قوات الأمن المغربية تصد "هجوماً جماعياً" على معبر باب سبتة

القوات الأمنية المغربية خلال التواجد على الحدود المغربية الإسبانية في سبته. - AP
القوات الأمنية المغربية خلال التواجد على الحدود المغربية الإسبانية في سبته. - AP
الرباط-أنس عياش

صدت قوات الأمن المغربية، الأحد، هجوماً جماعياً على معبر باب سبتة الخاضعة للإدارة الإسبانية شمال المغرب، نفذه مئات الشباب المرشحين للهجرة غير النظامية.

وشهدت مدينة الفنيدق المغربية المحاذية لسبتة، استنفاراً أمنياً نهاية الأسبوع، إثر دعوات على مواقع التواصل تشجع على الهجرة سباحة نحو سبتة، فيما حاول العشرات اقتحام المعبر البري لمدينة سبتة، بعد تسييج الشريط الساحلي، وتطويقه من قوات الأمن، قبل أن تشهد المنطقة مواجهات بين الشرطة والمهاجرين، نتجت عنها إصابات في صفوف الجانبين.

وأوقفت السلطات المغربية 60 شخصاً على الأقل الأسبوع الماضي من المشتبه بهم في التحريض على محاولة الهجرة الجماعية، كما أجلت المئات، ورحلت بعض الأجانب من تونس والجزائر.

السباحة.. مسار جديد للهجرة

بعدما كانت الهجرة غير النظامية تتم عن طريق اقتحام السياجات الحدودية، أو باستخدام القوارب المطاطية، وفي ظل تشديد السلطات الأمنية مراقبة الحدود على الجانبين المغربي والإسباني، بدأ الشباب الراغبون في العبور نحو سبتة يلجؤون إلى قطع المسافة بين مدينة الفنيدق المحاذية لسبتة سباحة، عبر الساحل الهادئ على المتوسط، خاصة وسط ضباب يتردد بين الفينة والأخرى.

بدأ الأمر قبل نحو 3 سنوات بشكل فردي، وشرع الشباب في قطع نحو 5 كيلومترات على الساحل، في عملية تتطلب ما بين 10 إلى 15 ساعة من السباحة، بحسب ما ذكر محمد بنعيسى، وهو أحد أبناء المنطقة وناشط حقوقي في مجال الهجرة.

وقال بنعيسى لـ"الشرق"، إن ما حدث كان نتيجة "مجموعة من التحولات التي عرفتها ظاهرة الهجرة غير النظامية"، مشيراً إلى أن بعض التجارب التي نجحت في العبور خلال أغسطس الماضي، إذ تمكن العشرات من دخول سبتة، شجعت الشباب على التفكير في التعبئة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لهجوم جماعي "على غرار المحاولات التي قادها من قبل مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء، وتعتمد تشويش انتباه القوات الأمنية"، من خلال الانطلاق من أكثر من نقطة، وهو ما حدث في 15 سبتمبر، حيث تعددت محاولات العبور، انطلاقاً من سواحل الفنيدق أو براً عبر المعبر الحدودي.

وشهدت مدينة الفنيدق الصغيرة والهادئة في شمال المغرب "أكبر إنزال أمني" هذا الأسبوع بحسب رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، حيث أوقفت السلطات المئات بشكل استباقي من خلال الحواجز الأمنية على الطرقات المؤدية لشمال المغرب.

وقادت السلطات عمليات مكثفة لمراقبة المسافرين على متن الحافلات، وسيارات الأجرة على بعد 50 كيلومتراً من الفنيدق، فيما يقدر المرصد عدد الذين تم توقيفهم وإجلاؤهم بنحو 5 آلاف شخص.

واعتبر مدير مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن المقاربة الأمنية "كانت ناجحة إلى حد كبير"، إذ تم احتواء المئات من المرشحين للهجرة غير النظامية، كما وصف تدخل السلطات المغربية بـ"الفعال"، خاصة أن 70% من الشباب كانوا من القاصرين، ما بين 9 و14 سنة.

"قنابل موقوتة"

وأثارت مشاركة المئات من القاصرين في الهجوم الأخير للعبور نحو سبتة، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الأوساط الإعلامية والحقوقية المغربية. فهذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة هجوماً منظماً بهذه القوة، يقوده شباب لا يتجاوز غالبيتهم الـ14 سنة.

الخبير والباحث الجامعي في مجال الهجرة والتنمية الاجتماعية، مصطفى بوحدو، اعتبر في حديث لـ"الشرق"، أن ما حدث كان مرتقباً، بالنظر إلى ما تشهده المدرسة المغربية من هدر (تسرب) على مر السنوات، إذ تشير الإحصاءات إلى أن هناك 380 ألف طفل يغادرون المدرسة سنوياً. ما يعني تراكماً يصل إلى ملايين اليافعين في ظرف بضع سنوات "هم اليوم قنابل موقوتة في الشارع".

وقال بوحدو إن ما يقع اليوم هو "نتيجة فشل السياسات العمومية"، خاصة في الجانب الاقتصادي، التي تعتمد ما يوصف بـ"العقلانية الاقتصادية"، إذ تستهدف الخطط الرفع من الناتج الإجمالي الهام، واحتياطي العملة وغيرها من المستهدفات، في إغفال لعنصر محوري في أن التنمية "ينبغي أن تمر أساساً عبر الإنسان".

الخبير في التنمية الاجتماعية أشار أيضاً إلى أن الدولة تبذل "جهداً مالياً، لكنه لا ينعكس بالأثر المنتظر بسبب الخلل في منهجية إدارة السياسات العمومية وتقييمها"، لافتاً إلى أن الفشل في توفير الوظائف والثروة والتوزيع العادل لها "يدفع إلى أفق مغلق ونظرة سوداوية تجعل الإنسان لا يفرق بين الموت والحياة".

وكانت دراسة رسمية للمندوبية السامية للتخطيط (جهاز الإحصاء في المغرب)، أكدت في 2022 أن هناك أكثر من 1.5 مليون شاب في البلاد ما بين 15 و24 سنة لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين أو تدريب، ويمثل هؤلاء ربع الشباب المغاربة.

فضلاً عن الأسباب التقليدية المرتبطة بالفقر والبطالة، يشير حقوقيون إلى أن "فقدان الثقة" يضاف إلى العناصر التي أنتجت مثل هذه الظاهرة التي نشهد اليوم. وهو الأمر الذي يتفق معه محمد بنعيسى، الذي قال لـ"الشرق"، إن الخطاب الذي يروجه الشباب اليوم تعبير عن "فقدان الأمل في المدرسة، في المجتمع وفي الدولة"، في مقابل عوامل جذب أخرى، هي الصور المتداولة لهؤلاء الذي وصلوا إلى "الفردوس الأوروبي".

تعاون مغربي إسباني

وفي السنوات الأخيرة عزز المغرب وإسبانيا تعاونهما في مواجهة الهجرة غير الشرعية، خاصة بعد تسوية الأزمة الدبلوماسية التي عاشها البلدان في عام 2022.

وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية، فقد منع المغرب في الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية أكثر من 45 ألف شخص من الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.

ولقي التدبير الأمني للهجوم الأخير في سبتمبر إشادة في إسبانيا، إذ أقرت الحكومة الإسبانية بـ"الجهد المهم للغاية" الذي بذله المغرب في وقف دخول المهاجرين إلى سبتة.

واعتبرت أن هذا التعاون "السلس" ضروري بين بلدين يشتركان في الحدود، وهو مهم لمدينة مثل سبتة تقع في موقع استراتيجي.

غير أن نواباً من حزب "فوكس" المعارض لمحوا إلى أن المغرب يستخدم المهاجرين "ورقة ضغط" لانتزاع مكاسب سياسية، كما هو الشأن بالنسبة للنائب خافيير أورتيجا سميث، الذي قال: "إذا دخل المهاجرون غير الشرعيين عبر الحدود مع المغرب، فذلك لأن المغرب يسمح بذلك"، متسائلاً: "هل سيُطلب من سانشيز المزيد من المال؟ هل سيبني محطة أخرى لتحلية المياه؟".

لكن الخبير في شؤون الهجرة مصطفى بوحدو، اعتبر مواقف المعارضة الإسبانية "محض مزايدات سياسية"، مؤكداً أن المغرب لا يمكن أن يقوم بهذا النوع من الممارسات"، ولو كانت الدولة ترغب بذلك بالفعل لما استنفرت قواتها الأمنية لمنع المهاجرين، وأتاحت لهم الوصول.

تصنيفات

قصص قد تهمك