مزاعم "تصويت المهاجرين غير الشرعيين" تهدد أميركا بـ"إغلاق حكومي"

مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن الذي يضم الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب. 24 فبراير 2024 - AFP
مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن الذي يضم الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب. 24 فبراير 2024 - AFP
واشنطن-عزيز عليلو

عادة ما ترتكز "المعركة السنوية" بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس بشأن تمويل حكومة الولايات المتحدة على الإنفاق الفيدرالي، إلا إنها تتزامن هذا العام مع انتخابات رئاسية حاسمة، الأمر الذي جعل التركيز يتوجه نحو قواعد تصويت الناخبين لاختيار الرئيس القادم. فهذا التحول أصبح يهدد باحتمال دخول واشنطن في إغلاق حكومي، قبل موعد الانتخابات.

الجمهوريون يسعون داخل "النواب" بقيادة، رئيس المجلس مايك جونسون، لتمرير مشروع قانون مؤقت لتمويل الحكومة حتى مارس 2025، ويربطه بقانون حماية أهلية الناخب الأميركي المثير للجدل المعروف باسم save act، والذي يفرض على الناخبين إثبات حيازتهم الجنسية عند التصويت في الانتخابات هذا العام.

هذا القانون أصبح نقطة خلاف رئيسية في مفاوضات تمويل الحكومة، مع تعهد الديمقراطيين، الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ، بعدم طرحه على التصويت حال مرره مجلس النواب، معتبرين أن طرح هذا التشريع يرمي إلى تقويض ثقة الأميركيين في الانتخابات.

وفي قلب هذا الصراع، يحض المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب، الجمهوريين في الكونجرس على رفض أي اتفاق لتمويل الحكومة لا يشمل قانون التصويت، ولو كلف ذلك دخول البلاد في إغلاق حكومي.

وحذّر خبراء من أن هذه الخلافات "العميقة" قد تدفع البلاد إلى إغلاق حكومي، في حال عدم توصل الحزبين إلى اتفاق قبل الموعد النهائي لتمويل الحكومة الفيدرالية قبل الأول من أكتوبر المقبل.

"معركة برهانات انتخابية"

ومع دخول الأمتار الأخيرة في العام الانتخابي، كل شيء يتعلق بالتوقيت. قال الخبير الاستراتيجي الجمهوري فيل كيربن، في حديث مع "الشرق"، إن مفاوضات تمويل الحكومة فرصة لا يمكن تفويتها من أجل تسجيل نقاط سياسية بملف الهجرة ونزاهة الانتخابات، إذ تحظى هذه المفاوضات باهتمام واسع لدى ملايين الأميركيين الذين قد يتأثرون من الإغلاق الحكومي.

وأضاف كيربن أن هذا الجدل الذي يثيره الجمهوريون يهدف إلى كشف ما وصفه بـ"الموقف المتطرف" للديمقراطيين إزاء قضية تصويت غير الأميركيين في الانتخابات، موضحاً أن "الديمقراطيين يعارضون بشدة شرط إثبات الجنسية للتصويت.. إنها فرصة للجمهوريين لجعلهم يتحدثون عن المسألة وفضح تطرف هذا الموقف، وتصويرهم على أنهم يدافعون على تصويت غير الأميركيين".

ويرى ترمب وحلفاؤه الجمهوريين أن قانون إثبات الجنسية أداة ضرورية لمنع "الاحتيال الانتخابي"، والذي كان حجر الزاوية في خطاب ترمب السياسي، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى أن التصويت غير القانوني من قبل غير المواطنين نادر للغاية، وفق تدقيق أجرته وكالة "أسوشيتد برس".

وأمرت عدة ولايات جمهورية، بمراجعات لسجلات الناخبين، وأصدروا أوامر تنفيذية، ووضعوا تعديلات دستورية على بطاقات الاقتراع الخاصة بالولايات كجزء من التركيز على إحباط تصويت غير المواطنين. غير أن المعركة الحالية تدور على إقرار قانون فدرالي يتضمن مثل هذه الإجراءات، ويسري على جميع الولايات.

ويعتقد بعض الديمقراطيين أن هذه التدابير قد تخلق عقبات أمام الناخبين الشرعيين، لافتين إلى أنها غير ضرورية، وتؤدي إلى اعتقاد الناس بأن مشكلة تصويت غير المواطنين أكبر مما هي عليه في الواقع.

كالفين دارك، وهو استراتيجي ديمقراطي، يتفق في الرأي على أن المعركة الحقيقية في الكونجرس تدور حول التحضير للانتخابات، وليس تمويل الحكومة.

وقال لـ"الشرق" إن الجمهوريين يحاولون إيجاد فرصة للحديث أمام الكاميرات بشأن العمل الذي يحاولون القيام به لضمان نزاهة الانتخابات، "لأنهم يعلمون أن هذا الخطاب يحفز القاعدة الجمهورية، ومؤيدي ترمب، وهو أمر يساعدهم أيضاً في حملاتهم الانتخابية في الدوائر التي يترشحون فيها لعضوية مجلس النواب".

من جهته، علق الكاتب السياسي، بيتر روف، على المقترح الذي قدمه جونسون، قائلاً إن "الربط بين محاولة منع المهاجرين غير القانونيين من التصويت وبين إقرار الميزانية الفيدرالية أمر غير منطقي، حتى من الناحية السياسية"، مشيراً إلى أن الجمهوريين يبدو أنهم يريدون إغلاقاً حكومياً، بدلاً من دفع الديمقراطيين لاتخاذ قرار سياسي صعب.

وقال روف في حديث لـ"الشرق"، إن جونسون لو "أراد إجبار الديمقراطيين على اتخاذ مواقف صعبة في التصويت على مقترح الميزانية، لكان قد أدرج بنوداً صعبة تتعلق بالإنفاق، ليشمل خفضاً مهماً في الإنفاق الحكومي".

لماذا يرفض الديمقراطيون Save Act؟

وبالنسبة إلى الديمقراطيين، يُعتبر قانون Save Act شرطاً "غير قابل للنقاش" في مفاوضات تمويل الحكومة، ويعتبرونه قانوناً بدوافع سياسية يهدف إلى تقويض الثقة في إدارة الانتخابات، خصوصاً وأن هناك قوانين تُجرم تصويت غير الأميركيين في الانتخابات الفدرالية.

وينص قانون أميركي صدر عام 1996 على تجريم تصويت غير المواطنين في الانتخابات الرئاسية أو انتخابات أعضاء الكونجرس، بفرض غرامة أو السجن لمدة تصل إلى عام، كما يمكن ترحيلهم.

غير أن الخبير الاستراتيجي الجمهوري فيل كيربن، يرى أن هذه "حجة ضعيفة"، مشيراً إلى أنه بالرغم من أن حالات تصويت غير الأميركيين نادرة، "لكن عدم تعاون الديمقراطيين على وضع حد لهذا الإشكال في انتخابات تنافسية قد تُسحم بأصوات قليلة، يثير شكوكاً بشأن نزاهة الانتخابات".

في المقابل، يشرح كالفين دارك، وهو استراتيجي ديمقراطي، أن الديمقراطيين لا يمكنهم الموافقة على Save Act، في ظل وجود قوانين تحظر بالفعل تصويت المهاجرين، لأن ذلك "سيعزز الموقف الجمهوري بشأن عدم نزاهة الانتخابات".

وقال دارك لـ"الشرق"، إنه "في حال دعم الديمقراطيون قانون SAVE، يعني ذلك دعم ادعاء لا أساس له من الصحة الذي قدمه ترمب والجمهوريون بأن تصويت غير المواطنين هو قضية حقيقية أثرت على نتائج انتخابات 2020".

وأضاف: "سيتم استخدام هذا التصويت للتشكيك في انتخابات 2024، إذا خسر ترمب.. بمعنى آخر، سيقول ترمب: (انظروا، تصويت غير المواطنين مشكلة كبيرة لدرجة أن الديمقراطيين أنفسهم دعموا قانون SAVE لمعالجة هذه المشكلة).

ولفت إلى أن إقرار القانون الجديد قبل أسابيع من موعد الاقتراع، "سيتسبب في فوضى وارتباك لآلاف مجالس الانتخابات المحلية، خاصة في الأماكن التي بدأت فيها بالفعل عمليات التصويت عبر البريد".

انقسام الجمهوريين

وتعرضت آمال مايك جونسون في تمرير قراره لخيبة أمل هذا الأسبوع، بعدما رفض عدد من المشرعين الجمهوريين دعمه، ما دفعه إلى سحب التصويت على المقترح، فيما يستمر في مساعيه لتوحيد البيت الجمهوري في دعم مقترح التمويل المؤقت.

ويرفض جمهوريون معتدلون، بما في ذلك نواب الحزب المعرضون للخطر الذين يواجهون إعادة الانتخاب في مقاطعات تنافسية، دعم معركة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إغلاق حكومي، خصوصاً وأن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ أكد أنه لن يطرح المقترح بصيغته الحالية على التصويت، في حال إقراره من مجلس النواب وإحالته على الشيوخ.

كما يخشى المعتدلون من أن تحميل الجمهوريين مسؤولية الإغلاق قد يدفع الناخبين المتأرجحين في الدوائر الرئيسية إلى معاقبتهم، مما قد يؤدي إلى خسارة الجمهوريين للأغلبية الضعيفة في مجلس النواب.

من جهة أخرى، يعارض المحافظون المتشددون، خاصة في كتلة الحرية، أي مشروع تمويل مؤقت لا يتضمن تخفيضات كبيرة في الإنفاق الحكومي، أو لا يشمل شرط التحقق من جنسية الناخبين. كما يرى هؤلاء الجمهوريون أن أي تسوية مع الديمقراطيين تعد خيانة للقيم المحافظة. يعكس ذلك مواقف شخصيات مثل النائب مات روزيندال، والنائب آندي بيجز، الذين يضغطون من أجل مشاريع قوانين للإنفاق تشمل أولويات المحافظين.

وتزيد مواقف ترمب في تعقيد مهمة جونسون لتوحيد الحزب الجمهوري، بعدما دعا إلى دفع البلاد نحو الإغلاق في حال رفض الديمقراطيون قانون Save act.

الخبير الاستراتيجي الجمهوري فيل كيربن، قال إن موقف ترمب من شأنه أن يدفع عشرات الجمهوريين في مجلس النواب، خصوصاً في تكتل الحرية، إلى اتخاذ مواقف أكثر تطرفاً بشأن أي مقترح لتمويل الحكومة لا يشمل قانون التصويت، وهو ما سيجعل مهمة جونسون في الحصول على كل أصوات الجمهوريين في مجلس النواب أمراً "شبه مستحيل، في ظل رفض المعتدلين الإقدام على هذه المقامرة السياسية قبل الانتخابات".

وأشار إلى أن هذا الوضع يجعل جونسون أمام خيارين، "إما الذهاب نحو إغلاق حكومي في ظل الرفض الديمقراطي لقانون حماية أهلية التصويت، أو الاضطرار للعمل مع الديمقراطيين في مجلس النواب على مقترح جديد يحظى بدعم أصوات كافية من الحزبين لتمريره".

هذا الانقسام داخل البيت الجمهوري، يحاول الديمقراطيون أن يوظفوه سياسياً، بحسب كالفين دارك، الذي يوضح أنهم يأملون في أن يُظهروا أنفسهم كالحزب الموحد والقادر على القيادة، في مقابل ما يصفونه بالجمهوريين المنقسمين والفوضويين.

"الأمور تسير نحو الهاوية"

وأمام قادة الحزبين في الكونجرس أيام قليلة للتوصل إلى اتفاق قبل الموعد النهائي لتمويل الحكومة في 30 سبتمبر الجاري، لتفادي دخول البلاد في إغلاق حكومي، قبل أسابيع من موعد الانتخابات.

الكاتب السياسي، بيتر روف، أن الأمور "تسير نحو الهاوية"، وتوقع أن تتسبب الخلافات في الكابيتول في دخول الولايات المتحدة "في إغلاق حكومي جزئي، قد يدفع الطرفين فيما بعد إلى الاتفاق على خطة تمويل لا تشكل انتصاراً لأي من الحزبين، لكن الجميع سيوافق على تمريرها".

ولفت روف إلى أن "الإغلاق الجزئي قد يدفع إلى إغلاق الحدائق الوطنية والمعالم الوطنية مع إحالة بعض الموظفين الفيدراليين على بطالة تقنية حتى إقرار موازنة جديدة لدفع رواتبهم. لكنه لن يؤثر على عمل الجيش أو تعويضات الضمان الاجتماعي، وتستمر معظم الوظائف الحكومية الأساسية في العمل. لن يكون إغلاقاً كاملاً، لكنه سيضع ضغوطاً كافية على الحزبين من أجل تقديم تنازلات للاتفاق على خطة تمويل حكومية".

وقد يؤثر الإغلاق المطول على ملايين الأميركيين الذين يعتمدون على الخدمات الفيدرالية، من الضمان الاجتماعي إلى رواتب العسكريين. ومع ترقب الانتخابات في نوفمبر، تصبح الصورة العامة للإغلاق الحكومي مقامرة انتخابية. فقد لا يرغب الجمهوريون، خاصة أولئك في الدوائر الانتخابية الضعيفة، في مواجهة الناخبين وسط تداعيات الإغلاق.

يؤكد كالفين دارك على هذه النقطة قائلاً: "لا يريد أي من الطرفين معركة حول هذا الأمر قبل الانتخابات مباشرة. وبالتأكيد لا يريد الجمهوريون ذلك لأنه إذا عرقلوا الأمر، فسيظهرون غير قادرين على القيادة".

ولفت دارك إلى أن كلا الحزبين قد يتفقان على قانون يجنب الدخول في إغلاق حكومي، لأنه "عادة يفضل كل أعضاء مجلس النواب أن يكونوا متواجدين في مقاطعاتهم، وفي التجمعات الانتخابية في مطلع أكتوبر، مع اقتراب موعد الانتخابات. ولن يكون في مصلحة المشرعين من كلا الحزبين التواجد في الكابيتول لخوض معركة سياسية حتى وقت قريب من يوم الاقتراع. هذا يتعارض مع أولويات الجمهوريين في الحفاظ على الأغلبية في مجلس النواب وأولوية الديمقراطيين بالفوز بها". 

ورغم ذلك، قد يرى الجناح اليميني المتشدد في الحزب الجمهوري أن ألم الإغلاق قصير الأمد قد يستحق المكاسب طويلة الأمد إذا نجح في تعزيز التزامهم بالقيم المحافظة، وخفض مستويات الإنفاق وتشديد قواعد التصويت. يقول بيتر روف: "من أجل أسباب مختلفة، يعتقد كلا الحزبين أن الإغلاق الحكومي يخدم مصالحهما. الديمقراطيون يرون أنه يخدمهم، لأنهم يستطيعون إلقاء اللوم على ترمب، بينما يعتقد الجمهوريون أنه يخدمهم، لأنهم يمكنهم إلقاء اللوم على بايدن".

"ترمب فائز في كل الحالات"

الخبير الاستراتيجي الجمهوري فيل كيربن يستبعد الدخول في إغلاق حكومي، مرجحاً أن يتراجع الجمهوريون عن محاولة ربط تمويل الحكومة بقانون التصويت المثير للجدل، في الأمتار الأخيرة من المفاوضات.

واعتبر كيربن أن ترمب سوف يكون فائزاً في كل السيناريوهات، بحيث "إذا اضطر الديمقراطيون للتنازل والموافقة على إدراج قانون التصويت، فإنه سيقول إن الفضل كله يعود إليه. وفي حال فشل ذلك، فإنه سيستخدم ذلك لحشد الناخبين، بالقول إن اليسار الراديكالي لا يريد انتخابات نزيهة، ما قد يحفز قاعدته على المشاركة بكثافة في الانتخابات، قصد منحه فوزاً بفارق كبير لا يمكن تزويره".

كيربن استبعد أن يضغط ترمب بشكل أكبر على جونسون لإدخال البلاد في إغلاق حكومي، قائلاً إنه "يدرك أن ذلك قد يكون عبئاً سياسياً، يضعف موقفهم في فترة ما قبل الانتخابات.

تصنيفات

قصص قد تهمك