أوروبا حائرة بشأن جدية ستارمر في "إعادة ضبط" العلاقة مع بروكسل

المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يحضران مؤتمراً صحافياً في برلين. 28 أغسطس 2024 - reuters
المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يحضران مؤتمراً صحافياً في برلين. 28 أغسطس 2024 - reuters
دبي-الشرق

بينما يصرح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بأنه يرغب في "إعادة ضبط" العلاقة بين بريطانيا وأوروبا، إلا أن بروكسل بدأت تتساءل عما إذا كان رئيس الوزراء الذي تولى منصبه قبل شهرين، يعني ذلك حقاً.

وقال مسؤولون ودبلوماسيون أوروبيون لمجلة "بوليتيكو" إن شكوكهم "تتزايد" في أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد - بعيداً عن أدبيات الخطاب الحميمي - يحرص بالفعل على التراجع عن الصدع الذي تركه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وكان لرفض ستارمر السريع لأولويات الاتحاد الأوروبي، مثل وضع خطة لتنقل الشباب بين الاتحاد وبريطانيا عبر برنامج تأشيرات ميسرة، والعودة إلى برنامج إيراسموس للتبادل الطلابي، "وقعاً سيئاً" في العواصم الأوروبية، وأثراً سلبياً على حالة التفاؤل المبكر التي أحاطت ببروكسل بشأن الحكومة البريطانية الجديدة.

وبعد انتخابه رئيساً للحكومة في مطلع يوليو الماضي، ارتفعت الآمال في القارة بأن ستارمر سينتهج مقاربة مختلفة عن أسلافه المحافظين. ولكن مسؤولاً رفيع في الاتحاد الأوروبي قال لـ"بوليتيكو" إنه "في ما يتعلق بالخطاب، كان النهج البريطاني الجديد إيجابياً نسبياً".

وأضاف أن "المشكلة تكمن في أن الناس بدأوا يعتقدون أن ما يعلنه رئيس الوزراء البريطاني مجرد واجهة، لأنه عندما تنتقل إلى ملفات محددة، سواءً كانت متعلقة بتنقل الشباب أو برنامج إيراسموس، فإن الإجابة تأتي دائماً بالنفي".

وقال دبلوماسي أوروبي طلب من "بوليتيكو" عدم الكشف عن هويته، إن عدم اهتمام الحكومة الجديدة بالعودة إلى برنامج إيراسموس، كان ملحوظاً في بروكسل، ولم يكن له وقع جيد في أوروبا وبين الدول الأعضاء.

وتنظر العواصم الأوروبية إلى العودة إلى برنامج التبادل الطلابي باعتبارها "ثمرة قريبة"، يتوقعون من الحكومة البريطانية المؤيدة لأوروبا أن تنقض لقطفها. وقال المسؤولان إنهما فوجئا بالتجاهل.

وذكر الدبلوماسي الثاني أن "الخطاب البناء أمر جيد للغاية، ولكن مع عدم تغير أي شيء بالأساس في الموقف البريطاني، فأنا لا أرى كيف يمكن أن يتغير الوضع الراهن".

قيود ستارمر  

وكانت بروكسل تدرك دائماً أن الخطوط الحمراء التي وضعها ستارمر، والتي تتمثل في عدم إقامة سوق واحدة أو اتحاد جمركي أو حرية حركة، تستبعد إقامة علاقة وثيقة حقاً مع بريطانيا؛ على غرار تلك التي نشأت في النرويج أو آيسلندا.

ولكن الأمل كان يكمن في أن يتم تحقيق الحد الأقصى في إطار هذه الحدود التقييدية؛ التي وُضعت لتجنيب حزب العمال أي انتقادات يمكن أن تتهمه بتحدي نتيجة استفتاء عام 2016. ولكن بدلاً من ذلك، منذ توليه منصب رئيس الوزراء، بدا أن القيود السياسية التي يفرضها ستارمر "تزداد صرامة".

وقال الدبلوماسي الأوروبي إن البيان العام غير الرسمي، الذي صدر في وقت سابق من العام الجاري، بأن حزب العمال "ليس لديه خطط" لبرنامج تنقل الشباب تطور إلى وجهة نظر "سلبية للغاية" في الاجتماعات التي تُعقد خلف الكواليس.  

ووقع مسؤولو الاتحاد الأوروبي في حيرة شديدة؛ بسبب رد الفعل السلبي من جانب كبار الشخصيات في حزب العمال على فكرة منح الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً تأشيرات ميسورة التكلفة للعيش في الخارج لمدة تصل إلى أربع سنوات، إلى حد أنهم اعتقدوا أنه لا بد أن يكون هناك "درجة ما من الارتباك" بشأن هذا الاقتراح في الجانب البريطاني.

وعندما تم الضغط عليه علناً بشأن برنامج تنقل الشباب، شبّه ستارمر الفكرة بالعودة إلى حرية التنقل التي يعارضها. وإدراكاً منها لحذر زعيم حزب العمال من المشاركة في أي شيء يمكن أن يعزز موقف حزب الإصلاح المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمناهض للهجرة، والذي حصل على دعم كبير في معاقل حزب العمال التقليدية؛ تعكف العواصم الأوروبية الآن على إعادة النظر في خطة المفوضية على أمل التوصل إلى شيء قد يحظى بموافقة رئيس الوزراء البريطاني.

 

وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية لـ"بوليتيكو": "كانت لدينا مشاركة إيجابية للغاية في محادثاتنا المبكرة، إذ نعمل على إعادة ضبط العلاقة مع أصدقائنا الأوروبيين لتعزيز العلاقات، والتوصل إلى اتفاقية أمنية موسعة، ومعالجة الحواجز التي تعوق حركة التجارة".

ماذا تريد بروكسل؟

أشارت "بوليتيكو" إلى أن ستارمر لديه أيضاً "أولويات والتزامات" أخرى، من شأنها أن تقرب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إذ يريد التوصل إلى اتفاقية بيطرية للحد من البيروقراطية على الحدود، والاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية لمساعدة قطاع الخدمات البريطاني على القيام بأعمال تجارية بالخارج، والحد من القيود المفروضة على تجول الفنانيين البريطانيين في القارة.

وعلى الجانب الآخر من القنال الإنجليزي، يشعر الأوربيون بالقلق من عدم إدراك رئيس الوزراء البريطاني أن الاتحاد الأوروبي له أيضاً أولوياته الخاصة، ومن بين هذه الأولويات تبرز مسألة تنقل الشباب باعتبارها أكبر "مقايضة".

وبعد جولته في العواصم الأوروبية لإيصال رسالته عن "إعادة ضبط" العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ربما لم تكن مسألة تنقل الشباب هي البداية التي أرادها ستارمر.

وأثارت هذه الزيارات ذاتها شكوك بروكسل في أن لندن ربما تحاول إيجاد طرق للالتفاف على المفوضية الأوروبية، من خلال الذهاب مباشرة إلى العواصم الوطنية، ما وصفته "بوليتيكو" بأنه "مصدر قلق دائم لدى الاتحاد الأوروبي في تعامله مع القادة البريطانيين".

ووصف مسؤول في الاتحاد الأوروبي فكرة إمكانية تجاوز بروكسل بأنها "غير دقيقة على الإطلاق" و"خاطئة من الناحية القانونية"، وحذر من أن الدول الأعضاء من المرجح أن يكون لها في كل الأحوال "تأثير شبه معدوم" بالنظر إلى أن مهمة التفاوض قد تم تحديدها بالفعل.

ولم يلتق ستارمر بعد رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي لا تزال مشغولة بتشكيل مفوضيتها الجديدة، ومن غير المرجح أن تحصل على توقيع البرلمان الأوروبي حتى ديسمبر.

كما تم تأجيل خطط لقاء الزعيمين في أغسطس أو سبتمبر، إلى وقت لاحق في الخريف أو الشتاء، وسط جدول مزدحم لدى بروكسل.

وأكد مسؤولون في الاتحاد الأوروبي لـ"بوليتيكو"، أن عدم عقد الاجتماع "ليس تجاهلاً"، مشيرين إلى أن "فون دير لاين ليس لديها وقت لمقابلة أحد في الوقت الحالي، إذ عليها أن تشكل هيئة المفوضية"، وأضافوا أن رئيسة المفوضية الأوروبية "لن يكون لديها ما تقوله" حتى تنتهي من تشكيل مفوضيتها على أية حال.

انتظار تشكيل المفوضية

وقال أناند مينو، مدير الشؤون البريطانية في مركز أبحاث أوروبا المتغيرة، إن بروكسل يجب أن تنتظر حتى تبدأ المفاوضات بالفعل، قبل الحكم على ما ستقبله أو لا تقبله المملكة المتحدة.

وأضاف أن "المملكة المتحدة ليس لديها من تتفاوض معه حتى يتم تشكيل المفوضية الجديدة".

وشدد مينو على أن المسؤولين "ربما يحتاجون إلى تهدئة الأمور قليلاً"، و"ربما يتحركون على صعيد تعيين مسؤول تنفيذي".

وفي العلن، فإن الأجواء المحيطة بإعادة ضبط العلاقة بين بريطانيا وبروكسل لا تزال إيجابية، حيث يستعد الوزراء البريطانيون للقيام بالمزيد من الزيارات إلى القارة في غضون الأشهر المقبلة.

ورغم ذلك، ربما تكون هناك مشكلة في المستقبل "إذا لم تتحول هذه السرديات إلى أفعال لدى انتقالنا من الخطاب إلى العمل"، حسبما حذر المسؤول الرفيع في الاتحاد الأوروبي. وأضاف: "وإذا لم يحدث ذلك، فإن إعادة الضبط التي يبشر بها ستارمر قد تبدو وكأنها مجرد تكرار للسنوات الثماني الماضية".

تصنيفات

قصص قد تهمك