معركة الفاشر.. قتال محتدم وتحذيرات دولية بشأن المدنيين

عائلات سودانية في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان - مصدر الصورة: UNAMID
عائلات سودانية في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان - مصدر الصورة: UNAMID
بورتسودان-أحمد العربي

تحتدم المعارك والاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي البلاد، والتي يسكنها نحو 2 مليون نسمة، وذلك بهدف السيطرة على آخر معاقل الجيش في الإقليم المنكوب، ما يزيد من خطر وقوع الفظائع، ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.

وأعربت الأمم المتحدة، الأربعاء، عن قلقها إزاء تقلص المساحة المدنية، والهجمات بدوافع عرقية وخطاب الكراهية، واستخدام العنف الجنسي كسلاح في الحرب، داعية إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف القتال في الفاشر.

كما حذرت الولايات المتحدة من أن التاريخ يعيد نفسه في دارفور، حيث أن الملايين في الفاشر يعيشون تحت حصار لا هوادة فيه، ويواجهون صعوبات وعنفاً لا يطاق".

وقال مدير عام وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور إبراهيم عبد الله خاطر لـ"الشرق"، إن الطواقم الطبية أحصت ما لا يقل عن 20 جريحاً وسقوط اثنين من سكان الفاشر في موجة جديدة من المواجهات، مؤكداً أن هؤلاء المصابين نجحوا في الوصول إلى المراكز الصحية القليلة التي تواصل العمل في المدينة، فيما لم ينجح آخرون.

وشدد على أن خطر القصف العشوائي لقوات الدعم السريع هو أكثر ما يهدد حياة المدنيين ومرافق المدينة، ويضر بالقطاع الصحي الهش أصلاً.

أهمية استراتيجية وعسكرية

تتمتع الفاشر بأهمية استراتيجية وعسكرية تأتي من موقع ولاية شمال دارفور نفسها، فهي ولاية حدودية تجاور دولتين هما تشاد وليبيا، وتحادد 7 ولايات.

واعتبر الخبير العسكري عمر أرباب في حديث لـ"الشرق"، أن موقع ومساحة الولاية وانفتاحها على الولايات الخاضعة للجيش تضعها في مقدمة أولويات الأطراف المقاتلة.

وأضاف أن الدعم السريع يسعى إلى السيطرة على الفاشر للتحكم في الخطوط الحدودية مع تشاد وليبيا، كما أنها تمثل نقطة انطلاق صوب مناطق سيطرة الجيش، وهو ما يعكس انخراط الحركات المسلحة في القتال إلى جانب الجيش للحفاظ على الفاشر. 

كما شدد أرباب على أن سقوط الفاشر في يد الدعم السريع يضعف حظوظ الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني في أي عملية سياسية مستقبلية، ويرجع ذلك لعدم سيطرتها على أراض أخرى، بالتالي "هذه المعركة هي استراتيجية بالنسبة إليها".

وقال إن الدعم السريع يتفوق في معركة الفاشر من حيث عدد القوات، لكن الجيش يعوض ذلك بسلاح الجو وهو عامل مؤثر في هذه المعركة، مضيفاً أن استمرار المعارك بشكلها الحالي، سيؤثر على إمداد الجيش والحركات المسلحة، ويضيق من مساحة تحركهما، وهو ما يعني سقوط المدينة في يد الدعم السريع.

"معركة الحفاظ على الدولة"

المتحدث باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، والتي تقاتل إلى جانب الجيش، الرائد أحمد حسين، القتال الذي يدور في  الفاشر بأنه "معركة الحفاظ على الدولة والإبقاء عليها موحدة، وإفشال مخططات التقسيم".

وقال حسين لـ"الشرق"، إن قواته تبسط سيطرتها على المدينة، وإن "الدعم السريع يتقدم فقط في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد دمرنا قوته الصلبة، وهو يتواجد حالياً في أطراف المدينة لأغراض النهب والسرقة".

في المقابل، يشير مستشار قائد الدعم السريع أيوب نهار في حديث لـ"الشرق"، إلى أن قواته تقدمت بشكل ملحوظ، وحرّرت عدداً من الأحياء الجنوبية الشرقية، كما سيطرت على المستشفى الجنوبي الذي يبعد 3 كيلومترات من مقر قيادة الجيش، لافتاً إلى أن هذه المعارك شهد سقوط عدد كبير من مقاتلي الحركات المسلحة وضباطها.

وزعم نهار أن الخلافات بين قوات الجيش والحركات المسلحة تسببت في أخطاء، إذ تم قصف مقر الجيش وتجمعاً للحركات المسلحة بواسطة سلاح الجو السوداني.

وتابع: "نحن لا نستهدف المدنيين على الإطلاق، من يستهدفهم هم مرتزقة الحركات ومليشيات الجيش، ومن يسمون أنفسهم المقاومة الشعبية والذين يتخذون المدنيين دروعاً بشرية، لكن الدعم السريع يدافع عن نفسه، وهذا حق مشروع.

خنادق النجاة

لكن بعيداً عن روايات الطرفين المتحاربين، يصف سكان المدينة الوضع بالكارثي، مشيرين إلى أن استمرار القتال يفاقم معاناتهم المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.

يقول مختار وهو أحد المواطنين المتمسكين بالبقاء في المدينة لـ"الشرق"، إن من تمسكوا مثله بعدم مغادرة الفاشر لجؤوا إلى حفر الخنادق داخل بيوتهم، وفي معسكرات النزوح هرباً من القصف المتواصل والمعارك الدامية، مشيراً إلى أن الأسر تختبئ داخل الخنادق إلى حين زوال الخطر، وتوقف المعارك التي نادراً ما تخبو نيرانها.

يمضي مختار بالقول إن الأوضاع المعيشية أصبحت لا تطاق، فعندما تتوفر السلع لا يتوفر المال، وعقب توقف المعارك العنيفة تفتح المحال التجارية بشكل جزئي فقط، مشيراً إلى أن مئات المدنيين نزحوا من المدينة، ولم يتبق سوى أولئك الذين لا يملكون المال اللازم لتغطية تكاليف النزوح.

وذكرت غرفة طوارئ معسكر أبوشوك للنازحين لـ"الشرق"، أنها سجلت وفاة طفلين من المعسكر نتيجة سوء التغذية وانعدام غذاء الأطفال في مركز رعاية الأطفال الوحيد داخل المعسكر، كما أن النازحين يأكلون وجبة واحدة في اليوم بسبب القتال المستمر والحصار.

كما تفتك الملاريا أيضاً بالسكان عقب الأمطار والسيول الأخيرة، والتي هدمت ما يقارب الـ80% من مساكن النازحين في المعسكر.

وبحسب آخر بيانات منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، فإن العنف المسلح المستمر في الفاشر يتسبب في دمار المدينة، ويهدد حياة الآلاف من النازحين والمواطنين.

بينما تغيب الإحصاءات الدقيقة بشأن أعداد المدنيين والضحايا والمصابين بسبب استمرار القتال وارتفاع وتيرته، ما يفاقم من أوضاعهم.

تصنيفات

قصص قد تهمك