حين يولد الطفل، يلاحَظ وجود خطوط فاصلة بين عظام الجمجمة. ففي أعلى الرأس، يوجد موضعان يُسميان بـ"اليافوخ" لم تنمُ فيهما عظام الجمجمة بعد. تسمح تلك المنطقة بـ"ضغط" عظام الجمجمة لتحقيق مرور ناجح للطفل عبر قناة الولادة الضيقة. وفي الغالب، تلتحم تلك العظام في غضون شهور قليلة.
فالجمجمة ليست عظمة واحدة؛ بل صفائح عظمية مرتبطة ببعضها البعض. لكن يعاني بعض الأطفال -حوالى طفل واحد من كل 2500 طفل- من تشوهات في عظام الجمجمة تُسمى بـ"تعظم الدروز الباكر"، وهو اضطراب في النمو يؤثر على شكل جماجم الأطفال ولا يعرف العلماء السبب الدقيق وراء الإصابة به.
إلا أن علماء من مدرسة "إيكان" للطب التابعة لجامعة "ماونت سيناي" في نيويورك، اكتشفوا أن نشاط أحد الجينات قد يلعب دوراً مهماً في تشكيل الجمجمة. ففي أجنة الفئران، حين أوقف العلماء ذلك الجين، وُلدت فئران تعاني من تشوه كبير في عظام الجمجمة يُشبه حالة "تعظم الدروز الباكر" عند البشر.
خلايا الدرز الإكليلي
وركزت الدراسة على خلايا الدرز الإكليلي، وهو مفصل ليفي يربط بين صفائح العظام الأمامية والوسطى. في البشر، يمر عبر الجزء العلوي من الجمجمة. وطوال فترة النمو، تمتلئ الفجوة بنسيج مؤقت يسمى اللحمة المتوسطة، ويحتوي على الخلايا الجذعية.
وتوفر الخلايا الجذعية مصدراً ثابتاً للخلايا العظمية الجديدة، وتعتبر بمثابة بانيات للعظم وهي ضرورية مع نمو الصفائح على كلا الجانبين لتوسُع الجمجمة واكتمالها. عند البالغين الأصحاء، يتم استنفاد هذه الخلايا الجذعية وتندمج الفجوة بين الصفائح العظمية وتتحول إلى عظام قوية تُشكل جمجمة سليمة من الناحية الفيزيولوجية.
أما تعظم الدروز الباكر فهو عيب خلقي يحدث فيه هذا الاندماج قبل الأوان، ما يؤدي إلى ولادة أطفال بجماجم مشوهة وقد يصابون بمشاكل عصبية. وأظهر العلماء أن قرابة 25 في المئة من الحالات مرتبطة بطفرات جينية وأن تطور اليافوخ الطبيعي يتم التحكم فيه من خلال مجموعة متنوعة من عوامل النمو. ومن بين جميع العوامل اللازمة لتشكيل الجمجمة، يتأثر الدرز الإكليلي بشكل شائع في تعظم الدروز الباكر.
جين حاسم
في هذه الدراسة، درس الباحثون كيف يتغير النشاط الجيني في خلايا الدرز الإكليلي أثناء التطور المبكر.
للقيام بذلك، قاموا بقياس مستويات الحمض النووي الريبي لخلايا فردية من الفئران الجنينية قبل حوالى يوم إلى ثلاثة أيام من ولادتها بشكل طبيعي.
وتشير نتائجهم إلى أن الجين الذي يقوم بترميز جزيء (molecule ) يسمى بروتين تفاعل القنفذ (HHIP) يلعب دوراً فريداً وحاسماً في تطوير التحام عظام الجمجمة.
وبروتينات القنفذ هي عوامل نمو معروفة لتوجيه النمو الطبيعي والتطور في مجموعة متنوعة من الأنواع، بما في ذلك تعزيز نمو العظام؛ ومن المعروف أن نشاط جين HHIP يثبط نشاط القنفذ. بالنسبة إلى هذه الدراسة، تشير النتائج إلى أن جين HHIP قلل من نشاط بروتينات القنفذ للسماح بالتطور الطبيعي لالتحام اليافوخ بشكل طبيعي.
وسيقوم الباحثون ببحث إمكانية تحفيز تلك البروتينات للوقاية من تشوه الجماجم لدى فئران التجارب.
اقرأ أيضاً: