"بروتينات الساعة البيولوجية".. علاج محتمل لسرطان الدماغ

مريضة بالسرطان تخضع للعلاج الإشعاعي في مركز الأورام بمستشفى "ماتر دي" في مالطا- 3 يونيو 2020 - REUTERS
مريضة بالسرطان تخضع للعلاج الإشعاعي في مركز الأورام بمستشفى "ماتر دي" في مالطا- 3 يونيو 2020 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

تضبط "الساعة البيولوجية" توقيت الكائن الحي الذاتي وتُنظم عملياته الحيوية وتُحدد أوقات عمل الخلايا وإفراز الهرمونات بدقة، وتساهم في مجموعة من أهم الآليات الجينية والجزيئية في جسم الكائن الحي.

وتتحكم في هذه الساعة بروتينات، في ذبابة الفاكهة على سبيل المثال -وهي كائن مثالي للدراسة بسبب دورة عمرها القصير- توجد 4 بروتينات تتحكم في إيقاع تلك الساعة. حين يضطرب ذلك الإيقاع؛ قد يُصاب الكائن الحي بالعديد من الأمراض القاتلة.

لكن؛ هل يُمكن أن تكون هناك وظيفة أخرى لبروتينات الساعة البيولوجية لا تتعلق بضبط إيقاع التوقيت الذاتي؟

الإجابة نعم. حسب دراسة نُشرت في دورية الأكاديمية الأميركية للعلوم.

وتقول هذه الدراسة إن بروتينات الساعة البيولوجية التي تساعد في تنسيق التغييرات بوظائف الجسم على مدار اليوم، قد تلعب دوراً رئيسياً في نمو الورم الأرومي الدبقي، ومُقاومته للعلاجات الكيميائية والإشعاعية القياسية.

وأدى هذا الاكتشاف إلى اختراق محتمل، إذ تمكن الباحثون في تلك الدراسة من تحديد عقار جزيئي صغير -يُعرف باسم SHP656- يُمكنه استهداف بروتينات الساعة البيولوجية، وقد يُثبت فعالية في علاج ذلك المرض المستعصي.

الأورام الدبقية

وتُعد الأورام الأرومية الدبقية أكثر أورام المخ السرطانية شيوعاً لدى البالغين، وهي مرض عدواني للغاية، يعيش المرضى بمعدل 15 شهراً فقط بمجرد تشخيصهم.

وعلى الرغم من أكثر من عقدين من البحث بشأن أسباب وعلاج الورم الأرومي الدبقي، لم تتحسن نسبة بقاء المرضى على قيد الحياة إلا بالكاد.

وأشار أستاذ علم الأعصاب والعلوم البيولوجية بجامعة جنوب كاليفورنيا ستيف كاي، المؤلف الرئيسي لتلك الورقة العلمية إلى أن الدراسة "تُحدد دواءاً جزيئياً صغيراً قد يُصبح علاجاً جديداً لسرطان الدماغ المدمر".

وذكر كاي لـ"الشرق"، أن الجزيء "قوي للغاية ويستطيع الانتشار في الجسم لمحاربة الورم الأرومي الدبقي".

ويمكن أن تشمل الأعراض الأولى للورم الأرومي الدبقي مجموعة واسعة من الأعراض بدءًا من عدم وضوح الرؤية والصداع والغثيان إلى النوبات وتغيرات الشخصية.

ويخضع المرضى عادةً لفحص الدماغ، والذي يحدد الورم، ثم يتلقون مزيجاً من الجراحة والعلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي، في حين أن معظم الأورام تتقلص بشكل كبير بعد العلاج الأولي، إلا أن قلة من المرضى يعانون من مغفرة مستمرة.

وأوضح كاي أن ذلك "يرجع جزئياً إلى وجود مجموعة من الخلايا الجذعية السرطانية المتبقية، وبالتالي فنحن بحاجة إلى إيجاد الأدوية التي تستهدف هذه الخلايا"، ويمكن أن تتكاثر هذه الخلايا المتبقية من السرطان الأصلي، وتنتشر بسرعة كبيرة.

وبحسب البحث "تخطف" تلك الخلايا آلية الساعة البيولوجية للجسم، ما يسمح لها بالانتشار بسرعة أكبر ومقاومة آثار العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي.

الذكاء الاصطناعي يختار

واختبر كاي وزملاؤه آلاف الجزيئات القادرة على الارتباط، وربما تحييد بروتينات الساعة البيولوجية داخل الخلايا السرطانية.

واستخدموا العديد من التقنيات المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، لتحديد الجزيء الأنسب لمحاربة الورم الأرومي الدبقي.

ووضعت خوارزميات الذكاء الاصطناعي للفريق نموذجاً لكيفية ارتباط كل جزيء جديد ببروتينات الساعة، وحددت جزيئاً واعداً بشكل خاص يُطلق عليه أسم SHP656.

وكانت الخطوة التالية هي اختبار فعالية ذلك الجزيء ضد الخلايا السرطانية الفعلية، باستخدام الخلايا الجذعية للورم الأرومي الدبقي التي تم جمعها من المرضى.

وأظهر الباحثون أن SHP656 قلل من نمو الخلايا السرطانية المتبقية، لكنه لم يؤذ الخلايا الطبيعية في الجسم.

ووجد الباحثون أن الجزيء يعمل بشكل مختلف على خلايا الدماغ السليمة مقابل الخلايا السرطانية.

وأوضح كاي أن ذلك الاكتشاف "قفزة حقيقية إلى الأمام في فهمنا لكيفية تطوير الأدوية التي تستهدف بروتينات الساعة".

ويبدأ الباحثون المرحلة الأولى من التجارب السريرية لهذه الفئة من الجزيئات الجديدة، والتي يبدو أنها آمنة لدى المتطوعين الأصحاء.

ويأمل الباحثون بدء تجارب المرحلة الثانية على مرضى الورم الأرومي الدبقي في غضون عامين إلى 3 أعوام.

ترجمة للاستخدام السريري

بالإضافة إلى قدرته على علاج الورم الأرومي الدبقي، فإن SHP656 والجزيئات الأخرى التي تستهدف بروتينات الساعة تبشر بعلاج أنواع أخرى من السرطان.

ويدرس كاي وزملاؤه أيضاً فائدتها في سرطان القولون والمستقيم وسرطان الكبد وسرطان الدم النخاعي الحاد.

وسمع الكثير عن الجزيئات المحتملة لعلاج السرطان، لماذا لا يمكن ترجمة تلك الجزيئات إلى علاجات فعالة؟

في رده على تساؤل "الشرق"، أفاد كاي بأن هناك عدة أسباب "فالسرطانات تختلف اختلافاً كبيراً بين الأفراد. وتتهرب من جهاز المناعة لدينا ويطورون مقاومة للأدوية أثناء العلاج، لذا فبعض الجزيئات لا يتم ترجمتها إلى علاجات حقيقية".

وأوضح كاي أن النتائج تظهر أن نمو الخلايا الجذعية السرطانية يعتمد على الساعة البيولوجية الخلوية.

وتابع: "تستهدف عقاقيرنا الجديدة بروتينات الساعة هذه ويمكن أن تقتل الخلايا الجذعية لسرطان الورم الأرومي الدبقي في المختبر ويُمكن بالتأكيد ترجمة ذلك العمل للاستخدام السريري في المستقبل".

اقرأ أيضاً: