قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن إدارة الرئيس جو بايدن منقسمة بشأن التصعيد الإسرائيلي ضد "حزب الله"، وأن مسؤولين كبار في الإدارة يرونه على أنه حملة "قصف متهور"، ستؤدي على الأرجح إلى المزيد من حلقات العنف المميت في المنطقة، فيما يرى آخرون أن التصعيد الإسرائيلي هو "وسيلة فعالة"، لتقليص قدرات الجماعة اللبنانية وإجبارها على التراجع.
وخلال الأسبوعين الماضيين، أدت التفجيرات الإسرائيلية المتعمدة لأجهزة البيجر واللاسلكي في لبنان، وسلسلة من الضربات الجوية التي تكثفت بشدة الاثنين، إلى سقوط المئات من الضحايا في لبنان، بما في ذلك عدد من قيادات "حزب الله".
وقال الرئيس جو بايدن الثلاثاء، أمام الأمم المتحدة، إن حرباً شاملة ليست في مصلحة أحد، وأكد أن الحل الدبلوماسي لا يزال قائماً رغم التصعيد.
ومنذ اندلاع الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل في 8 أكتوبر، الماضي، يحاول مسؤولون أميركيون التوصل إلى حل دبلوماسي ينهي النزاع، ولكن المخاوف تتزايد من أن التصعيد قد يؤدي إلى حرب إقليمية، لا يريدها أحد.
وقال حزب الله إنه سينهي هجمات الصواريخ إذا ما وافقت إسرائيل، على وقف لإطلاق النار في غزة، ولكن إسرائيل أصرت على وقف الهجمات على حدودها الشمالية، ورفضت الربط بين النزاع مع حزب الله والحرب في غزة.
وتريد إسرائيل أن تدفع قوات حزب الله بعيداً عن الحدود وإقامة منطقة عازلة تسمح للنازحين الإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم في الشمال.
"التصعيد لخفض التصعيد"
وأعرب مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية في حديث للصحافيين بنيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة عن نظرة متشائمة بشأن استراتيجية زيادة الضغط العسكري على حزب الله، حتى يتراجع، وهي استراتيجية مثيرة للجدل مفادها "التصعيد لخفض التصعيد".
وقال المسؤول للصحافيين: "لا أذكر، على الأقل في الذاكرة الحديثة، فترة أدى فيها التصعيد إلى خفض كبير للتوتر، والاستقرار لأي وضع".
وفي المقابل، أبدى عدد من مسؤولي الإدارة الأميركية دعماً حذراً لتلك الاستراتيجية لخفض التوتر عبر الضغط على حزب الله، وفق ما ذكر ماثيو ليفيت، وهو خبير في شؤون حزب الله في معهد واشنطن للشرق الأدنى للسياسة، ومسؤول سابق بمكافحة الإرهاب في واشنطن.
وأضاف: "إنهم يسعون جدياً وراء الجهود الدبلوماسية، ولكنهم يرون أن النفوذ اللازم لتحقيق ذلك، يتم عبر التصعيد الإسرائيلي".
واشنطن: لن نهاجم أو نساعد في الهجوم على لبنان
وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة ستعزز دفاعات إسرائيل الجوية، في حالة مواجهتها هجوماً غامراً مثل الذي تعرضت له في 13 أبريل الماضي، من إيران، حين أسقطت القوات الأميركية الصواريخ والمسيرات الإيرانية من البحر.
ولكن المسؤولين أكدوا أنه تحت أي ظروف، فإن الولايات المتحدة لن تساعد إسرائيل في هجماتها على لبنان، أو تطلق النار على لبنان، أو أي دولة أخرى، بما في ذلك إيران، والتي تغاضت عن الهجمات على حزب الله حتى الآن.
وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن سياسة الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، ليست شيكاً مفتوحاً. وأضاف: "أبلغناهم أن دعمنا، ليس مفتوحاً ومن دون شروط".
وتابع: "لا يمكنكم فتح جبهة جديدة، وألا تكون هناك عواقب. وهذه في الواقع، ليست الطريقة الأسرع لإعادة مواطنيكم إلى الحدود الشمالية".
وقال المسؤول: "وزير الدفاع لويد أوستن كان واضحاً بشأن أن فتح جبهة جديدة مع حزب الله في هذا التوقيت، ليس الطريق إلى تهدئة التوترات".
وأشار جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إلى أن واشنطن "لا تعتقد أنه من مصلحة إسرائيل أن يتصاعد هذا الأمر، وأن تكون هناك حرباً شاملة".
وتابع: "بينما لن ننخرط في النزاع نفسه هنا، يمكننا أن نقوم بما يجب علينا، هو ضمان أن إسرائيل يمكنها الدفاع عن نفسها".
ضغط على حزب الله
وقال مسؤول دفاعي كبير ثان إن البنتاجون لم يتلق أي طلبات من إسرائيل، للمساعدة المباشرة منذ أن بدأ التصعيد الأخير مع حزب الله، ولكن المسؤول أشار إلى أن الجيش الأميركي مستعد للمساعدة إذا ما حوصرت دفاعات إسرائيل الجوية.
بدوره، قال مسؤول إسرائيلي إن العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان خلال الأيام الأخيرة، تهدف لـ"إقناع حزب الله بالتفاوض، وليس بدء حرب واسعة. نحن نعتقد أنها قد تجعل حزب الله، يسعى إلى حل دبلوماسي".
وأضاف: "العنصر الرئيسي في هذه الاستراتيجية هو الردع. لن نسمح لحزب الله بأن يجرنا إلى حرب استنزاف. لا نسعى إلى الحرب، ولكننا لم ولا يمكننا أن نبدو وكأننا نخشاها، لأن هذا سيشجع حزب الله على التصعيد"، وفق قوله.
ويتشكك بعض المسؤولين الأميركيين في أن الاستراتيجية ستؤدي إلى نتيجة، وتساءلوا لماذا قد يقرر حزب الله فجأة أن يعكس مساره.
وقال مسؤولون أميركيون إنه من الحماقة الافتراض بأن القصف العنيف، سيجبر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على الخضوع، مضيفاً: "هو يحتاج إلى أن يحفظ ماء وجهه أيضاً".
وقالت "واشنطن بوست" إن حملة التصعيد ضد حزب الله، تزيد من إلحاح نزع فتيل النزاع قبل توسعه.
وأشارت إلى تحذير الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للصحافيين من أن بلاده لم تتدخل، لمنح مساحة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، بين إسرائيل وغزة، ولكن بعض الزعماء يخشون من أن المؤسسة الأمنية في إيران قد تنتفض في نهاية المطاف.
وقال وزير الخارجية النرويجي إيسبين بارث في الأمم المتحدة: "السؤال هو إلى أي مدى يمكن لإسرائيل القتال ضد حزب الله، قبل أن يصبح من المستحيل على الرئيس الإيراني السيطرة على الداخل".