مرتادو "عيادة النوم".. أكثر من مُجرد مصابين بالأرق

الاستلقاء على الفراش وأنت مستيقظ عادة تؤدي إلى قلة النوم وتزيد من الأرق. - Cavan Images RF
الاستلقاء على الفراش وأنت مستيقظ عادة تؤدي إلى قلة النوم وتزيد من الأرق. - Cavan Images RF
القاهرة-الشرق

الأرق والنوم المتقطع والشخير، وغيرها من أطياف اضطرابات النوم أسباب كافية للانتقاص من جودة الحياة وتعكير صفوها، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال طب النوم عموماً، وثقافة ارتياد عيادة النوم خصوصاً، محاطين بالمزيد من الغموض والتصوُرات المغلوطة عن التدخلات الطبية التي يستخدمها اختصاصي النوم للتشخيص والعلاج.

ومنذ عام 2018، يعمل يوسف أسامة، 54 عاماً، من الرياض، على نقل تجربته ومعاناته مع اضطرابات النوم، خاصةً بعد التعافي، عبر حساب توعوي على "تويتر". 

وعلى مدار 5 أعوام، عانى يوسف من انقطاع التنفس أثناء النوم، انتهت بإجراء عملية دقيقة استمرّت 8 ساعات، بحسب حديثه لـ "الشرق"، لتنتهي معاناته نهائياً.

حياة طبيعية وحيوية، ونهار من دون نعاس، هم ثمار لجوء صاحب حساب "أصدقاء مرضى اضطرابات النوم"، فقبل التشخيص، كان يشعر بالحاجة للنوم طوال النهار، فضلاً عن معاناته مع استخدام جهاز CPP اللازم للنوم، والذي يجعل السفر والتنقل بصُحبته أمراً مرهقاً.

وتراجع الوعي العربي بوجود طب النوم من الأساس، فضلاً عن دواعي ارتياد عيادة النوم.. جميعها أسباب، وفقاً ليوسف، جعلت وجود حسابات توعوية عربية عن اضطرابات النوم ضرورة ملحة.

وأردف:"تفاجأت بأن عدداً كبيراً من المرضى لديهم مشكلتي ذاتها ويفتقرون لمعلومات عن كيفية العلاج، فالبعض يلجأ للاستشاريين والمتخصصين في الأنف والأذن والحنجرة بينما هذه الاضطرابات أصبح لها فرع متخصص في الطب يسمى أمراض النوم".

"النوم سلطان"

وعلى باب حجرة الكشف، بأحد عيادات النوم الأكثر شهرة بالقاهرة، كُتبت عبارات مأثورة عديدة تُعبر عن أهمية النوم في التراث. "النوم سلطان"، و "ما أطال النوم عمراً، ولا قصّر في الأعمار طول السهر"، وبالرغم من أن النوم لم يُطِل عمراً، إلا أن العديدين يقصدون العيادة للتعافي من عدد من اضطرابات النوم الشائعة.

ووفقاً للدكتور أحمد غريب، مدرس الأمراض الصدرية بالمركز القومي للبحوث، والمتخصص في علاج اضطرابات النوم، فإن عدم القدرة على النوم، وعدم القدرة على استكماله، سببان أساسيان لاضطرابات النوم.

وتابع: "الأرق هو ألا يستطيع الشخص أن يبدأ النوم، بينما انقطاع النفس أثناء النوم والشخير، يتسببان في النوم المتقطّع، ويعد الأرق ومشكلات التنفس أشهر اضطرابات النوم، تليها الأحلام المفزعة، والمشي أثناء النوم".

وعن الفروع الطبية التي ينتمي إليها طب النوم، يوضح طبيب الأمراض الصدرية أن تخصص طبيب النوم يعتمد على التشخيص المبدئي، فطب النوم يتقاطع مع الأمراض الصدرية، وتخصص المخ والأعصاب، وكذلك الطب النفسي.

النوم وجودة الحياة

ويعتبر غريب أن اضطرابات النوم من أخطر مايكون، لكونها لا تنتهي من تلقاء نفسها، وعلى ذلك، يتعامل الكثير من المرضى على أنها رفاهية، مؤكداً أن الإرهاق والإجهاد، والتوتر الزائد عن الطبيعي، جميعها مؤشرات تنم عن نوم معتل.

وخلال سبع سنوات من العمل في مجال طب النوم، يرصد غريب تحسُناً ملحوظاً في ثقافة ارتياد عيادة النوم في مصر، بحثاً عن جودة الحياة المفقودة، والخضوع لدراسات النوم التي تُعد أداة التشخيص الأساسية لاضطرابات النوم.

ويشرح غريب دراسة النوم، قائلاً:"هو إجراء خالٍ من الألم، فيستطيع المريض أن ينام في المركز، أو المنزل، متصلاً بجهاز اختبار لمدة 6 ساعات، يرصد فيها الجهاز وظائف المخ والتنفس وعدد دورات النوم ومدى مكوث الشخص في مراحل النوم العميق".

ووفقاً لغريب، بعد التأكد من انتفاء الأسباب العضوية لاضطرابات النوم كالوزن الزائد ومشاكل الضغط، قد يتم توجيه المريض لتلقي العلاج النفسي والتعامل مع مسببات اضطرابات النوم كالاكتئاب والقلق.

ويوصي غريب بإعادة النظر في عدد من العادات السلبية قبل زيارة عيادة النوم، أولها ممارسة الرياضة، وتقليل كميات المنبهات، مروراً بتهيئة الغرفة لنوم جيد يبدأ بإبعاد الهواتف الذكية تماماً، ووصولاً لجلسات الاسترخاء وتبني العادات الصحية المتصلة بالنوم.

أكثر من مجرد أرق

بدوره، يؤرخ دكتور مشني السعيد، أخصائي اضطرابات النوم بالمملكة العربية السعودية، لتخصص طب النوم عشرينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أن المملكة بادرت للاهتمام بطب النوم في الثمانينات تقريباً، وفي حين يعتبر طب النوم تخصصاً مستقلاً حالياً، يمارسه أطباء الصدرية والأسنان والنفسية.

ووفقاً للسعيد، على الرغم من رسوخ طب النوم في السعودية، وتعدد مراكز علاج اضطرابات النوم، واستضافة المملكة للعديد من المؤتمرات المتخصصة في اضطرابات النوم، لازال المجتمع السعودي ينقصه المزيد من الوعي حول التخصص، ولا سيما مع بروز مشكلتين أساسيتين: عدم استمرار المرضى في المتابعة بعيادة النوم، والتشخيص المتأخر لاضطرابات النوم.

وبخلاف الأرق، يعدد السعيد أطيافاً أخرى لاضطرابات النوم أقل شهرة، لكنها تحدث أثناء البدء في النوم أو مصاحبة للنوم، من ضمنها توقف التنفس الانسدادي أثناء النوم، وتململ الساقين، واضطرابات أخرى مصاحبة كالرعب الليلي والكوابيس والمشي والأكل أثناء النوم.

وعن التدخل الطبي لعيادة النوم، يستبعد السعيد خيار المنوّمات من اختيارات اختصاصي النوم، مؤكداً أنها في بعض الحالات قد لا تكون حلاً، بل قد تؤثر سلباً، ولا سيما في حالة الاختناقات التنفسية، إذ تزيد الوضع سوءاً.

مرض العصر

وفي وقت يُعد فيه نقص النوم وعدم انتظامه الهاجس الأول لدى زوار عيادة النوم، يلفت الدكتور محمد الحوقاني، استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم في كلية الطب والعلوم الصحية جامعة الإمارات العربية المتحدة، أن النوم القهري أيضاً أحد أطياف اضطرابات النوم، جنباً إلى جنب مع اضطرابات الساعة البيولوجية والأرق وحركة الأطراف.

ويعتبر الحوقاني، أن الشعب الإماراتي على مدار السنوات الأخيرة صار يمتلك وعياً جيداً باضطرابات النوم، موضحاً أن كافة المستشفيات المرجعية بالإمارات يوجد بها عيادات للنوم، بجانب المراكز التخصصية.

وأضاف أن "أعداداً كبيرة من المرضى ممن يزورون عيادات اضطراب النوم أتوا بقناعة أن اضطرابات النوم مرض العصر وعلاجه له علاقة بتخفيف احتمالية الإصابات بأزمات قلبية وجلطات الدماغ".

وعن الخطورة غير المنتبه إليها في اضطرابات النوم، يقول الحوقاني في حديثه لـ "الشرق" إن "انقطاع التنفس على سبيل المثال، السبب الرئيسي خلف العديد من حوادث السيارات، إذ يتسبب في نوم المصابين به خلف المقود من الإرهاق، وعلى رغم من ساعات نومهم الطويلة، إلا أنهم لا يصلون لمرحلة النوم العميق".

أما عن اضطراب النوم غير المشخص الأبرز، فيرى الحوقاني أنه "الشخير"، وعلى الرغم من كونه مرحلة مبكرة من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، والذي يتسبب في نقص الأوكسجين، يعتبره البعض أمراً طبيعياً، وقد يتفاقم مسبباً الأزمات القلبية والجلطات الدماغية.