تسعى ألمانيا إلى تخطي تداعيات أزمة اقتصادية وسياسية تشهدها البلاد منذ جائحة كورونا، مع تضرر قطاع التصنيع، الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد، بالإضافة إلى صعود اليمين المتطرف المتواصل، وهو ما بات يقلق الحكومة ويهدد الاستثمارات، وفق "بلومبرغ".
وشهدت الانتخابات في ولايتي تورينجيا وساكسونيا بشرق ألمانيا في بداية سبتمبر، ارتفاعاً في الدعم للأحزاب اليمينة، مما وجه ضربة جديدة للائتلاف الحاكم في برلين، وخلق المزيد من عدم اليقين بشأن قدرة ألمانيا لجذب الاستثمار.
وبعد يوم واحد فقط من نتائج الانتخابات، أعلنت شركة "فولكس فاجن"، أكبر شركة لصناعة السيارات في البلاد، بأنها تريد إنهاء اتفاقية عمل عمرها عقود، وربما إغلاق بعض المصانع المحلية بسبب تأخر الطلب، بحسب "بلومبرغ".
كما قامت شركة "بي إم دبليو" BMW بخفض مؤشرات أرباحها للعام بأكمله، وفاجأت شركة "يونيكريديت إس بي إيه" الإيطالية المستثمرين بأخبار تفيد بأنها حصلت على حصة 9% في المقرض الألماني "كوميرزبانك" التابع للحكومة، مما فاجأ برلين أيضاً.
وقالت تانيا جونر، رئيسة مجموعة الضغط الصناعية BDI، في تقرير، إن "ألمانيا تستمر في التخلف عن الركب على المستوى الدولي"، داعية إلى اتخاذ إجراءات فورية لتحسين القدرة التنافسية، وإصلاح الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الصناعة.
وذكرت "بلومبرغ" أن قطاع التصنيع في ألمانيا تضرر بشدة بسبب تضاؤل الطلب من المستهلكين في الصين، التي تمثل وجهة التصدير الرئيسية للسيارات الفاخرة الأنيقة والآلات المتطورة في البلاد. وفي العام الماضي، تسبب ارتفاع التضخم في تضرر الأسر اقتصادياً، وساعد في تغذية صعود أقصى اليمين واليسار.
من بين الشركات المصنعة الأكثر تضرراً من تباطؤ الطلب في الصين "فولكس فاجن"، التي اعتمدت لعقود من الزمن على الدولة الآسيوية كمصدر رئيسي للمبيعات والأرباح. في حين تظل بكين منطقة مبيعات مهمة، تآكلت حصة الشركة خلال السوق في السنوات الأخيرة، بسبب المنافسة الشرسة من المنافسين الصينيين وشركة "تسلا".
كما أدت المنافسة الشرسة مع الصينيين إلى تآكل السوق المحلية لشركة "فولكس فاجن" في أوروبا، حيث لم ينتعش الطلب على السيارات الجديدة إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، وكافحت تشكيلة السيارات الكهربائية للشركة لجذب المشترين.
تضرر صناعة السيارات
وأوضحت "بلومبرغ" أن عدم الكفاءة والتكاليف المرتفعة أدت إلى تفاقم ركود العملاق الصناعي، الذي يعمل به أكثر من 600 ألف شخص في جميع أنحاء العالم، مضيفة أن قرار الحكومة بإنهاء الحوافز لمشتري السيارات الكهربائية بشكل مفاجئ كرّس بالفعل أزمة قطاع التصنيع في ألمانيا.
وأعلنت "فولكس فاجن" نيتها إلغاء اتفاقية العمل التي منعت شركة صناعة السيارات على مدى العقود الثلاثة الماضية من تنفيذ عمليات تسريح قسري للعمال. وقالت أيضاً إنها ستفكر لأول مرة في تاريخها الممتد 87 عاماً، في إغلاق المصانع في ألمانيا.
وأثار الإعلان احتجاجات فورية من جانب النقابات العمالية القوية التي تمارس نفوذاً هائلاً في الشركة. وقد تتحول المفاوضات المقبلة بين الإدارة وممثلي العمال لمحاولة إيجاد طريقة للخروج من الأزمة إلى تجربة مؤلمة لكلا الجانبين.
وقالت أنيتا وولف، خبيرة الصناعة في معهد "إيفو" الألماني، في تقرير، الأسبوع الماضي، إن "الوضع يتدهور بسرعة في مجال صناعة السيارات"، مستشهدة بـ "توقعات متشائمة للغاية للأشهر الستة المقبلة".
ولا تقتصر مشكلات الشركات الألمانية على قطاعها الصناعي الأساسي. فقد فاجأت شركة "يوني كريديت" الإيطالية المستثمرين بإعلانها أنها جمعت حصة بنسبة 9% في "كوميرز بنك"، مما يجعلها ثاني أكبر مساهم في البنك الألماني، وفق "بلومبرغ".
وسيتعين على البنك الإيطالي إيجاد أرضية مشتركة مع أصحاب المصلحة الرئيسيين في ألمانيا، بما في ذلك المسؤولين الحكوميين ومساهمين آخرين وممثلي العمال الذين أعربوا بالفعل عن معارضتهم على أساس أن البنوك القوية هي المفتاح لدعم اقتصاد محلي قوي.
وقال فرانك فيرنيكي، رئيس نقابة العمال فيردي، الأربعاء: "يتعين على وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر الآن أن يتعهد بوضوح تجاه مصالح ألمانيا، وأن يقف ضد الاستيلاء المهدد على كوميرز بنك من قبل يونيكريدي".