوا من العيش في فترة الإقفال".
وأضاف أن عدداً كبيراً من الكادر الطبي اللبناني أصيب بالفيروس، "في حين توفي نحو 12طبيباً، وأصيب أكثر من 50% من أطباء البقاع الأوسط بالفيروس".
الحصول على اللقاحات
وكان لبنان، وقع عقداً مع شركة "فايزر" في سبتمبر الماضي، لشراء 1.6 مليون جرعة من لقاحها المضاد لكورونا، وذلك مقابل 18 مليون دولار.
وذكرت مصادر لبنانية لـ"الشرق" نهاية ديسمبر الماضي أن الحكومة ستوقع اتفاقاً آخر مع "فايزر" للحصول على 2.2 جرعة، على أن تشمل الصفقة منح لبنان 600 ألف جرعة مجانية، من بين العدد الكلي للجرعات.
ومن المتوقع أن يبدأ وصول شحنات اللقاح إلى لبنان، منتصف فبراير المقبل، وفق تصريحات سابقة لوزير الصحة، على أن تجرى عملية النقل على 3 دفعات، بحيث توزع اللقاحات في البداية على الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحي، الذين يشكّلون نحو 170 ألف شخص.
وأشار وزير الصحة اللبناني حمد حسن إلى وجود ضوابط يجب الالتزام بها في موضوع تأمين اللقاح، وقال: "نحن لم نقفل الباب أمام الشركات الأخرى، واليوم أمامي 3 معاملات لشركات لقاحات مختلفة، فنحن لا نترك أي وسيلة لتأمين لقاح يحقق الفعالية. فالمشكلة اليوم ليست بتأمين اللقاح وإنما بالأعداد القياسية التي تُسجل نتيجة الأعياد".
ورأى حسن أن "المشكلة الملحة تتمثل في الحاجة إلى توفير أسرة عناية فائقة في المستشفيات.
دعم 250 ألف عائلة
وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة، رمزي مشرفية، أن الحكومة اللبنانية سوف تستكمل مساعدات المواطنين المتضريين من التداعيات الاقتصادية لتفشي كورونا، وذلك عبر حزمة دعم تشمل دفع مبلغ 400 ألف ليرة لبنانية لكل عائلة بشكل شهري، بحيث يبلغ العدد الإجمالي للمستفيدين 250 ألف عائلة لبنانية.
وقال مشرفية إن "التزايد الحاصل في أعداد الإصابات اليومية يعود لسببين، الأول هو الاختلاط الكبير خلال فترة الأعياد الأخيرة، والتي كانت الحصّة الكبرى منه في المنازل والأماكن الخاصّة، عدا بعض الفنادق والأماكن العامّة. أما السبب الثاني، فيتمثل في الارتفاع الكبير في عدد اختبارات الفيروس، والتي تبلغ نحو 29 ألف فحص يومياً".