تقرير استخباراتي أميركي جديد: "تسرب مخبري" وراء انتشار فيروس كورونا

عامل يرتدي ملابس واقية خارج مستشفى مع استمرار تفشي فيروس كورونا في بكين. 30 نوفمبر 2022 - REUTERS
عامل يرتدي ملابس واقية خارج مستشفى مع استمرار تفشي فيروس كورونا في بكين. 30 نوفمبر 2022 - REUTERS
دبي-الشرق

رجحت وزارة الطاقة الأميركية أن جائحة كورونا نشأت عن "تسرب مخبري"، وفقاً لتقرير استخباراتي سري تم تقديمه مؤخراً إلى البيت الأبيض وأعضاء بارزين في الكونجرس.  

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن هذا "التحول في موقف وزارة الطاقة"، والذي لم يكن حاسماً في السابق، بشأن منشأ فيروس كورونا، قد تمت الإشارة إليه في "تحديث لوثيقة صدرت في 2021" من قبل مدير مكتب مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز.  

وبحسب الصحيفة، يسلط التقرير الجديد الضوء على كيفية توصل وكالات المجتمع الاستخباراتي المختلفة إلى "أحكام متباينة بشأن أصل الجائحة"، مضيفة أن وزارة الطاقة الأميركية انضمت الآن إلى المكتب الفيدرالي للتحقيقات في ترجيح أن يكون سبب انتشار الفيروس "وقوع حادث مؤسف في مختبر صيني"، فيما لا تزال 4 وكالات أخرى، إلى جانب لجنة الاستخبارات الوطنية، تُرجع انتشار الفيروس "على الأرجح إلى الانتقال الطبيعي"، ولم تحسم وكالتان موقفيهما بعد.     

معلومات استخباراتية

وتُرجع "وول ستريت جورنال" الاستنتاج الذي توصلت إليه وزارة الطاقة إلى "معلومات استخباراتية جديدة"، معتبرة أن أهمية هذا الاستنتاج تكمن في أن الوزارة لديها "خبرات علمية معتبرة"، وأنها "تشرف على شبكة من المختبرات الأميركية التي يجري بعضها بحوثاً بيولوجية متقدمة". 

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة على التقرير السري قولهم إن وزارة الطاقة أصدرت تقديرها "بثقة منخفضة".  

وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي توصل في 2021 "بثقة متوسطة" إلى استنتاج مفاده أن "وباء فيروس كورونا نتج على الأرجح من تسرب مخبري"، ولا يزال متمسكاً بهذا الرأي. 

ويوظف مكتب التحقيقات الفيدرالي كادراً من علماء الأحياء الدقيقة وعلماء المناعة وعلماء آخرين، ويحظى بدعم المركز الوطني للتحليل الجنائي البيولوجي الذي تم إنشاؤه في مختبر فورت ديتريك بولاية ميريلاند، في عام 2004 لتحليل الجمرة الخبيثة والتهديدات البيولوجية المحتملة الأخرى.  

ورفض المسؤولون الأميركيون الإدلاء بتفاصيل حول المعلومات الاستخباراتية والتحليلات الجديدة التي دفعت بوزارة الطاقة إلى تغيير موقفها، لكنهم أكدوا للصحيفة أنه "عندما تقول كل من وزارة الطاقة ومكتب التحقيقات الفيدرالي أن تسرباً مخبرياً غير متعمد هو الأرجح، فقد توصلت الوكالتان إلى هذه الاستنتاجات لأسباب مختلفة".

تجميع خاص

وذكرت الوثيقة المحدثة أن المسؤولين الاستخباراتيين "لا يزالون يقومون بتجميع أجزاء الصورة الخاصة بكيفية ظهور كورونا بعد أن لقي أكثر من مليون أميركي حتفهم في الجائحة التي بدأت قبل أكثر من 3 سنوات.  

ولا يزال مجلس الاستخبارات الوطني، الذي يجري تحليلات استراتيجية طويلة الأمد، و4 وكالات رفض المسؤولون تحديدها، يقدرون "بثقة منخفضة" أن الفيروس نجم عن "انتقال طبيعي من حيوان مصاب"، وفقا لتقرير محدث.

ولم تحسم وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ووكالة أخرى لم يذكر المسؤولون اسمها موقفيهما بين نظريتي التسرب المخبري والانتقال الطبيعي، وفقا لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن الأشخاص المطلعين على التقرير السري. 

وبالرغم من تباين التحليلات الصادرة عن الوكالات المختلفة، أكدت الوثيقة المحدثة أن هناك "إجماع" بين هذه الوكالات على أن كوفيد ـ 19 "لم يكن نتيجة برنامج أسلحة بيولوجية صيني"، بحسب المصادر ذاتها.

وقال مسؤول استخباراتي أميركي رفيع إن المجتمع الاستخباراتي أجرى هذا التحديث، والذي لم تتم الإفادة بوجوده من قبل.

وأضاف أن هذا التحديث تم في ضوء "معلومات استخباراتية جديدة، ودراسة أكثر تعمقاً للكتابات الأكاديمية والتشاور مع خبراء من خارج الحكومة".  

ضغط جمهوري

ولم يطلب الكونجرس التحديث، الذي يقل عن 5 صفحات، لكن مشرعين، خاصة من الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، "يتابعون تحقيقاتهم الخاصة بشأن أصول الوباء ويضغطون على إدارة بايدن والمجتمع الاستخباراتي للحصول على مزيد من المعلومات"، بحسب الصحيفة.  

ووفقاً لتقرير الاستخبارات الأميركية في 2021، لم ينتشر فيروس كورونا لأول مرة في مدينة ووهان بالصين قبل حلول نوفمبر 2019.  

وخضع أصل الفيروس لجدل قوي، اتسم بالحزبية في بعض الأحيان، في أوساط الأكاديميين والخبراء الاستراتيجيين والمشرعين.

وأعرب ديفيد ريلمان، عالم الأحياء الدقيقة بجامعة ستانفورد، والذي دافع عن إجراء تحقيق نزيه في بدايات جائحة كورونا، عن "ترحيبه" بما وصلت إليه نتائج التحديث.     

وقال ريلمان، الذي شارك في عدة مجالس استشارية علمية، إن "المجد لهؤلاء المستعدين للتخلي عن أفكارهم المسبقة وإعادة النظر بموضوعية بشأن ما نعرفه وما لا نعرفه عن أصول كوفيد"، مضيفاً أن "مناشدتي هي أننا لا نقبل بإجابة غير كاملة أو نستسلم بسبب مصلحة سياسية".   

ورفض متحدث باسم وزارة الطاقة مناقشة تفاصيل التقييم الصادر عن الوزارة، لكنه كتب في بيان أن وزارته "تواصل دعم العمل الشامل والمتحري للدقة والموضوعي من قبل المتخصصين الاستخباراتيين في التحقيق بشأن أصول كورونا، وفقا لتوجيهات الرئيس". كما رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق.

رفض صيني

من جانبها اعترضت الصين، التي فرضت قيوداً على التحقيقات التي تجريها منظمة الصحة العالمية، على أن يكون الفيروس "تسرب من أحد مختبراتها"، مشيرة إلى "ظهوره خارج الصين".  

ولم ترد الحكومة الصينية على طلبات "وول ستريت جورنال" للتعليق بشأن ما إذا كان هناك أي تغيير في آرائها الخاصة بأصول كوفيد ـ 19، فيما قال بعض العلماء إن الفيروس ربما ظهر "بشكل طبيعي وانتقل من الحيوان إلى الإنسان"، وهو نفس مسار تفشيات مسببات الأمراض التي لم تكن معروفة في وقت سابق.

ويركز المحللون الاستخباراتيون، الذين دعموا هذا الرأي، على "سابقة تفشي الأمراض المعدية الجديدة ذات الأصول الحيوانية"، واستنتاجهم أن "المسؤولين الصينيين لم تكن لديهم معرفة مسبقة بالفيروس"، وفقا لما ورد في تقرير عام 2021.  

ورغم ذلك لم يتم تحديد مصدر حيواني مؤكد لكورونا، ما قاد إلى حقيقة أن ووهان مركز أبحاث فيروس كورونا المكثف، ما دفع بعض العلماء والمسؤولين الأميركيين إلى القول بأن "التسرب المخبري هو أفضل تفسير لمنشأ الجائحة". 

وتُظهر برقيات وزارة الخارجية الأميركية المؤرخة في 2018 والوثائق الصينية الداخلية أن "هناك مخاوف ملحة بشأن تدابير السلامة الحيوية الصينية"، والتي أعرب عنها مؤيدو فرضية التسرب المخبري.  

وتستضيف ووهان مجموعة من المختبرات التي تم بناؤها أو توسعتها نتيجة لتجربة الصين الصادمة مع وباء المتلازمة التنفسية الحادة الأولية "سارس" الذي بدأ في عام 2002. وتضم هذه المختبرات فروعاً لمعهد ووهان لعلم الفيروسات، والمركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، ومعهد ووهان للمنتجات البيولوجية الذي ينتج اللقاحات.  

وكان يُعتقد في البداية أن مصدر الفيروس هو سوق للمأكولات البحرية في ووهان، لكن الآن يرى بعض العلماء ومسؤولي الصحة العامة الصينيين هذا المصدر باعتباره نوعاً من أنواع "الانتشار المجتمعي وليس المكان الذي وقعت فيه أول إصابة بشرية"، وفقا لما ذكره التقرير الاستخباراتي الصادر في 2021.  

جهود مكثفة

وفي مايو 2021، طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من المجتمع الاستخباراتي تكثيف جهوده للتحقيق في أصول كوفيد ـ 19، ووجه إلى اعتماد المراجعة على عمل المختبرات الوطنية الأميركية وغيرها من الوكالات. وقال إنه سيتم إطلاع الكونجرس على هذا الجهد.  

وذكر تقرير 2021 أن هناك إجماعا على أن كوفيد ـ 19 "ليس نتيجة لبرنامج الأسلحة البيولوجية الصيني"، إلا أنه لم يحسم الجدل بشأن ما إذا كان نجم عن تسرب مخبري أو عن مصدرحيواني، مشيراً إلى أن "هناك حاجة للحصول على مزيد من المعلومات من السلطات الصينية".  

ويتألف مجتمع الاستخبارات الأميركي من 18 وكالة، من بينها إدارات في وزارات الطاقة والخارجية والخزانة.

وشاركت 8 من هذه الوكالات في مراجعة أصول كوفيد إلى جانب مجلس الاستخبارات الوطني. وقبل صدور هذا التقرير أعد مختبر لورانس ليفرمور الوطني التابع لوزارة الطاقة دراسة في مايو 2020 خلصت إلى أن فرضية التسرب المخبري "معقولة وتستحق مزيداً من التحقيقات".  

وتأجج الجدل الاستخباراتي الأميركي بشأن ما إذا كان كوفيد ـ 19 قد هرب من المختبر على خلفية حقيقة إصابة 3 باحثين من معهد ووهان لعلوم الفيروسات بالمرض في نوفمبر 2019 إلى حد أنهم التمسوا العلاج في المستشفى.

نزاهة التحقيقات

والعام الماضي خلص تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب الأميركي إلى أن هذا الكشف "لا يعزز أيا من نظريتي التسرب المخبري أو الأصل الطبيعي للفيروس"، لأن إصابة الباحثين الثلاثة قد تكون بالأنفلونزا الموسمية.

ولكن بعض المسؤولين الأميركيين السابقين قالوا إن الباحثين المصابين بالمرض شاركوا في أبحاث فيروس كورونا، وسعى المشرعون للوصول إلى المزيد بشأن أسباب ترجيح مكتب التحقيقات الفيدرالي لنظرية التسرب المخبري.  

وفي رسالة مؤرخة في 1 أغسطس إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، طلب السيناتور من كانساس، روجر مارشال، أن يشارك المكتب سجلات تحقيقه، وسأل ما إذا كان المكتب قد أطلع الرئيس بايدن على النتائج التي توصل إليها.  

وفي رسالة مؤرخة في 18 نوفمبر، قالت مساعدة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيل تايسون، إن الوكالة "لا يمكنها مشاركة هذه التفاصيل" بسبب سياسة وزارة العدل بشأن المحافظة على "نزاهة التحقيقات الجارية"، وأحالت السيناتور إلى مكتب هاينز للحصول على معلومات بشأن الإحاطات التي يتم رفعها إلى الرئيس الأميركي.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات