أظهر بحث جديد أجراه عالم الأحياء الجزيئية في مركز "فريد هاتشينسون" للسرطان، أن خلايا السرطان الميتة، تُساعد حتى بعد موتها، في انتشار نقائل المرض.
وبحسب البحث الجديد الذي أجراه آمي ياماموتو، فإن النواة النخرية للورم، وهي كتلة من الخلايا الميتة والمحتضرة التي كان يُعتقد سابقاً أنها غير مهمة إطلاقاً بل ربما تكون مفيدة في علاج السرطان، تحتوي على عوامل يبدو أنها تعزز الأورام الخبيثة أو تنشر الخلايا السرطانية في أنحاء الجسم.
والنقائل هي مجموعة من الأورام الثانوية التي تظهر في أجزاء أخرى من الجسم، نتيجة الإصابة بالورم الرئيسي. ويمكن أن يحدث موت الخلية إما من خلال عملية نشطة ومنظمة، تُعرف باسم "موت الخلية المبرمج"، أو عبر مسار سلبي غير منضبط يُعرف باسم "النخر".
ويُعرَّف موت الخلايا المبرمج على أنه موت خلوي مبرمج يتميز بتنشيط مجموعة من البروتينات التي تسمح للخلية بالانكماش، ثم تُفتتها.
وفي نهاية عملية موت الخلايا المبرمج، يتم تكسير الخلايا المحتضرة إلى أجسام محاطة بغشاء تحتوي على الهياكل الخلوية ويتم "أكلها" حرفياً بواسطة الخلايا المحيطة أو الخلايا البلعمية في الجهاز المناعي دون التسبب في حدوث التهاب.
في المقابل، يُعتقد أن النخر عملية مستقلة تماماً عن نشاط تلك البروتينات، إذ في تلك العملية تنتفخ الخلية وتتلف الميتوكوندريا (مصانع الطاقة في الخلية)، ويتمزق غشاء البلازما المحيط بها، ثم تُطلق الخلايا النخرية محتوياتها الخلوية بما في ذلك البروتينات والأحماض النووية إلى الجسم، ما يُسبب حدوث التهاب.
موت الخلايا
في السنوات الأخيرة، تطور مفهوم موت الخلايا بشكل كبير بسبب الدراسات المكثفة لدور موت الخلايا في توازن الأنسجة الطبيعية وفي طيف واسع من الأمراض، بما في ذلك أمراض المناعة الذاتية وأمراض التنكس العصبي والسرطان.
وفي حين أن موت الخلايا المبرمج يمنع تطور الورم، فالسمة المميزة للسرطان هي قدرة الخلايا السرطانية على تجنب موت الخلايا المبرمج، تشير الدراسة الجديدة إلى أن عملية النخر ورغم كونها موت للخلايا في الأساس، تُساهم بشكل حاسم في انتقال الأورام السرطانية إلى أماكن أخرى.
وحين تنتقل الأورام وتنتشر في أجزاء أخرى من الجسم، يُصبح السرطان في المرحلة الرابعة، ورغم وجود العديد من الأدوية التي قد تُساهم في إبطاء تطور الأورام في تلك المرحلة، إلا أن المرض يُصبح غير قابل للشفاء.
"أمل جديد"
وتمنح الدراسة الجديدة بعض الأمل في فهم أفضل لعملية انتقال السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم.
وقال ياماموتو إن "النوى النخرية للورم ظاهرة شائعة إلى حد ما، لكن لم يتم ربطها بنقائل السرطان حتى وقت قريب، لكن عملنا يظهر ارتباطاً مباشراً جداً بين النخر وخلايا الورم المنتشرة والورم الخبيث السرطاني".
وأوضح أن الجزء الميت من الورم "يشبه البيئة المثالية لانتشار النقيلي، إذ رصدت الدراسة وجود تسريب في الأوعية الدموية ونقص الأكسجين، وتجنيد الخلايا المناعية، والتي ثبت أن بعضها يساعد الخلايا السرطانية على الانتشار".
وغالباً ما يصادف الجراحون وعلماء الأمراض والأطباء والباحثون نوى نخرية في مجال عملهم، وعادةً لا تكون هذه علامة جيدة، فالنخر هو اكتشاف سريري يُلاحظ في الأورام العدوانية التي تنمو بسرعة.
وفي هذا الصدد، قال كيفين تشونج، المؤلف الرئيسي للدراسة: "عندما نرى النخر في الأورام، فهذا يعني أن هذا ورم خطير يجب معالجته بأقوى الوسائل".
ولا يظهر النخر في الأورام الكبيرة في المرحلة المتأخرة فقط، بل يمكن أن يحدث النخر مبكراً أيضاً حتى في الأورام الصغيرة، لا يرتبط بالضرورة بشكل مباشر بحجم الورم.
ويشير البحث الجديد إلى أن انتشار الخلايا السرطانية يرتبط بشكل أفضل بالنخر، وليس بحجم الأورام، كما يؤكد أن النواة النخرية للورم ليست بالضرورة منطقة ميتة كاملة.
بروتين "أنجيوبويتين"
وبدأت أبحاث ياماموتو في النواة النخرية للأورام بإنشاء نموذج جديد للفئران لورم خبيث لسرطان الثدي وتابعها لعدة أسابيع من أجل تتبع تطور الخلايا السرطانية المنتشرة.
وبعد ذلك، أحصى الفريق البحثي عدد الخلايا الجذعية السرطانية في أربع نقاط زمنية، بعد أن أصيبت الفئران بأورام محسوسة.
وفي النقاط الزمنية الأولى والثانية، لم يجد الباحثون أي خلايا ورمية، لكن في النقطة الزمنية الثالثة وجد الباحثون عدداً قليلاً من الخلايا، لكن في اللحظة الرابعة، تغير كل شيء.
وقال ياماموتو: "فجأة، وجدنا مئات الخلايا فالورم الرئيسي طور منطقة مركزية كبيرة من النخر، أو موت الخلايا الالتهابي، بالتزامن مع ارتفاع عدد الخلايا السرطانية في الخلايا"، كما أظهرت التحقيقات اختلافاً صارخاً في التعبير الجيني بين المناطق الميتة وغير النخرية للورم.
فقد وجد الباحثون أن الجين الذي يشفر نوعاً من البروتينات التي تُعزز النمو السرطاني أكثر انتشاراً في المناطق النخرية، مقارنة بمنطقة الورم غير النخرية.
وهذا البروتين، المعروف باسم "أنجيوبويتين"، يعيد تشكيل البيئة المكروية للورم، ما يشجع خلايا الورم على النمو عبر الخضوع للنخر والبدء في الانتشار إلى أجزاء أخرى من الجسم.
وقال تشونج: "كانت هذه مفاجأة فقد اعتقدنا أن النخر كان غير منظم تماماً، لكن يبدو أن الخلايا السرطانية تتحكم في عملية النخر".
بعد ذلك أجرى الباحثون تجارب لمعرفة كيف سيؤثر التحكم في البروتين على النخر، وعندما أوقف الباحثون التعبير عن هذا البروتين في الأورام، كان هناك انخفاض كبير في منطقة الورم النخر، أدى ذلك إلى تقليل الخلايا السرطانية المنتشرة إلى الصفر تقريباً وتقليل النقائل البعيدة والأوعية الدموية الكبيرة المتوسعة وهو اكتشاف مثير وواعد.
وكشفت نتيجة الدراسة عن إمكانية تصميم علاج مستهدف جديد للمرضى عبر استهداف البروتين المعزز للنخر، وهي عملية من شأنها منع أو تقليل انتشار الأورام النقيلية.
ولتحقيق هذه الغاية، توصل الفريق بالفعل إلى أكثر من 200 مرشح لجسم مضاد لذلك البروتين لكنهم بحاجة إلى فحصهم جميعاً لمعرفة أي منهم يقوم بعمل أفضل في منع الوظيفة.
ويسعى الباحثون إلى الخوض في الأسئلة المتبقية التي لم تتم الإجابة عليها، إذ أنهم في حاجة إلى معرفة كيفية تشكل النواة الميتة، وكيف تدخل الخلايا في الدورة الدموية وأفضل طريقة لاستهداف الخلايا في هذه المناطق الميتة.