انسحاب القوات الأميركية من النيجر.. خطوة إفريقية أخرى نحو روسيا؟

مواطنون من النيجر يتجمعون للاحتجاج على الوجود العسكري الأميركي في أغاديز شمال البلاد- 21 أبريل 2024 - Reuters
مواطنون من النيجر يتجمعون للاحتجاج على الوجود العسكري الأميركي في أغاديز شمال البلاد- 21 أبريل 2024 - Reuters
دبي-خديجة حبيب

أعلنت الولايات المتحدة، الاثنين، أنها أكملت المرحلة الأخيرة من سحب قواتها من النيجر، بعد اتفاق سابق مع السلطات في نيامي على خروج آخر ألف جندي أميركي بحلول تاريخ 15 سبتمبر، ليضع هذا الانسحاب حداً لأكبر وجود عسكري أميركي في إفريقيا.

ويأتي الانسحاب الأميركي من النيجر، بناء على طلب المجلس العسكري الحاكم، الذي استولى على السلطة في انقلاب يوليو 2023، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلها مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للحفاظ على القاعدتين الأميركيتين في النيجر، ولكنه انتهى بتوقيع اتفاقية الانسحاب في 19 مايو الماضي.

وكانت القوات الأميركية تتمركز في القاعدة الجوية 201 في مدينة أغاديز، وهي واحدة من مركزين استخدمتهما الولايات المتحدة لعمليات "مكافحة الإرهاب" في النيجر. أما الثانية فهي القاعدة الجوية 101، وهي قاعدة صغيرة للطائرات المسيرة في نيامي، وكانت تتيح لواشنطن مراقبة 3 مناطق حيوية في إفريقيا.

وقال الجيش الأميركي في بيانه، إن آخر قواته غادرت النيجر"، وإن "الانسحاب اكتمل بحلول الموعد النهائي في 15 سبتمبر".

وقالت وزارة الدفاع الأميركية رداً على سؤال لـ"الشرق"، بشأن مصير عملية سحب قواتها المتبقية في النيجر، إن "المرحلة الأولى تمّت بنجاح".

وفي إطار رد الوزارة على "الشرق"، تم إرفاق تصريح لقائد عنصر تنسيق غرب إفريقيا التابع لـ"البنتاجون" والقيادة الأميركية في إفريقيا الجنرال كينيث إيكمان، الذي أكد على أن "الانسحاب الآمن والمنظم والمسؤول للقوات والأصول الأميركية، أصبح ممكناً بفضل تعاوننا الوثيق مع الجيش النيجري لمدة 15 عاماً".

واعتبر إيكمان أن "هذا النجاح، يعكس عمق العلاقات بين نيامي واشنطن".

وقبل انقلاب العام الماضي، كان النيجر شريكاً رئيسياً في الحرب الأميركية ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل في إفريقيا، الذين تسببت هجماتهم في سقوط الآلاف وتشريد الملايين، لكن المجلس العسكري الحاكم طلب من الولايات المتحدة سحب ما يقارب ألفاً من أفرادها العسكريين، ما شكّل تغيراً في الموقف السياسي تجاه الولايات المتحدة.

نهاية أكبر وجود عسكري أميركي

يقول مارك كيميت، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون العسكرية، في تعليقه على نطاق الوجود العسكري الأميركي في إفريقيا، إنه "لطالما كانت الولايات المتحدة تأخذ مسألة الإرهاب في منطقة الساحل بشكل جدي، باعتبار أنها تنظر إلى الدول الإفريقية كشركاء، وحلفاء في مكافحة الإرهاب، عكس الدول الأخرى"، معتبراً أن "موقف الولايات المتحدة لم يتغير يوماً".

وأضاف كيميت في تصريحات لـ"الشرق"، بشأن خسارة القاعدتين الأميركيتين في النيجر، أن "على العالم إدراك أن الحروب المستقبلية لن تعتمد كثيراً على القواعد أو العتاد العسكري، بقدر اعتمادها على آليات حديثة تفوق قدرة تلك الدول التي تتموضع لأخذ مقار عسكرية في إفريقيا، مثل الطائرات ذاتية القيادة، وغيرها"، لافتاً إلى أن "العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا وثيقة".

وسيضع الانسحاب الأميركي من النيجر حداً لأكبر وجود عسكري أميركي في القارة الإفريقية، وذلك ضمن سلسلة انسحابات غربية من منطقة الساحل الإفريقي، في وقت يبدو توجّه الأنظمة الجديدة الحاكمة في القارة الإفريقية نحو روسيا واضحاً، أكثر من أي وقت مضى.

وجاء الانسحاب الأميركي من النيجر، رغم الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي يقول مسؤولون في إدارة بايدن إنهم بذلوها، للحفاظ على القاعدتين الأميركيتين، ودفع النيجر نحو الحكم المدني، إلا أن المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في يوليو 2023، كان له موقف متشدد ضد الوجود الأميركي، حيث أفضت سلسلة من الاجتماعات في واشنطن ونيامي إلى توقيع اتفاقية الانسحاب يوم 19 مايو.

وبحسب تقرير نشره مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الاستراتيجية في يناير 2024، تجري مناقشات لاستخدام مدارج في غانا وساحل العاج وبنين، لتشغيل الطائرات المُسيرة، حيث يُمهّد هذا الانتقال إلى تحول استراتيجي مع تزايد تأثير تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" في المنطقة.

النيجر: لا قاعدة عسكرية للفيلق الروسي

يُنظر إلى الانسحاب الأميركي من النيجر على أنه جزء من اتجاه أوسع نطاقاً في جميع أنحاء القارة الإفريقية، حيث استبدلت الأنظمة العسكرية في منطقة الساحل القوات الغربية، بحلفاء جدد مثل روسيا.

وعلى الرغم من أن انسحاب الولايات المتحدة من النيجر يشبه ما حدث في مالي وبوركينا فاسو من دخول "فاجنر" بعد القوات الأجنبية، إلا أن الباحث في الشؤون الدولية والإفريقية، إدريس آيات، يرى أن الوضع يختلف عندما نقارنه بالنيجر.

وقال آيات في حديث لـ"الشرق"، إنه "على سبيل المثال في حالة مالي، خسرت الدولة ثلثي أراضيها، لصالح حركات التمرد الانفصالية، والثلث الآخر للجماعات الإرهابية، أما في بوركينا فاسو، لم يكن هناك أي وجود للدولة من الأساس".

وتابع الباحث النيجري: "لكن إذا نظرنا إلى الوضع الراهن في النيجر، نجد أن الحكومة تُسيطر على 90% من أراضيها باستثناء الحدود مع مالي، وهي المنطقة التي تتعثر السيطرة عليها"، مشيراً إلى إعلان النيجر عدم تقديم قاعدة، أو محمية عسكرية للفيلق الروسي، وإنما ستُبقي عليهم في القواعد النيجرية حتى السيطرة على حدودها مع مالي، ما يعني أنها ستكون "محدودة المهام".

وفي تعليقه على المخاوف المتزايدة من تصاعد حركات التمرد و"الإرهاب" في الساحل بعد خروج الأميركيين، قال الباحث في الشؤون الإفريقية إدريس آيات، إنها "مخاوف شرعية، وواقعية جداً، وهو ما تؤكده الأرقام التي صدرت نهاية 2023 ومطلع 2024، في حالتي بوركينا فاسو، ومالي، حيث ازدادت العمليات الإرهابية 22%، مقارنة بالفترة التي سبقت خروج القوى الأجنبية".

تحالفات جديدة أم مصالح مشتركة؟

ووفقاً لمدير معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية في جامعة موسكو، الدكتور أليكسي ماسلوف، يمكن فهم قدرة روسيا على إزاحة الحلفاء التقليديين لإفريقيا، مثل فرنسا والولايات المتحدة، بكون بلدان القارة الإفريقية "تعيش موجة جديدة من فهم هويتها السياسية في إطار معارضة الاستعمار الجديد، ومحاولات إيجاد شركاء جدد في النضال من أجل السيادة التكنولوجية والاقتصادية والسياسية".

وقال ماسلوف لـ"الشرق"، إن "موسكو تُقدم نموذجاً مختلفاً تماماً، من حيث التفاعل الناعم مع الدول الإفريقية، على أساس المثل المشتركة، وتتفاعل في المجالات التي تحتاج إليها إفريقيا، بما يشمل المنتجات الغذائية والزراعية (الحبوب في المقام الأول)، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والمكننة الزراعية، والتعاون الأمني والعسكري، فضلاً عن تدريب الأفراد".

وتابع: "بالنسبة لروسيا، فإن توسيع التفاعل مع إفريقيا يُشكل استمراراً لمفهوم التعددية القطبية، إذ تتوحد روسيا ودول القارة حول القيم المشتركة المتمثلة في محاربة الاستعمار الغربي والإمبريالية الجديدة، والدفاع عن السيادة والحق في التصويت على الساحة الدولية".

واعتبر أن "روسيا تعمل على تغيير هيكل شراكاتها بشكل ملحوظ، وزيادة تفاعلاتها مع البلدان التي لم تكن في السابق محور اهتمامها، وتسعى أيضاً لفك عزلتها الدولية، وإشراك البلدان الإفريقية في عمليات التصدير والاستيراد، وإنشاء نظام دفع جدير بالثقة. واليوم، لا تزال تجارة روسيا مع إفريقيا صغيرة نسبياً، حيث بلغت العام الماضي 18 مليار دولار، لكن تجارة الذهب واليورانيوم آخذة في التزايد".

"الفيلق الإفريقي".. وحدة عسكرية روسية

وقال أليكسي ماسلوف إن روسيا عزّزت مؤخراً تعاونها بشكل كبير مع عدد من دول إفريقيا الوسطى، وخاصة في المجال العسكري التقني.

وأضاف: "في إطار هذا التعاون، تم إنشاء الفيلق الإفريقي (Afrika Korps) ضمن وزارة الدفاع الروسية"، مشيراً إلى "وجود وحدة عسكرية روسية أو مستشارون عسكريون في بوركينا فاسو.. كما تم تحديد مالي، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والنيجر بمثابة نقاط رئيسية لتعزيز المصالح الروسية عبر الفيلق".

ولفت ماسلوف إلى أنه "يوجد حالياً نحو ألفي مدرب روسي في جمهورية إفريقيا الوسطى في قاعدة في بيرينجو، على بعد 80 كيلومتراً من العاصمة بانجي، من بينهم متخصصون عسكريون من مختلف التخصصات، إضافة إلى مدربين لوحدات الشرطة والدرك الوطنية. وكما ستخدم أنظمة الدفاع الجوي الروسية في النيجر، ويساعد المدربون الروس الجيش المحلي".

التواجد العسكري الأجنبي بإفريقيا

وجهات النظر بشأن القواعد العسكرية الأجنبية في إفريقيا معقدة ومتعددة الأوجه، مما يعكس التوازن بين المكاسب المتصورة والعيوب المحتملة، لكن الأكاديمي والدبلوماسي النيجري السابق علي تاسع، يعتقد أنه يمكن للقواعد العسكرية الأجنبية أن تجلب "فائدة اقتصادية" للدول المضيفة من خلال تطوير البنية الأساسية، لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن "التواجد العسكري قد يؤدي إلى منافسة بين القوى العالمية على النفوذ، وبالتالي إلى إشعال توتر جيوسياسي في القارة الإفريقية".

وقال تاسع لـ"الشرق"، إن "وجود قواعد أجنبية متعددة على مقربة من بعضها البعض في إفريقيا، وخاصة في المواقع الاستراتيجية، يُمكن أن يخلق احتكاكاً، ويعقد الديناميكيات الإقليمية، ما يعني ضرورة الخلاص من الهيمنة الغربية في القارة".

ورغم اختلاف وجهات النظر حول الانتشار العسكري الأجنبي في إفريقيا، إلا أنه لا يمكن إغفال ما تجنيه بعض دول القارة من ذلك، فعلى سبيل المثال يحصد الجيبوتيون أرباحاً اقتصادية من استضافة المرافق العسكرية الأجنبية، والتي تبلغ 10% من الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي، وتوفر نحو 300 مليون دولار كإيجار.

تصنيفات

قصص قد تهمك