ما هو انخفاض الخصوبة لدى الرجال وكيف يحدث؟

عاملون صحيون في مختبر للخصوبة، كوريا الجنوبية. 30 أبريل 2022 - REUTERS
عاملون صحيون في مختبر للخصوبة، كوريا الجنوبية. 30 أبريل 2022 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

على مدى العقود القليلة الماضية، أشارت عدة دراسات وتحليلات علمية إلى انخفاض في عدد الحيوانات المنوية بين الرجال في جميع أنحاء العالم.

واكتسبت القضية أهمية مع نشر دراسة تاريخية في عام 1992، لباحثين في قسم النمو والتكاثر في "جامعة ريجشوسبيتالت" بكوبنهاجن، والتي أشارت إلى انخفاض كبير في تركيز الحيوانات المنوية وإجمالي عدد الحيوانات المنوية في عينات السائل المنوي التي تم جمعها بين عامي 1938 و1990. 

وأثار انخفاض عدد الحيوانات المنوية مخاوف كبيرة، إذ يعد عددها عاملاً حاسماً في خصوبة الذكور، ويؤثر بشكل مباشر على فرص حدوث الحمل عند النساء. 

وحسب الدراسة؛ لا يقتصر الانخفاض في عدد الحيوانات المنوية على مناطق أو مجموعات سكانية محددة، بل تم ملاحظته عبر مختلف البلدان والأعراق. يشير هذا الاتجاه العالمي إلى أن العوامل المساهمة في الانخفاض قد يكون لها آثار واسعة النطاق، مما يبرز الحاجة إلى فهم شامل للقضية.

ما هو انخفاض الحيوانات المنوية؟

انخفاض عدد الحيوانات المنوية هو انخفاض في تركيز خلايا الحيوانات المنوية في السائل المنوي للرجل، أو انخفاض في العدد الإجمالي لخلايا الحيوانات المنوية في كل عملية قذف. 

ويُقاس عدد الحيوانات المنوية عادةً من خلال تحليل السائل المنوي، والذي يفحص عدة معايير لجودة السائل المنوي، بما في ذلك تركيز الحيوانات المنوية.

وغالباً ما يتم التعبير عن الانخفاض في عدد الحيوانات المنوية، على شكل انخفاض في عدد خلايا الحيوانات المنوية لكل مليلتر من السائل المنوي، أو انخفاض في العدد الإجمالي لخلايا الحيوانات المنوية.

وتقدم "منظمة الصحة العالمية" إرشادات لمعايير تحليل السائل المنوي، بما في ذلك الحد الأدنى للعدد الطبيعي للحيوانات المنوية. ووفقاً للإصدار الخامس من دليل المختبر التابع للمنظمة، يُعتبر عدد الحيوانات المنوية الطبيعي 15 مليون خلية منوية على الأقل لكل مليلتر، أو إجمالي 39 مليون خلية منوية على الأقل، في سائل القذف.

ويمكن تصنيف انخفاض عدد الحيوانات المنوية على أنه هبوط نسبي مقارنة بالبيانات التاريخية أو النطاقات المرجعية، أو هبوط إلى أقل من الحد المحدد للعدد الطبيعي للحيوانات المنوية. ويختلف حجم الانخفاض، من معتدل إلى شديد.

ولا تُقاس الخصوبة بانخفاض عدد الحيوانات المنوية فقط؛ فهناك العديد من العوامل الأخرى مثل حركة الحيوانات المنوية، والتشكل، وحجم السائل المنوي الكلي. لكن عدد الحيوانات المنوية هو عامل حاسم، لأنه يؤثر بشكل مباشر على فرص حدوث الحمل، وغالباً ما يستخدم كمؤشر على الخصوبة لدى الذكور.

كم تبلغ نسبة الانخفاض تحديداً؟

في عام 2017 قيّم الباحثون أكثر من 200 دراسة؛ ليجدوا انخفاضاً بنسبة 50% في تركيز الحيوانات المنوية - وعلى الأخص في الدول الغربية - منذ السبعينيات وحتى عام 2011.

وتماشت معدلات الانخفاض، مع هبوط في معدل المواليد في العديد من البلدان؛ لكن العلماء لا يعرفون بشكل جازم، إذا كان أحدهما مرتبطاً بالآخر.

تأثير انخفاض عدد الحيوانات المنوية:

انخفاض عدد الحيوانات المنوية له آثار تتجاوز الخصوبة؛ إذ تشير الدراسات إلى وجود ارتباطات بين انخفاض عدد الحيوانات المنوية والحالات الصحية المختلفة لدى الرجال، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بسرطان الخصية، واضطرابات التمثيل الغذائي (متلازمة الأيض)، وأمراض القلب والأوعية الدموية.

ويمكن أن يكون للانخفاض في عدد الحيوانات المنوية، آثار على ديناميكيات السكان في المستقبل. وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يؤثر على معدلات المواليد والنمو السكاني والتوزيعات الديموغرافية. وبالتالي؛ يقول العلماء إن فهم العوامل المساهمة في هذا التدهور أمر بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن سياسات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة.

ما هي أسباب الانخفاض؟

رغم أن العوامل المسببة لانخفاض الحيوانات المنوية غير معروفة بالكامل، إلا أن الأسباب المحتملة تشمل زيادة معدلات السمنة وسوء التغذية والتعرض للسموم البيئية. 

ويمكن أن تؤدي زيادة الوزن أو السمنة إلى اختلالات هرمونية، ما قد يؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية وجودتها، إذ يمكن أن تنتج الأنسجة الدهنية هرمون الإستروجين، وهو هرمون أنثوي؛ ما قد يخل بالتوازن الهرموني لدى الرجال.

ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستويات هرمون الإستروجين إلى كبح إنتاج هرمون التستوستيرون، وهو هرمون الذكورة الأساسي الضروري لإنتاج الحيوانات المنوية بشكل طبيعي، ويلعب دوراً مهماً في تطوير ونضوج خلايا الحيوانات المنوية.

وغالباً ما ترتبط السمنة بمقاومة الأنسولين ومتلازمة التمثيل الغذائي، والتي تنطوي على تشوهات في استجابة الجسم للأنسولين، وهو هرمون مسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم. ويمكن أن تؤدي مقاومة الأنسولين إلى ارتفاع مستويات الأنسولين في الدم، والذي يعطل إنتاج ووظيفة الهرمونات الأخرى، بما في ذلك هرمون التستوستيرون. 

وتسبب السمنة حالة من الالتهاب المزمن منخفض الدرجة في الجسم. ويمكن أن يؤثر الالتهاب على الخصيتين، ويعطل العملية الطبيعية لتكوين الحيوانات المنوية، كما تؤدي أيضاً إلى الإجهاد التأكسدي الذي يمكن أن يتلف خلايا الحيوانات المنوية.

وتتسبب الدهون الزائدة في منطقة البطن في زيادة درجة حرارة كيس الصفن بسبب تأثيرها العازل، وهو ما قد يضر بإنتاج الحيوانات المنوية وجودتها.

كما يمكن أن تؤثر بعض الحالات الطبية على إنتاج الحيوانات المنوية وجودتها. وتشمل هذه الحالات العدوى، والاضطرابات الهرمونية، واضطرابات الخصية، والتشوهات الجينية.

كما تتداخل بعض الأدوية، مثل العلاج الكيميائي، وبعض الأدوية المضادة للفطريات، مع إنتاج الحيوانات المنوية؛ ويمكن أن يؤثر النظام الغذائي الذي يفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية، مثل الزنك ومضادات الأكسدة، على صحة الحيوانات المنوية.

أعباء انخفاض الخصوبة

يمكن أن يؤدي التدهور في صحة وعدد الحيوانات المنوية إلى زيادة معدلات العقم وضعف الخصوبة، مما يستلزم استخدام تقنيات الإنجاب المساعدة، مثل الإخصاب في المختبر أو حقن الحيوانات المنوية. تلك العلاجات مرهقة من الناحية المالية للأفراد، وغالباً ما تتطلب محاولات متعددة، وموارد مالية كبيرة، وتشكل في بعض الدول، ضغطاً على أنظمة الرعاية الصحية.

كما تسبب صعوبات الحمل آثاراً نفسية وعاطفية عميقة على الأفراد؛ إذ يمكن أن يؤدي الفشل في إنجاب الأطفال إلى الشعور بالحزن والإحباط والذنب والقلق، وإجهاد العلاقات والصحة العقلية. 

وعلى نطاق أوسع، يساهم تدهور صحة الحيوانات المنوية في انخفاض معدلات المواليد، مما قد يكون له آثار اجتماعية في البلدان التي يكون فيها معدل النمو السكاني منخفضاً بالفعل، أو معدلات الشيخوخة مرتفعة، وهو ما قد يفرض تحديات ديموغرافية قد تؤثر على القوى العاملة، وتجهد أنظمة الضمان الاجتماعي وأنظمة المعاشات التقاعدية، وتوثر على الهيكل العام للمجتمعات. 

هل يمكن عكس الانخفاض؟

لم يصل العلماء بعد لطريقة يعكسون من خلالها الانخفاض في عدد الحيوانات المنوية. وبالتالي؛ فمن الضروري إجراء مزيد من الدراسات لتقييم ما إذا كان هذا الانخفاض في عدد الحيوانات المنوية يرتبط بانخفاض الخصوبة، وكيفية تحديد العوامل المسببة المحتملة والتخفيف منها.

كما أن الدور المحتمل للعوامل البيئية وعوامل نمط الحياة في انخفاض عدد الحيوانات المنوية يثير تساؤلات حول تأثير أنماط الحياة الحديثة، والتعرض للمواد الكيميائية، والتغيرات المجتمعية على الصحة الإنجابية. ويمكن أن يؤدي استكشاف هذه العوامل وتأثيرها على عدد الحيوانات المنوية، إلى فهم أفضل وتدخلات هادفة للتخفيف من الانخفاض.

اقرأ أيضاً: