عندما دخل زعيم حزب "العمال" البريطاني كير ستارمر إلى مقر الحكومة في 10 داونينج ستريت، لتسلّم مهامه كرئيس جديد للوزراء في الخامس من يوليو الماضي، كان في استقباله مسؤولون ومساعدون كما جرت العادة، يصفقون له بعد النجاح الباهر الذي حققه حزبه في الانتخابات، وقبل أن تنحرف الكاميرا بعيداً عن المشهد، ظهر للحظة قصيرة رجل نادراً ما يظهر رغم نفوذه الكبير، هو عضو مجلس اللوردات وحيد علي، وفق "بلومبرغ".
وذكرت "بلومبرغ" في تقرير مطوّل، الأربعاء، أنه حتى أسابيع قليلة لم يسمع معظم الشعب البريطاني عن وحيد علي، وهو رجل أعمال في مجال الإعلام يبلغ من العمر 59 عاماً، سبق تكريمه في التسعينيات، يبتعد عن الأضواء، رغم أنه يضطلع "بدور قوي، ولكنه غير محدد" داخل حزب "العمال".
مع ذلك، برز علي في دائرة الضوء بعد فوز حزب "العمال" بالانتخابات العامة عبر سلسلة تقارير إعلامية. ففي البداية كشفت صحيفة "صنداي تايمز" أنه حصل على تصريح أمني لدخول مقر الحكومة، ما أثار تساؤلات بشأن صلاحيات الوصول إلى منفذ السلطة التي يحظى بها المتبرع السياسي.
وبعد ذلك، كشفت "بلومبرغ"، أن رجل الأعمال وحيد علي أسدى المشورة بشأن تعيينات في وظائف عامة مرموقة خلال ترؤسه حملة حزب "العمال" لجمع التبرعات في الانتخابات العامة. والأسبوع الماضي تبين أنه سدد أموالاً لمصمم ملابس زوجة رئيس الوزراء، فيكتوريا ستارمر.
هذا التدقيق أثار تساؤلات محرجة حول ستارمر بشأن مدى السلطة والنفوذ الذي يمكن أن يمارسه أحد كبار المتبرعين، وإمكانية تضارب المصالح، لا سيما فيما يتعلق بإصدار توصيات في التعيينات العامة.
علاوة على ذلك، فإن قبول رئيس وزراء بريطانيا للهدايا فتح الباب أم توجيه اتهامات له بـ"النفاق"، وهو ما ينفيه، بعدما أمضى معظم حياته المهنية في المعارضة ينتقد السجل الأخلاقي للإدارة المحافظة السابقة.
ولم يرد اللورد علي، ومكتب رئيس الوزراء على طلب "بلومبرغ" للتعليق. لكن ستارمر أبلغ الصحافيين بنفسه، الاثنين، أنه "عندما تكون هناك هدايا من أي شخص، فإنه سيلتزم باتباع القواعد".
"اللورد" علي
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن تقريرها يستند إلى محادثات أجرتها بشأن "نفوذ علي" مع أكثر من 10 مشرعين ومساعدين في حزب "العمال"، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشتهم أنشطة داخلية للحزب.
ولفتت إلى أن ما يبرز هو "صورة هذا اللورد كأداة توصيل وتنسيق لحزب العمال، وحلقة وصل مع عالم رجال الأعمال الأثرياء، فضلاً عن كونه مانحاً كبيراً".
وفي حين يدافع أصدقاء علي عنه باعتباره "داعماً يمنح وقته وماله بسخاء" لحزب "العمال"، تساءل آخرون بشأن مدى ملاءمة "المهام الكثيرة التي يضطلع بها" في الحزب الحاكم.
وتبرع علي بأكثر من 575 ألف جنيه إسترليني (نحو 756 ألف دولار) لصالح حزب "العمال" وساسته منذ عام 2020، وفقاً لحسابات "بلومبرغ" باستخدام بيانات واردة من اللجنة الانتخابية، وسجل المصالح المالية لأعضاء البرلمان.
رغم ذلك، فإن الدعم الذي يقدمه علي، وفقا لأشخاص تحدثت معهم "بلومبرغ"، "يمتد إلى أبعد من ذلك"، إذ يستضيف في كثير من الأحيان فعاليات جمع التبرعات لأعضاء البرلمان والمرشحين، إلى جانب حفلات عشاء ودية لمانحين محتملين في منزله في مايفير.
وغالباً ما يكون اللورد حاضراً أيضاً لتقديم الأموال عندما يحتاج سياسي في الحزب إلى "بدلة أو قرض أو حتى إقامة حفل عيد ميلاد"، وكان ستارمر نفسه مستفيداً رئيسياً، إذ سدد علي لرئيس الوزراء ثمن "بدلات ونظارات باهظة الثمن"، وساهم بمبلغ 100 ألف جنيه إسترليني في حملته الناجحة للفوز بقيادة الحزب عام 2020.
والوقت الراهن يجد رئيس الوزراء البريطاني نفسه في "ورطة"، لعدم إفصاحه في البداية عن أن علي قدم مبلغ 5 آلاف جنيه إسترليني قيمة مشتريات ملابس، والاستعانة بمتسوق شخصي لزوجته فيكتوريا، بما يمثل "انتهاكاً" للقواعد البرلمانية، وفق "بلومبرغ".
وقال ستارمر إن فريقه طلب المشورة من "السلطات المعنية" بعد الانتخابات ليقوم بعدها بالإعلان المطلوب.
وتبرّع اللورد علي أيضاً بمبلغ 14 ألف جنيه إسترليني لوزيرة التعليم بريدجيت فيليبسون، لتمكينها من "استضافة مجموعة فعاليات"، قبيل استضافتها حفل عيد ميلادها الأربعين الذي حضره ستارمر وشخصيات كبيرة أخرى في الحزب.
كما نظّم تدشين أنجيلا راينر لحملتها لتصبح نائبة زعيم حزب "العمال"، وقدم تبرعات لدعمها للاضطلاع بأعباء هذا الدور، وسمح لها باستخدام شقته في نيويورك لقضاء عطلة العام الجديد.
كما قدم اللورد البريطاني تبرعات لكل من ديفيد لامي، وويس ستيرنج وإد ميليباند، الذين يشغلون حالياً مناصب وزراء الخارجية والصحة والطاقة على التوالي.
واستفاد ليام كونلون، عضو البرلمان الجديد وابن سو جراي، مديرة مكتب ستارمر، من سخاء اللورد عندما استضاف علي حفل عشاء في أعقاب تعيين جراي، حيث أجلسها إلى جوار رئيس الوزراء السابق توني بلير.
قطب إعلامي
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن بلير هو من عيّن رجل الأعمال وحيد علي في مجلس اللوردات عام 1998، ما جعله آنذاك "أصغر لورد في تاريخ المجلس".
وصنع علي اسمه من خلال المساعدة في إنتاج برامج تلفزيونية من قبيل The Word وBig Breakfast، التي أكسبته شهرة واسعة، وجعلته على دراية العميقة بنبض الشباب البريطاني، بحسب "بلومبرغ".
كما حظيت Planet 24، وهي شركة إنتاج تلفزيوني ساعد علي في تأسيسها مع تشارلي بارسونز ومغني فريق Boomtown Rats السابق بوب جيلدوف، بشهرة عالمية لإنتاجها سلسلة برامج الواقع Survivor.
وسرعان ما أصبح علي رمزاً عمالياً مؤثراً، يستضيف الوزراء في المنازل في كينت ولندن. واحتفل بتعيينه في المجلس في حفل صيفي فخم، ظهرت خلاله سيارات الارتطام وطواويس.
وبعد ربع قرن، في عام 2022، أقام علي حفلاً صيفياً في نفس المنزل، وحضره أعضاء "حكومة الظل" التي كان يرأسها ستارمر، وبينهم ميليباند. وتمتع الضيوف بعرض منطاد الهواء الساخن، والسباحة في المسبح.
وأثارت مواقف علي مقارنات مع مايكل ليفي، وهو عضو آخر في حزب "العمال"، أطلق عليه لقب "اللورد كاشبوينت" في عهد بلير.
وفي حين سعى بلير للحصول على مشورة علي بشأن ما يفكر فيه الشباب، قرر ستارمر أن يستفيد رسمياً من شبكة علي المتوغلة والثرية وذلك، بتعيينه رئيس لجنة جمع التبرعات بحزب "العمال" في الانتخابات العامة عام 2022.
وسرعان ما أصبح علي "حلقة وصل" مهمة وحيوية بين قيادة حزب "العمال" وكبار رجال الأعمال المتحمسين لدعم الحزب.
وعندما رفع المحافظون الحد الأقصى للإنفاق الانتخابي إلى 34 مليون جنيه إسترليني في عام 2023، كان من المتوقع أن تفيد هذه الخطوة الحزب الحاكم آنذاك، ولكن تحت إشراف علي، تجاوز جمع التبرعات لصالح حزب "العمال" خلال الحملة الانتخابية للعام الجاري ما جمعه حزب المحافظين بدرجة كبيرة.
واضطلع علي بدور غير رسمي في الحملة، وكان يحظى بحضور دائم في المقر الرئيسي لحزب "العمال"، ما جعل مراقبون يصفونه بأنه "مرئي تقريباً بنفس درجة بات ماكفادين أو جوناثان آشورث"، وهما وزيران منتخبان في "حكومة الظل"، اضطلعا بدور محوري في الحملة. وكان علي مقرباً من جراي على وجه التحديد، وحضر اجتماعات إعداد حزب "العمال" للحكومة.
"لطيف وسخي"
وفي أوائل عام 2024، اقترح علي إنشاء مشروع يحمل اسم "عملية النزاهة"، لتحديد المرشحين للوظائف العامة التي من المقرر أن تصبح شاغرة. وشملت مشوراته أيضاً تعيينات مجلس الوزراء، حسبما نقلت "بلومبرغ" عن شخص مطلع على الأمر.
وأعرب موظفو حزب "العمال" عن مخاوف تتوافق مع مخاوف بعض الشخصيات القيادية في الحزب، ولكن "أحداً لم يرغب في اتخاذ أي خطوة لنفوذ وسلطة علي"، وفق ما قاله شخص آخر لـ"بلومبرغ".
وأضاف المصدران أنه "من الواضح أن علي تبوأ موقعاً جيداً سمح له بمعرفة المديرين التنفيذيين ورؤساء مجالس الإدارات المحالين للتقاعد، والذين ربما يكونون مناسبين لشغل وظائف عامة".
رغم ذلك، أعرب المصدران عن قلقهما بشأن "الصراع الأخلاقي المحتمل"، و"ما قد يقوله علي للمانحين بشأن التعيينات العامة الوشيكة".
في المقابل، قال مسؤول في 10داونينج ستريت لـ"بلومبرغ"، إن التعيينات تجري وفقاً للمتطلبات، وإن علي لا يقوم بأي دور في ذلك، أو في تشكيل مجلس الوزراء.
وأضاف المسؤول أنه ليس على علم بأي شكاوى قدمت ضد وحيد علي، مشيراً إلى أنه لم يسبق له سماع اسم مشروع "عملية النزاهة".
وينظر كثيرون داخل حزب "العمال" إلى ذلك التدقيق المفاجئ باعتباره "غير منصف"، ويصفون علي بأنه "رجل لطيف لا ينتظر مكافأة مقابل سنوات دعمه للحزب".
في هذا السياق، وصف عضو برلمان يعرف علي منذ عقود الرجل بأنه "سخي ومخلص"، فيما وصفه آخر بأنه "الشخص الأكثر مرحاً في البرلمان".
وقال زعيم عمالي رفيع لـ"بلومبرغ" إن علي "برع في دور مهم وصعب، متحدياً التوقعات بجمع ما يكفي من الأموال لتلبية حدود الإنفاق الخاصة بالحملة، وتجنب الفضائح بشأن مصدر النقود".
وبعد الانتخابات واصل علي عمله مع جراي في الإعداد لحكومة "العمال"، حسبما ذكر أشخاص مطلعون لـ"بلومبرغ". وحصل المليونير العمالي على تصريح من رئيس الوزراء للاضطلاع بـ"عمل انتقالي"، وفق ما أقر به مكتب رئيس الوزراء، مضيفاً أن "العمل انتهى الآن، وتمت إعادة التصريح".
ولكن شخصاً آخر قال لـ"بلومبرغ" إنه رأى علي في داونينج ستريت "الأسبوع الماضي فقط".
واختتمت "بلومبرغ" بالإشارة إلى أن وجود علي كان بمثابة "نعمة دائمة" بالنسبة لستارمر، لكنها حذّرت من أن "التواجد الدائم للورد غير منتخب في قلب السلطة سيثير حتماً سيلاً من التساؤلات بشأن النفوذ الذي يحظى به المانح العمالي الكبير في إدارة شؤون البلاد".