أفادت وكالة "بلومبرغ" بأن الشركات الصينية تتصدّر سباقاً عالمياً لإنتاج لقاح لفيروس "كورونا" المستجد، مضيفة أن بروزها السريع لم يتعرقل نتيجة انتكاسات علمية شائعة، أبلغت عنها شركات غربية منافسة، ما أثار تساؤلات بشأن مدى صرامة التدقيق والإبلاغ عن مشكلات سلامة محتملة.
وذكرت الوكالة أن غموضاً بشأن المعايير والضمانات التي يستخدمها المطوّرون الصينيون، تثير قلقاً لأن بعض لقاحاتهم تُوزّع في بلادهم بموجب برنامج للاستخدام الطارئ، قبل نيلها موافقة تنظيمية كاملة.
وأضافت الوكالة أن هناك تداعيات محتملة بعيدة المدى، للطريقة التي تتبعها الصين في تطوير لقاحاتها. وذكّرت بأن شركتَي "أسترا زينيكا" البريطانية و"جونسون أند جونسون" الأميركية جمّدتا مؤقتاً اختباراتهما هذا العام، بعد مرض مشارك واحد لدى كلّ منهما، من أجل تبيان السبب. في المقابل، أعلنت وزارة العلوم الصينية أن شركاتها لقحت حوالى 60 ألف متطوّع في تجارب المرحلة النهائية، لافتة إلى أنه لا تقارير عن أحداث سلبية خطرة.
وأشارت شركة "تشاينا ناشيونال بايوتيك غروب" الصينية إلى أنها لقحت مئات الآلاف من الأشخاص في إطار برنامج الاستخدام الطارئ. لكن علماء يرون أن لا مفرّ من اكتشاف مشكلات صحية، لدى اختبار عشرات الآلاف من الأشخاص، بأعمار وظروف مختلفة، ولو أن اللقاح لا يسبّب مرضاً.
أمر "مريب"
ونقلت "بلومبرغ" عن مايكل كينش، وهو متخصص باللقاحات في "جامعة واشنطن" في سانت لويس، قوله: "إن علم الأحياء فوضوي في الأساس، وستُصاب دوماً بنوبات قلبية وأحداث عصبية ومواد سامة أخرى، عبر الصدفة العشوائية الخالصة. سترى ذلك في عدد ضخم بما يكفي من السكان، ولذلك يبدو غريباً، وربما مريباً، عدم الإبلاغ عن أي شيء" في الصين.
كينش الذي أعدّ عام 2018 كتاباً بعنوان "بين الأمل والخوف: تاريخ اللقاحات والمناعة البشرية"، لفت إلى أنه سيكون قلقاً بشأن البيانات "النظيفة". وأشار إلى بحث نشرته مجلة BMC Medicine في عام 2015، فحص 202 تجربة في مراحلها المتأخرة، ووجد أن حوالى 10 بالمئة فقط من المتطوّعين لم يذكروا خضوعهم لتأثيرات سلبية خطرة.
وأفادت "بلومبرغ" بتزايد المخاوف عالمياً بشأن سلامة لقاحات "كورونا"، إذ يعمل الباحثون في دول كثيرة بوتيرة تُعتبر سابقة، تتأثر بضغوط سياسية وبحاجة ملحّة للقضاء على الجائحة التي أسفرت عن وفاة أكثر من مليون شخص.
وأضافت الوكالة أن مسؤولين وشركات في الصين يقولون إن لقاحاتهم اعتُبرت آمنة. وذكرت تلك الشركات أنها لم تلحظ سوى تأثيرات خفيفة حتى الآن، مثل الحمّى، والألم في مواقع الحقن، والحكّة، والتعب والدوخة، وهي أعراض تتفق مع لقاح الإنفلونزا العادي.
تقنيات مختلفة
وشدد ناطق باسم شركة "سينوفاك بايوتيك" الصينية على أن عدم وجود أي تقارير عن تأثيرات جانبية خطرة، لا يعني أن الشركة لا تتحلّى بالشفافية. وأضاف أن الأساليب المختلفة المُستخدمة لتطوير اللقاحات، تؤدي إلى اختلافات في الأحداث السلبية. وتابع أن دراسات في مراحل مبكرة أجرتها الشركة، أثبتت أن للقاحات التي تختبرها معدلاً منخفضاً من الأحداث السلبية.
وكانت شركة "كانسينو بيولوجيكس" الصينية، التي تطوّر لقاحاً مشابهاً لذاك الذي تختبره شركتا "أسترازينيكا" و"جونسون أند جونسون"، أفادت في أكتوبر الماضي بأن لا ردود فعل سلبية خطرة بين المشاركين في التجارب السريرية.
لكن وليام هاسيلتاين، وهو باحث سابق بكلية الطب في "جامعة هارفرد"، ويرأس منظمة لا تبغي الربح وأدى دوراً أساسياً في فهم فيروسات جديدة، بما في ذلك "نقص المناعة البشرية المكتسبة" المسبّب لمرض "الإيدز"، نبّه إلى أن "أي بيان يوضح أنك لقحت أكثر من 100 ألف شخص ولم ترَ أي تأثيرات جدية أو خطرة، لا يمكن أن يكون صحيحاً".
وتابع في إشارة إلى الصينيين: "إذا أرادوا أن تحظى لقاحاتهم بصدقية دولية، فعليهم أن يكونوا صريحين. إذا كان هناك أي بلد في العالم لديه متسع من الوقت للتأكد من أن اللقاح آمن وفعال، فهو الصين".
في السياق ذاته، لفت إزيكييل إيمانويل، نائب عميد المبادرات العالمية والمدير المشارك لـ "معهد تحويل الرعاية الصحية" في "جامعة بنسلفانيا"، إلى تساؤلات بشأن طريقة إعداد بعض الدراسات الصينية. وزاد: "هناك شكّ وتردّد مناسبان، بشأن ما إذا كان عليك تبنّيها".
ظروف تطوير اللقاحات
ويستغرق تطوير اللقاحات سنوات، لكن هذه العملية تُقلّص الآن إلى شهور، في العالم وليس فقط في الصين. ومع ذلك، نبّه كينش إلى أن الأمر قد يستغرق أحياناً 3 أو 4 أشهر، وفي حالات نادرة سنوات، كي يُظهِر جهاز المناعة تأثيرات لمواد سامة، وأي ضرر ناتج عن التطعيم.
وأفادت "بلومبرغ" بأن أحدث قواعد تطبّقها الصين، تتطلّب إبلاغ الهيئات المنظمة عن الأحداث السلبية الخطرة المشبوهة وغير المتوقعة في التجارب السريرية. ولكن ليس إلزامياً على شركة صينية إبلاغ المواطنين بهذه المشكلات، أو تجميد التجارب ذات الصلة.
وأضافت الوكالة أن مصطلح الحدث السلبي يمكن أن يشمل مسائل كثيرة، بما في ذلك الحمّى والألم والحكّة، ومشكلات أكثر خطورة، مثل السرطان والنوبات القلبية وحتى الموت. واستدركت أن ذلك لا يعني بالضرورة أن اللقاح محكوم عليه بالفشل، إذ تُقيّم فوائد كل جرعة، في مقابل أخطارها. ولفتت الوكالة إلى تأثيرات جانبية شديدة قد تحدث، وإن كانت نادرة، بعد الموافقة على اللقاح وتوزيعه على السكان.
واستأنفت "أسترازينيكا" و"جونسون أند جونسون" اختباراتهما، بعد توقف وجيز، فيما خلص منظمون وخبراء من خارج الشركتين، إلى أن الأمراض غير المبررة التي أصابت متطوعين، لم تنجم عن التطعيمات.
"قرية صغيرة"
ونقلت "بلومبرغ" عن بول ستوفيلز، أبرز المسؤولين العلميين في "جونسون أند جونسون"، قوله: "عندما يكون لدينا 60 ألف شخص (في تجربة سريرية)، إنها (بمنزلة) قرية صغيرة، تحدث أشياء فيها".
أما دينغ شنغ، مدير "معهد اكتشاف الأدوية الصحي العالمي" (مقرّه بكين)، فلفت إلى أن غياب التأثيرات السلبية الشديدة لدى الشركات الصينية ليس أمراً سيئاً بالضرورة. وأضاف أن برامج الاستخدام الطارئة تختلف عن التجارب الخاضعة للرقابة، وتابع أن اللقاحات الموزعة على نطاق واسع "لا تعني بالضرورة حدوث أشياء سيئة".
واستدرك أن ثمة أسئلة بشأن كيفية تقييم الأشخاص في تلك البرامج، وزاد: "إذا أمكنهم أن يكونوا أكثر شفافية بشأن كيفية فعل ذلك، فسيكون ذلك على الأرجح ضماناً أفضل".
وكان تشينغ تشونغوي، المشرف على تطوير لقاح لـ "كورونا" في لجنة الصحة الوطنية الصينية، قال في أكتوبر الماضي إنه لم ترد تقارير عن أحداث سلبية خطرة في برنامج الاستخدام الطارئ حتى الآن، مشيراً إلى وجود نظام تتبع للمتابعة.
لكن "بلومبرغ" نقلت عن مقيم في بكين قوله إنه تلقى حقنتين من لقاح للفيروس هذا العام، كما أُخضعت أسرته لتطعيم. وأضاف أنه لم يواجه أي تأثيرات سلبية، مستدركاً أنه لم تكن هناك متابعة بعد التطعيم.
وذكرت الوكالة أن شركات "موديرنا" و"بفايزر" و"أسترازينيكا" و"جونسون أند جونسون"، التي تجري اختبارات المرحلة النهائية لإنتاج لقاح، نشرت بروتوكولات مفصّلة، تتضمّن الأساليب والإجراءات المتبعة في تلك التجارب. في المقابل، أعلنت "سينوفاك"، وهي واحدة من 3 شركات صينية تجري الآن اختبارات المرحلة الثالثة، أنها ستتيح بروتوكولها للعامّة. ويعني ذلك أن الأكاديميين المستقلين لن تكون لديهم طريقة لتقييم مدى جودة بعض التجارب الصينية، في مراحلها المتأخرة.