أدانت الحكومة الكورية الجنوبية نشر جارتها الشمالية لصور نادرة من منشأة سرية لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب الذي يُستخدم في تصنيع الأسلحة النووية، فيما رجح خبراء أن الخطوة تهدف إلى "الضغط" على واشنطن قبل نحو شهرين من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفق وكالة "أسوشيتد برس".
وأشارت الوكالة الأميركية إلى أن الصور وفرت لمحة نادرة عن منشأة سرية لإنتاج اليورانيوم، في الوقت الذي زار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون المنطقة، ودعا إلى تعزيز الجهود لزيادة عدد الأسلحة النووية "بشكل كبير".
ورجحت أن هذا الكشف الأخير ربما يكون محاولة "لممارسة المزيد من الضغط" على الولايات المتحدة وحلفائها، لافتة إلى أن الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية للمنطقة يمكن أن توفر "مصدراً قيماً للمعلومات" لتقدير حجم المواد النووية التي أنتجتها البلاد.
وقالت "أسوشيتد برس" إنه من غير الواضح ما إذا كانت المنشأة تقع في مجمع "يونجبيون" النووي الرئيسي في شمال البلاد، لكنها أول مرة تكشف فيها بيونج يانج بشكل علني عن منشأة لتخصيب اليورانيوم منذ أن عرضت واحدة في "يونجبيون" لوفد من العلماء الأميركيين أثناء زيارتهم للبلاد في عام 2010.
سول تنتقد بيونج يانج: "تهديد خطير"
من جانبها، أدانت الحكومة الكورية الجنوبية بشدة كوريا الشمالية بعد أن كشفت عن منشأة لتخصيب اليورانيوم، وأمر زعيمها كيم جونج أون ببذل كل الجهود لإنتاج المواد النووية للأسلحة النووية التكتيكية.
وقالت وزارة الوحدة في بيان، الجمعة، إن تطوير كوريا الشمالية غير القانوني للأسلحة النووية يشكل "انتهاكاً واضحاً للعديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتهديداً خطيراً للسلام في شبه الجزيرة الكورية والعالم".
وشددت على أنه ينبغي على كوريا الشمالية أن تدرك بوضوح أن كوريا الجنوبية والمجتمع الدولي لن يتسامحا أبداً مع حيازة بيونج يانج للأسلحة النووية تحت أي ظرف من الظروف.
وأضافت الوزارة: "أي تهديد أو استفزاز نووي من جانب كوريا الشمالية سيقابل برد قوي وساحق من حكومتنا وجيشنا، استناداً إلى الردع القوي الموسع للتحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة".
وتابعت: "يجب على النظام الكوري الشمالي أن يدرك مرة أخرى أنه لا يمكن تحقيق أي شيء بالأسلحة النووية، وينبغي عليه أن يسير بسرعة على طريق الحرية وسبل العيش والسلام للشعب الكوري الشمالي".
وحضت الوزارة كوريا الشمالية على الاستجابة الفورية لحوار نزع السلاح النووي الذي اقترحته الحكومة الكورية الجنوبية.
فيما نقلت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب"، عن مسؤول رئاسي رفيع المستوى لم تذكر اسمه، قوله إن كوريا الجنوبية تحاول معرفة غرض بيونج يانج من كشفها عن منشأة تخصيب اليورانيوم لأول مرة.
وأثار هذا الكشف، الذي ورد، في تقرير لوسائل الإعلام الرسمية عن زيارة الزعيم كيم جونج أون للمنشأة، القلق من أن يكون ذلك مقدمة لقيام بيونج يانج بما سيكون تجربتها النووية السابعة.
وأضاف المسؤول: "نحن نحاول معرفة غرض الشمال من هذا الكشف، بينما نراقب ونحلل الوضع العام في كوريا الشمالية. ويمكن أن يكون توقيت التجربة النووية مختلفاً اعتماداً على قرار القيادة الكورية الشمالية".
وأشار المسؤول إلى أنه من المتوقع أن "تزن كوريا الشمالية عدة عوامل مختلفة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية الأميركية، في تحديدها لتوقيت التجربة النووية".
وتابع: "مع وضع كل الاحتمالات في الاعتبار، فإن سلطات الاستخبارات الكورية الجنوبية والأميركية تتعقب الشمال عن كثب".
كيم جونج أون: "دفاع عن النفس"
وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية في وقت سابق، الجمعة، أن كيم أعرب خلال زيارته لمعهد الأسلحة النووية وقاعدة إنتاج المواد النووية الصالحة لصنع السلاح عن "رضاه الكبير، بشكل متكرر، عن القوة التقنية الرائعة في مجال الطاقة النووية" التي تمتلكها كوريا الشمالية.
وقالت الوكالة الكورية إن كيم تجوّل في غرفة التحكم في مركز تخصيب اليورانيوم وموقع البناء الذي سيجري توسيع قدرته على إنتاج الأسلحة النووية.
وأظهرت صور وسائل الإعلام الرسمية الكورية الشمالية زعيم البلاد، وهو يتلقى إحاطة من العلماء أثناء سيره بجانب خطوط من الأنابيب الرمادية الطويلة، لكن الوكالة الكورية لم توضح تاريخ زيارة كيم للمنشأة أو مكانها.
وأشارت الوكالة إلى أن كيم أكد على ضرورة زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي من أجل زيادة الأسلحة النووية بشكل كبير لغرض "الدفاع عن النفس"، وهو الهدف الذي ذكره مراراً في السنوات الأخيرة، كما أمر المسؤولين بالمضي قدماً في إدخال نوع جديد من أجهزة الطرد المركزي، والذي وصل إلى مرحلته الأخيرة.
وقال الزعيم الكوري الشمالي إن بلاده تحتاج إلى قدرات دفاعية وهجومية أكبر، لأن "التهديدات النووية التي تشنها القوى التابعة للإمبرياليين الأميركيين ضدها أصبحت أكثر وضوحاً، وتجاوزت الخط الأحمر"، حسبما ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية.
وأضافت الوكالة أنه أشرف أيضاً على تجربة إطلاق نوع جديد من قاذفات الصواريخ المتعددة الفوهات عيار 600 مليمتر.
وذكرت الوكالة أن كيم زار أيضاً معهد الأسلحة النووية وقاعدة إنتاج المواد النووية المخصبة بدرجة تصلح لصنع أسلحة، ووضع خطة طويلة الأجل لزيادة إنتاج مثل هذه المواد.
ونقلت الوكالة عن كيم قوله إنه شعر "بالقوة" لرؤية موقع العمل خلال الزيارة، دون أن يوضح التقرير موعد الزيارة.
"مصدر قيم للمعلومات"
وكانت كوريا الشمالية عرضت لأول مرة موقعاً لتخصيب اليورانيوم في "يونجبيون" للعالم الخارجي في نوفمبر 2010، عندما سمحت لوفد زائر من علماء جامعة "ستانفورد" الأميركية، بقيادة عالم الفيزياء النووية سيجفريد هيكر، بجولة في منشأة لأجهزة الطرد المركزي الخاصة بها، وورد أن مسؤولي البلاد أبلغوا هيكر آنذاك أنه قاموا بتركيب وتشغيل 2000 جهاز طرد مركزي في "يونجبيون".
وأظهرت صور أقمار اصطناعية خلال السنوات الأخيرة أن كوريا الشمالية تعمل على توسيع منشأة لتخصيب اليورانيوم في مجمعها النووي في يونجبيون، ويمكن تصنيع الأسلحة النووية باستخدام اليورانيوم أو البلوتونيوم عالي التخصيب، ولدى بيونج يانج منشآت لإنتاج كليهما في يونجبيون.
وليس من الواضح كمية البلوتونيوم الصالحة للاستخدام في الأسلحة أو اليورانيوم عالي التخصيب التي تم إنتاجها في يونجبيون أو المكان الذي تخزنه فيه كوريا الشمالية.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن أنكيت باندا، وهو خبير في "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي"، قوله: "بالنسبة للمحللين خارج البلاد، فإن هذه الصور المنشورة ستوفر مصدراً قيماً للمعلومات لتصحيح افتراضاتنا حول كمية المواد التي قد تكون كوريا الشمالية جمعتها حتى الآن".
وأضاف: "بشكل عام، يجب ألا نفترض أن كوريا الشمالية ستظل مقيدة كما كانت في السابق بالقيود المفروضة على المواد الانشطارية، وهذا ينطبق بشكل خاص على اليورانيوم عالي التخصيب، والذي تبدو بيونج يانج أقل تقييداً بشكل كبير في قدرتها على التوسع في إنتاجه مقارنة بالبلوتونيوم".
وفي عام 2018، قدَر هيكر وعلماء جامعة "ستانفورد" الأميركية أن مخزون اليورانيوم عالي التخصيب في كوريا الشمالية كان يتراوح بين 250 و500 كيلوجرام، وهو ما يكفي لصنع 25 إلى 30 سلاحاً نووياً.
محاولة "للضغط" على واشنطن
ورجح خبراء أميركيين وكوريين جنوبيين أن بيونج يانج تدير سراً منشأة أخرى، على الأقل، لتخصيب اليورانيوم، وفي عام 2018، أخبر مسؤول كوري جنوبي كبير برلمان البلاد أن كوريا الشمالية ربما تكون صنعت بالفعل ما يصل إلى 60 جهازاً نووياً، وتتراوح التقديرات بشأن عدد القنابل النووية التي يمكن لبيونج يانج إضافتها كل عام، من 6 إلى ما يصل إلى 18.
ومنذ عام 2022، زادت كوريا الشمالية بشكل حاد من أنشطة اختبار الأسلحة لتوسيع وتحديث ترسانتها من الصواريخ النووية التي تستهدف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
ويقول محللون إنها ربما تجري تفجيرات تجريبية نووية أو اختبارات صواريخ بعيدة المدى قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل بهدف التأثير على النتيجة، وتعزيز نفوذها في التعاملات المستقبلية مع الأميركيين.
وكانت كوريا الشمالية أجرت تجارب إطلاق صواريخ باليستية قصيرة المدى متعددة الخميس، وفي إشارة واضحة إلى تلك التجارب، قالت وكالة الأنباء المركزية الكورية إن كيم أشرف على اختبار إطلاق صواريخ متعددة عيار 600 ملم قادرة على حمل رؤوس نووية لفحص أداء مركبات الإطلاق الجديدة.