الجنس والعرق والعمر.. مفاتيح فهم ديموغرافيا الانتخابات الأميركية

جانب من الحضور  أثناء حديث  المرشح الجمهوري للرئاسة والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في لجنة من مؤتمر الرابطة الوطنية للصحفيين السود (NABJ) في شيكاجو، إلينوي، الولايات المتحدة. 31 يوليو 2024 - Reuters
جانب من الحضور أثناء حديث المرشح الجمهوري للرئاسة والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في لجنة من مؤتمر الرابطة الوطنية للصحفيين السود (NABJ) في شيكاجو، إلينوي، الولايات المتحدة. 31 يوليو 2024 - Reuters
واشنطن-رشا جدة

مع بقاء أقل من شهرين على انتخابات الرئاسة الأميركية، تلعب الديموغرافيا دوراً حاسماً في تحديد النتائج، حيث تؤثر عوامل عدة على توجهات الناخبين واختياراتهم، منها العرق والجنس والعمر للمرشحين الذي يلعب دوراً فاصلاً في هذه السباق الرئاسي بشكل "غير اعتيادي". 

وحال فوز الرئيس السابق دونالد ترمب بالانتخابات في نوفمبر المقبل، سيصبح أكبر من يفوز برئاسة الولايات المتحدة، بعمر 78 عاماً، بينما إذا انتخبت كامالا هاريس، فستكون أول امرأة بشرتها سمراء وآسيوية تفوز بالبيت الأبيض.

ووفقاً لمركز "بيو" للأبحاث، فإن عدداً أكبر من الناخبين قالوا "كون هاريس آسيوية، ومن أصول إفريقية فإن ذلك سيساعدها ذلك أكثر مما يضر". وأضافوا أن "جنس هاريس سيكون بمثابة ميزة أيضاً. أما بالنسبة لترمب، فيعتقد البعض أن جنسه وعرقه سيساعدانه أكثر مما يضرانه بين الناخبين. وعلى النقيض من ذلك، يُنظر إلى عمر ترمب على نطاق واسع باعتباره عبئاً، في حين يُنظر إلى عمر هاريس بشكل إيجابي". 

فئات لم تحسم قرارها بعد 

الاستطلاعات تظهر أن هاريس وترمب متساويان تقريباً في قوة الدعم، حيث يدعمهما حوالي 6 من كل 10 من أنصار كل مرشح بشكل قوي. ويواصل أنصار هاريس دعمها بقوة أكبر مما فعلوا مع الرئيس جو بايدن في وقت سابق من هذا العام، مما يجعل السباق متقارباً بشكل كبير بعد أن كان محسوماً لصالح ترمب عندما كان بايدن على بطاقة الاقتراع. 

وبينما تنقسم الولايات المتحدة بشدة لدرجة أن معرفة الحزب الذي ينتمي إليه الفرد، سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً، يعتبر مؤشراً قوياً على كيفية تصويته، كما قال براد جونز، أستاذ العلوم السياسية والعضو المنتسب لمركز الهجرة العالمية في جامعة "كاليفورنيا ديفيس"، والذي يعتقد أن هناك بعض فئات الجمهوريين والمستقلين "لم يحسموا قراراهم بعد بشأن التصويت لترمب".  

وبرر جونز ذلك في حديثه مع "الشرق"، قائلاً: "رأينا ذلك بوضوح عندما انسحب بايدن من السباق، حيث كان هناك ارتفاعاً فورياً في الدعم لهاريس. السباق الرئاسي قبل دخول هاريس كان يبدو وكأنه نتيجة محسومة بفوز ترمب، لكن الحال لم يعد كذلك الآن". 

الناخبون من أصول إفريقية يدعمون هاريس

ويمثل الناخبون من أصول إفريقية، كتلة ديمقراطية مخلصة بشكل كبير، ويعود هذا في الأساس، إلى توقيع الرئيس الديمقراطي السابق ليندون جونسون، على قوانين الحقوق المدنية في الستينيات.  

ومع ذلك، تراجعت الهوامش الديمقراطية بين هذه الفئة منذ عهد باراك أوباما، الذي مثل ذروة الدعم، ولكن بايدن كان قد حصل على 90% من أصواتها. 

وأرجع جونز فوز بايدن في انتخابات 2020، إلى حد كبير، إلى الإقبال الكبير والدعم العالي بين الأميركيين السود واللاتينيين، وخاصة في ولايات مثل أريزونا، ونيفادا، وبنسلفانيا، وجورجيا. وأكد أنه حال تكرر هذا النمط في عام 2024، فستكون لدى هاريس فرصة جيدة للفوز بالانتخابات. 

ولفت جونز إلى أن دعم الناخبين من أصول إفريقية بدأ يتضاءل عندما كان بايدن مرشحاً ديمقراطياً، لكنه ارتفع مرة أخرى مع هاريس. وأضاف: "الأهم من ذلك، الحماس للتصويت في عام 2024 قد زاد بين الناخبين السود".

وتدعم مقاربة جونز، بيانات مركز "بيو" للأبحاث، حيث أشار تقرير حديث عن المركز، صدر في سبتمبر الجاري، أن الناخبين من أصول إفريقية يواصلون دعم هاريس بأغلبية ساحقة تصل إلى 84%.

وعلى غرار الناخبين من أصول إفريقية، يميل الناخبون من أصول لاتينية وآسيوية، بشكل عام، للحزب الديمقراطي، على الرغم من أنهم ليسوا "مرتبطين" بالحزب بنفس درجة أصحاب البشرة السمراء.

"اللاتينيون كتلة تصويتية غير متجانسة"

ويظهر تقرير "بيو"، أن أغلبية ضئيلة من الناخبين الآسيويين (61%) يدعمون هاريس، كما أن 57% من اللاتينيين يدعمونها أيضاً، في حين تدعم أغلبية الناخبين من أصحاب البشرة البيضاء (56%) ترمب.

وفي عام 2004، أظهرت استطلاعات الرأي أن الرئيس السابق جورج بوش، كان منافساً قوياً بين كل من اللاتينيين والآسيويين، حيث حصل على 44% من كل شريحة، وهو ما شكل دفعة قوية بالنسبة للجمهوريين.

وبالمقارنة مع المرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون، فقد تراجع بايدن في نسبة أصوات الناخبين من أصول لاتينية وآسيوية، على الرغم من أنه بقي قريباً من نسبة 60%.

وأشار جونز إلى أن أنماط التصويت اللاتيني أكثر تعقيداً بعض الشيء من أصحاب الأصول الإفريقية. مشيراً إلى أنه كانت هنالك فرضية بأن اللاتينيين سيدعمون الديمقراطيين بسبب مواقف الحزب من الهجرة، والرعاية الصحية، وما إلى ذلك. 

لكن جونز رفض هذه الفرضية، قائلاً: "ببساطة، اللاتينيون يشكلون كتلة تصويتية غير متجانسة". وأشار إلى أن ما يقرب من 30% من الناخبين اللاتينيين صوتوا لصالح ترمب في 2020، وقال إن "حملة هاريس ستحتاج إلى العمل الجاد، لاستعادة بعض هؤلاء الناخبين. وسيكون التواصل مع المجتمعات اللاتينية أمراً بالغ الأهمية. والافتراض بأن أنماط عام 2020 ستظهر مرة أخرى في 2024، هو افتراض محفوف بالمخاطر. ويبقى الكثير من العمل الذي يجب القيام به إذا كان الديمقراطيين يتوقعون الاحتفاظ بالرئاسة".

الرجال يصوتون للجمهوري.. والنساء متأرجحات

في عام 1980، بدأت "فجوة بين الجنسين" في الظهور، واستمرت منذ ذلك الحين، إذ يميل الرجال إلى "الجمهوري"، فيما تتجه النساء أكثر نحو "الديمقراطي".

ورجحت بيانات "بيو" أن نسبة الرجال الذين يؤيدون ترمب في الانتخابات المقبلة تتجاوز نسبتهم 52%، مقارنة بهاريس 46%، في حين أن العكس صحيح بالنسبة للنساء.

وبينما تملك هاريس ميزة بين النساء، وفق رئيسة برنامج دراسات المرأة والجنس، بجامعة "جورج تاون" ناديا براون، إلا أن المرشحة الديمقراطية تحتاج إلى أن تعمل بجد لتوسيع الفجوة بين الجنسين من خلال كسب تأييد المزيد من النساء البيض الجمهوريات والمستقلات.

وتقلصت الفجوة بين الجنسين في انتخابات 2020، عندما حقق بايدن مكاسب بين الرجال، بينما تحسن أداء ترمب بين النساء. أي أنها كانت أضيق مما كانت عليه في عام 2016، حينما فاز ترمب بتأييد الرجال بفارق 11 نقطة.

وتغلب ترمب على نفسه في انتخابات 2020 بحصد نسبة 44% من أصوات النساء، مقابل حصوله على 39% من أصواتهن في عام 2016.

وتمثلت قوة ترمب في تضييق الفجوة بين الجنسين بحصوله على أصوات النساء البيض، وهي مجموعة تصنف، أحياناً، على أنها تضم ناخبات متأرجحات، وانفصلن بالتساوي تقريباً في عام 2016، بنسبة 47% لترمب مقابل 45% لكلينتون، وفضلنه في عام 2020، بنسبة 53% مقابل 46%. 

لكن يمكن أن يكون لوجود امرأة مثل هاريس في انتخابات 2024، تأثير ملحوظ على الناخبات بشكل عام وذوات البشرة الملونة بشكل خاص، كما قالت براون في حديثها مع "الشرق". مؤكدة أن هذه "منطقة يكتسب فيها التمثيل والهوية أهمية سياسة خاصة".

ولفتت براون، أيضاً، إلى أن تقاطع العرق والجنس يؤثر على سلوك الناخبين، وخاصة بين النساء من الأقليات، وقالت: "تظهر أبحاثي أن النساء ذوات البشرة الملونة، سواء كمجموعة أو في مجموعاتهن العرقية المحددة، لا يستطعن ​​فصل هويتهن العرقية/الجنسية عن عملية صنع القرار السياسي". 

ويؤيد جونز هذه النظرية، مؤكداً أن الجنس والعرق متشابكان بشكل كبير في هذه الانتخابات، ويظهر ذلك بشكل أوضح في قضية الإجهاض.  

وذكر جونز أنه عندما ألغت المحكمة العليا قرار "رو ضد ويد"، كان هناك رد فعل عنيف في ولايات عدة. لافتاً إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالعرق، فمن الواضح أن النساء من الفئات المهمشة، وخاصة السود واللاتينيات، قد تأثرن بشكل غير متناسب بالقوانين التقييدية المتعلقة بالإجهاض التي تم تمريرها في ولايات مثل أريزونا، تكساس، فلوريدا وغيرها.  

وقال جونز إنه من الواضح أن حملة هاريس تدرك ذلك، وركزت على أن قضايا مثل الإجهاض مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعرق، أما بالنسبة لحملة ترمب، "فإن التعليقات المهينة التي أدلى بها ترمب، وخاصة تجاه النساء من الأقليات العرقية، ستبعد العديد من النساء عن الحزب الجمهوري. والتصريحات الأخيرة التي ظهرت لنائب ترمب جي دي فانس، زادت من نفور النساء، وزادت من دعم هاريس والحزب الديمقراطي". 

العمر.. أنماط ثابتة

ورغم التقلبات، يسود في السياسة الأميركية انطباع بأن الناخبين الأصغر سناً يميلون إلى الحزب الديمقراطي، بينما يشكل الناخبون الأكبر سناً كتلة جمهورية.  

وتماشياً مع هذا، حصل ترمب على أصوات كبار السن في ولايات رئيسية بسباق 2020، رغم أن استطلاعات الرأي أفادت باتجاههم للتصويت إلى بايدن. 

وبإحالة هذا التوجه إلى 2024، يُظهر ترمب أداءً أفضل مما هو متوقع مع الناخبين الأصغر سناً، لكن الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة "فيرجينيا"، جون مايلز كولمان، يرى أن هذا قد يكون، أيضاً، مجرد "سراباً". وفي حديثه مع "الشرق" أشار إلى أن هذه الفئات ستحافظ على أنماطها التصويتية المعتادة.  

ورغم أن الناخبين الأصغر سناً سيضطرون إلى العيش لفترة أطول مع العواقب التصويتية، فإن كبار السن يميلون إلى التصويت بمعدلات أعلى بكثير. وأرجع كولمان ذلك، إلى أن الشباب غالباً ما يعيشون حياة مزدحمة، بينما العديد من كبار السن متقاعدون، ويمكنهم التخطيط للتصويت بسهولة أكبر.

في السياق نفسه، تؤكد أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة "ديلاوير"، إيرين كاسيسي، أن الشباب من عمر 18 إلى 29 عاماً، عادةً ما يشاركون في التصويت بمعدلات أقل من الفئات العمرية الأكبر سناً، ومع ذلك أشارت، في حديثها مع "الشرق"، إلى أن معدلات مشاركتهم في التصويت كانت في ازدياد.  

وأضافت كاسيسي أنه في عام 2016، صوت 39% فقط من هذه المجموعة، مقارنة بـ50% في عام 2020. قائلة إنه عادةً ما يصب الإقبال بين الناخبين الشباب في صالح المرشحين الديمقراطيين، مثلما حدث في 2020 حين صوت 61% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا لصالح جو بايدن. 

وتدعم هذه النظرية، أرقام "بيو"، التي ترجح أن يصوت الناخبون الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً لهاريس بنسبة 54%، مقارنة بـ44% لترمب، في حين يدعم الناخبون الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكثر ترمب على هاريس بهامش مماثل (53% مقابل 46%). 

أصحاب التعليم العالي.. ديمقراطيون 

ورجح مركز "بيو" أن الناخبين الذين لا يحملون شهادة جامعية سيصوتون لترمب بنسبة 53% مقابل 44%، بينما تتقدم هاريس بين الناخبين الحاصلين على شهادة جامعية أو أكثر بنسبة 57% مقابل 41%. 

قالت كاسيسي إن البالغين من أصحاب البشرة البيضاء الذين لا يحملون شهادة جامعية، عادة ما يفضلون المرشحين الجمهوريين بواقع 1:2، أما الناخبون الحاصلون على تعليم جامعي، فيميلون إلى دعم المرشحين الديمقراطيين، "خصوصاً النساء الحاصلات على شهادات جامعية". 

وظهرت التفضيلات المتعلقة بمستوى التعليم متقاطعة بوضوح مع العرق في عام 2012، حين صوت الناخبون البيض، بغض النظر عن مستوى تعليمهم، ضد أوباما.

لكن بحلول عام 2020، حصل بايدن على دعم الناخبين البيض من حملة الشهادات الجامعية، لكنه حقق نتائج أسوأ من أوباما بين أصحاب البشرة البيضاء الذين ليس لديهم تعليم جامعي، كما قال كولمان.  

وفسر كولمان ذلك بأن الناخبين الحاصلين على تعليم جامعي يميلون إلى رفض الحزب الجمهوري ذي الطابع الشعبوي، "كما أنهم ينفرون من شخصيته (ترمب)"، مؤكداً أن هذا الانقسام التعليمي يظهر بشكل أكثر وضوحاً بين الناخبين البيض مقارنة بالأعراق الأخرى. 

الدخل.. ترمب يغير المعادلة 

عادة ما يميل الناخبون من ذوي الدخل المنخفض إلى تفضيل الديمقراطيين، باعتبارهم الحزب الذي يدعم سياسات إعادة توزيع الثروة، في حين يميل الناخبون الأكثر ثراءً إلى الجمهوريين، كونه الحزب الذي يفضل خفض الضرائب.  

وبينما لفت كولمان إلى أنه في عهد ترمب، كان هناك نوعاً من "إنهاء الاستقطاب" على أساس الدخل الاقتصادي، حين حقق الديمقراطيون مكاسب بين الناخبين ذوي الدخل المرتفع، وتحوّل الناخبون من الطبقة الدنيا نحو الجمهوريين، فإنه أكد أن النمطية التقليدية لا تزال قائمة إلى حد كبير. 

وفي الوقت ذاته، لفتت كاسيسي إلى أن الأميركيين من ذوي الوضع الاجتماعي الاقتصادي المنخفض أقل احتمالاً بكثير للمشاركة في التصويت من الأميركيين الأكثر امتيازاً. 

وقالت كاسيسي إن العلاقة بين الدخل واختيار المرشح "غير واضحة بعض الشيء"، لأن العديد من الأميركيين يعتبرون أنفسهم جزءً من الطبقة المتوسطة، وحتى عندما يتم تصنيفهم على أنهم من الطبقة العاملة أو الطبقة العليا، وفقاً للمعايير الموضوعية، وأضافت: "الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم من الطبقة العاملة لا يحملون عادة شهادة جامعية".

مناطق حضرية وأخرى ريفية 

ويصوت الناخبون في المناطق الحضرية للديمقراطيين، بينما يدعم الناخبون في المناطق الريفية، على نطاق واسع، الجمهوريين. 

في عهد ترمب، أصبحت المناطق الريفية، التي كانت بالفعل جمهورية، أكثر انحيازاً للجمهوريين، بينما بقيت معظم المناطق الحضرية بشكل عام ديمقراطية.

لكن كولمان كشف أن ما ساعد الديمقراطيين على تعويض خسائرهم في المناطق الريفية، هو أن معظم مقاطعات الضواحي، التي كانت تقليدياً مناطق متأرجحة، قد تحركت لصالحهم، "لهذا السبب تمكن بايدن من الفوز بولايات، مثل جورجيا، وبنسلفانيا في عام 2020". 

وتدعم أرقام "بيو" رأي كولمان، والتي تظهر تحسين بايدن حصة كلينتون من الأصوات بين الناخبين في الضواحي. ففي عام 2020، حصل بايدن على دعم 54% من الأصوات، في حين أيد 45% كلينتون عام 2016.  

وظهر هذا التحول أيضاً بين الناخبين أصحاب البشرة البيضاء، حين فاز ترمب بفارق ضئيل بين هذه الفئة في الضواحي بـ4 نقاط عام 2020، متراجعاً عن نتائجه في 2016، حين فاز بهذه المجموعة بفارق 16 نقطة.

وتظهر التقديرات، أن هاريس تحظى بدعم ساحق من ناخبي بايدن في عام 2020 الذين لم يصوتوا لكلينتون في عام 2016. كما أن هامش هاريس بين هذه المجموعات أضيق إلى حد ما من بين أولئك الذين دعموا كلاً من كلينتون وبايدن نفسه. 

الهجرة الداخلية.. "سلاح ذو حدين" 

كانت ولاية جورجيا معقلاً جمهورياً لفترة طويلة، وبفوز بايدن بها في انتخابات الرئاسة 2020، تحولت الولاية الجنوبية إلى ولاية متأرجحة، وصُنفت على أنها ساحة معركة ساخنة في انتخابات الرئاسة الأميركية المرتقبة خلال نوفمبر المقبل.

ويرجع الفضل في هذا إلى "الهجرة الداخلية". ففي سبعينيات القرن الماضي، تدفق المزيد من الأميركيين ذوي البشرة السمراء إلى جنوب شرقي الولايات المتحدة، وكانت جورجيا معقلاً لهم. وهو ما يفسر ميل الولاية نحو الديمقراطيين في العقدين الماضيين، وتصويتها أخيراً لصالح بايدن. 

وصف الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية، زاك مكيري، الهجرة الداخلية، سياسياً، بـ"السلاح ذي الحدين". وأشار مكيري، في حديثه مع "الشرق"، إلى أنماط الهجرة للأميركيين الذين ينتقلون من الولايات الحمراء إلى الولايات الزرقاء والعكس، وكيف أثرت في تغيير تصويت الولاية.

وفي جورجيا، يقول مكيري، ساعد الناخبون الشباب الذين انتقلوا إلى منطقة مترو أتالانتا خلال العقد الماضي، بايدن على الفوز بالولاية. أما ولاية فيرجينيا، فقد كانت تعتبر "ولاية متأرجحة"، لكنها أصبحت الآن أكثر ديمقراطية بسبب الناخبين الذين انتقلوا إلى منطقة واشنطن العاصمة للعمل في وظائف تدعم الحكومة الفيدرالية.

وأضاف مكيري: "من جهة أخرى، أحد الأسباب التي جعلت فلوريدا ولاية أصعب على الديمقراطيين، هو تدفق المتقاعدين المحافظين إليها، وهذا أيضاً جزء من سبب تعثر الديمقراطيين قليلاً في ولاية نورث كارولاينا". 

العرب والمسلمون 

بشكل عام، لا تؤثر السياسة الخارجية على تصويت الناخبين وتفضيلاتهم في اختيار المرشح الرئاسي. لكن استطلاعاً للرأي أجراه المعهد العربي الأميركي، مؤخراً، كشف أن هاريس ستوسع تقدمها في التصويت على ترمب، إذ اتخذت موقفاً حاسماً يطالب إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات للفلسطينيين.

وشكّلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نقطة تحول في تفضيلات الناخبين المشكلين للائتلاف الديمقراطي الذي فاز به بايدن في عام 2020.

وكشف الاستطلاع الذي ظهرت نتائجه في أوائل سبتمبر، أن نسبة كبيرة من الناخبين (43%) لا يوافقون على الطريقة التي تدير بها إدارة بايدن حرب غزة. وأن هناك خلافات عميقة في وجهات نظر المجموعات الديموغرافية التي تشكل قاعدة كل حزب، حيث الناخبون الأصغر سناً، ومن غير البيض أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين وأكثر انتقاداً لإسرائيل، فيما يؤيد المسيحيون الأكبر سناً من البيض إسرائيل.

وعندما كان بايدن على البطاقة، واجه تراجعاً كبيراً في دعم الناخبين العرب والمسلمين والشباب، كما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "وسط أوكلاهوما" حسام محمد. 

ورجح محمد، في حديثه مع "الشرق"، أن يلعب الدعم العربي والمسلم دوراً رئيسياً في انتخابات 2024، تحديداً، في ولاية ميشيجان التي تضم كتلة عربية تتجاوز 211 ألف شخص، والتي تأثرت بشدة بالحرب في غزة.  

وبينما قال محمد إنه على الرغم من أن العديد من العرب والمسلمين ما زالوا مترددين في إبداء حماس كبير لدعم هاريس، فإنه يعتقد أنهم في النهاية سيصوتون أو ستصوت أغلبية كبيرة منهم لصالح هاريس باعتبارها "الشر الأقل" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. 

وأوضح محمد أن هاريس، تُبدي تعاطفاً أكبر مع الفلسطينيين، وتدعم حل الدولتين "حتى وإن كان بشكل خطابي فقط"، في مقابل ترمب، الذي سيسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية رسمياً والحفاظ على الحكم العسكري في غزة، ومن المرجح أن يتجاهل الأمر، ويدعم محاولات إسرائيل لإخراج الفلسطينيين قسراً أو طواعية من غزة، على حد قوله.

وأكد محمد أن قضية فلسطين، بشكل عام، ليست مهمة بالنسبة للأميركيين ولا تشكل قضية في أي انتخابات، "الاستثناءان الوحيدان، هما في ولاية ميشيجان حيث تصويت العرب والمسلمين، وأيضاً تصويت الناخبين في الولايات المتأرجحة، حيث يزداد التعاطف والدعم للفلسطينيين بينهم". 

تصنيفات

قصص قد تهمك