لا تكتفي البكتيريا والجراثيم الأخرى بالانتقال إلى أجسادنا عبر ملامستنا الأسطح الملوثة أو استنشاقنا للهواء المحمّل بالرذاذ، بل تجلس بصمت على أطعمتنا، تتحين الفرصة التي تدخل فيها إلى أجهزتنا الهضمية حيث بيئتها المفضلة، مسببة بذلك ما يعرف بالتسمم الغذائي.
أسباب حدوث التسمم الغذائي
يحدث التسمم الغذائي نتيجة تناول طعام أو ماء ملوث بالكائنات الدقيقة الممرضة أو السموم التي تنتجها البكتيريا، أو نتيجة تناول السموم النباتية أو الحيوانية، وغالباً ما يتم الكشف عن حالات التسمم الغذائي عند ظهور الأعراض المرضية على شخصين أو أكثر قد تناولوا وجبة الطعام ذاتها معاً.
ويتم تحديد المسبب الجرثومي لها عن طريق أخذ عينات من البراز للبحث عن بيوض الطفيليات، وخلايا الدم البيضاء.
ولا يقتصر التسمم الغذائي على ما تُسببه الكائنات الدقيقة من تهيجات، فقد يحدث نتيجة ابتلاع مواد كيميائية قوية، كالبنزين، والمنظفات، والمبيدات الحشرية. ورغم أنه لا يستمر طويلاً، وللجسم قدرة على التخلص منه من دون علاجات دوائية، إلا أن أعراضه قوية إلى حد ما، وقد تتبعها مضاعفات خطيرة، لا بد وأن تكون على دراية بها، وبطرق الوقاية الصحيحة منها.
أعراض ومخاطر الإصابة بالتسمم الغذائي
تظهر الأعراض على 3 أعضاء وأجهزة مختلفة في الجسم، وقد تُهدد أدائها لوظائفها بشكل طبيعي، كما يلي:
● الجهاز الهضمي العلوي
من أكثر أعراض التسمم الغذائي وضوحاً على الجهاز الهضمي العلوي هما الغثيان والتقيؤ، وهنا يجدر بالمصاب الانتباه إلى عدد مرات التقيؤ وكميته، ليتمكن الطبيب من حصر الاحتمالات وطلب الفحص المخبري بدقة.
● الأمعاء الدقيقة
تتمثل الأعراض بالإسهال، والذي يقوم الطبيب بتحديد ما إذا كان التهابياً أم لا، عن طريق طرح عدة أسئلة على المصاب، ثم طلب الفحوصات المخبرية الدقيقة لتحديد المسبب بناءً على نتائج الفحص السريري. وقد يؤدي الإسهال الشديد في بعض الحالات إلى الجفاف، مسبباً بذلك حالة أكثر تعقيداً، خاصة إذا تم تجاهلها وعدم علاجها بتعويض السوائل تحت الإشراف الطبي.
كما أن السلالات العنيفة من بكتيريا "E-Coli" المنقولة عبر الأطعمة الملوثة بالفضلات، تُسبب التهاب القولون النزفي، ومتلازمة فشل الكلى والتي تسبب فقر الدم الشديد، وتشكل خطراً على حياة الأطفال والمسنين، وقد اكتُشفت في بعض منتجات اللحم المفروم، والأطعمة النباتية، والحليب غير المبستر.
● الجهاز العصبي
عندما تظهر أعراض التسمم الغذائي على الجهاز العصبي مع أو من دون أعراض في الجهاز الهضمي، يكون السبب في الغالب تناول الزعتر السام أو بعض النباتات الأخرى (الفطر، أو الفاصولياء، أو نبتة الهالوك المائية، أو العلاجات العشبية). وقد تتطلب الحالة النقل إلى المستشفى لتقييم وضع المصاب، إذ قد تظهر عليه علامات الصدمة، والجفاف الشديد، وعدم القدرة الكاملة على التفكير، أو قد يُعاني اضطرابات مختلفة في وظائف الجسم.
الوقاية من التسمم الغذائي
يُمكنك تجنّب البكتيريا والجراثيم المنقولة عبر الطعام الملوّث بشكل كامل عن طريق اتباع الخطوات التالية:
● اغسل يديك جيداً بالماء والصابون أثناء تحضير الطعام.
● قم بتعقيم الأسطح وأدوات الطبخ قبل الطهي.
● عقّم أدوات الطهي المستخدمة في تقطيع اللحوم، ويُفضّل فصلها عن تلك التي تستخدمها في تقطيع الخضروات.
● استخدم مواد تعقيم مخصصة لهذا الغرض فقط، وتجنّب استخدام مواد التنظيف غير المخصصة لملامسة الطعام، إذ تكون سامة بالنسبة للجسم.
● قم بتجميد اللحوم التي تريد طهوها لاحقاً في المجمّد بشكل مباشر، ولا تتركها مكشوفة لفترة طويلة على الأسطح في المطبخ أو حتى في الثلاجة.
● حاول إذابة اللحوم المجمدة في الثلاجة على مدار 12-24 ساعة قبل الطهي، بدلاً من وضعها بدرجة حرارة الغرفة.
● امنع ملامسة اللحوم النيئة للأطعمة الأخرى في الثلاجة، وخاصة تلك التي لا تطهى، كالفواكه.
● لا تضع الأطعمة في الأواني التي تضع فيها اللحوم النيئة أبداً.
● قم بطهي اللحوم الحمراء، حتى تصل درجة حرارتها الداخلية إلى 71.1 درجة مئوية، والدواجن حتى تصل درجة حرارتها الداخلية إلى 82.2 درجة مئوية.
● أدخل الأطعمة المطهية إلى الثلاجة بعد أن تبرد تماماً، أو بعد ساعتين من طهوها، ولا تتركها على درجة حرارة الغرفة بعد الانتهاء من تناول الطعام.
أما عن الوقاية من التسمم بالمواد الكيميائية، فهذا يعتمد على تخزينها في المكان الصحيح بعيداً عن متناول الأطفال، وعدم تغيير علبها إلى علب أخرى قد يتناولها أحدهم عن طريق الخطأ.
تعقيم الطعام بالإشعاع
وفي صدد الحديث عن التسمم الغذائي، من الجدير أن نذكر التعقيم بالإشعاع كواحد من أهم الوسائل التي عرفها التاريخ في مجال تعقيم الأطعمة.
وثارت موجة كبيرة من التساؤلات والتحفظات تجاه الأطعمة المعقمة بالإشعاع ومدى سلامة تناولها منذ بدأ اعتمادها في أواخر القرن الـ20 للوقاية الطعام من الجراثيم. وهنا نوّد لفت نظرك لمدى دقة الاختبارات التي أُجريت على الأطعمة المعقمة بالإشعاع على مدار 40 عاماً كاملة قبل أن توافق عليها إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA). وتم اعتماد الإشعاع لتعقيم الأطعمة المختلفة في 38 دولة على فترات متفاوتة حسب الجدول الزمني التالي:
- طحين والبطاطا في عام 1963.
- التوابل والبهارات والفواكه الطازجة والمواد الجافة أو المجففة في عام 1986.
- الدواجن في عام 1990.
- اللحوم الحمراء في عام 1997.
وبمصادقة منظمة الصحة العالمية (WHO)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وغيرها من الجهات الصحية الرسمية، تم تأكيد فعالية إشعاع الطعام كوسيلة للبسترة الباردة للسيطرة على الأمراض المنقولة عبر الطعام، والتي تسببها الكائنات الدقيقة الممرضة والديدان الطفيلية.
كما تم فرض قواعد تضمن تطبيق عملية التعقيم بالإشعاع بحسب المعايير التي صادقت عليها الجهات المذكورة أعلاه، وبذلك يعتبر تعقيم الطعام بالإشعاع آمناً، ولا يؤثر بشكل ملحوظ على القيمة الغذائية للطعام. بالتالي، يُحَافَظ على طعم ورائحة طبيعية للحوم، وحمايتها من المستعمرات البكتيرية والفطرية.
هل أصبتَ بالتسمم الغذائي من قبل؟
إذا خضت هذه التجربة بالفعل، فأنتَ تدرك مدى أهمية العناية الكبيرة بنظافة الأطعمة في المنزل، والحذر في انتقاء المطاعم والمحال التجارية المختصة ببيع الأطعمة. كما ننصحك بأن تُولي اهتماماً كبيراً في نوعية الأطعمة التي يتناولها أطفالك، وأقاربك من كبار السن، أو المصابين بالأمراض المناعية، فهم الأكثر عرضة للمضاعفات الشديدة التي قد تتلو الإصابة بالتسمم الغذائي. لذا اتبع النصائح المذكورة في هذا المقال وساعد عائلتك على تطبيقها.