نشرة الإنتربول الحمراء.. ساحة مواجهة جديدة بين حكومة السودان والمعارضة

صورة لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودانية "تقدّم" برئاسة رئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك. 4 أبريل 2024 - Tagadom Facebook
صورة لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودانية "تقدّم" برئاسة رئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك. 4 أبريل 2024 - Tagadom Facebook
بورتسودان -أحمد العربي

قيدت اللجنة الوطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات قوات الدعم السريع في السودان، في أبريل الماضي، بلاغات ضد كل من رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" عبدالله حمدوك، وبعض قيادات التنسيقية، مطالبة إياهم بتسليم أنفسهم خلال أسبوع بغرض محاكمتهم بالتورط في "جرائم حرب".

 وسرعان ما تطور الأمر إلى مطالبة النيابة العامة لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول"، بإصدار نشرة حمراء بحق المتهمين، الأمر الذي جعل التنسيقية تتحرك ضد ذلك.

ويعد من أبرز الملاحقين، القيادي بالتنسيقية والوجه المعارض المعروف، ياسر عرمان، والقيادي بحزب المؤتمر السوداني والوزير السابق، خالد عمر يوسف، وزينب ومريم ابنتا رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، بالإضافة إلى رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، وعضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان، وإعلاميين عرفوا بدفاعهم عن "تقدم" هم شوقي عبدالعظيم، ورشا عوض، وماهر أبو الجوخ.

من الحكم إلى المعارضة

وسبق اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حراك سياسي كثيف لإعلان ميلاد "الاتفاق الإطاري" والذي كان من شأنه أن يعيد "قوى الحرية والتغيير" إلى الحكم مجدداً، عقب الإطاحة بها من قبل المكون العسكري، في إجراءات اتخذها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الحالي عبد الفتاح البرهان، والتي وصفت بـ"الانقلاب"، في أكتوبر 2021.

وعقب اندلاع الحرب في أبريل 2023، تكونت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وتهدف التنسيقية بحسب بيان التأسيس، لتوحيد القوى المدنية وإنهاء الحرب، وتضم التنسيقية أحزاباً ومنظمات مدنية، وناشطون أبرزهم قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق).

وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، قد أعلنت تقديم مذكرة للإنتربول، لرفض طلب النيابة العامة السودانية، بإصدار نشرة حمراء ضد قيادتها، وأبرزهم رئيس التنسيقية عبد الله حمدوك.

واعتبرت التنسيقية في بيان لها، أن "الاتهامات المقدمة من النيابة العامة ذات طابع سياسي كيدي"، بعد أن شملت "اتهامات بتقويض النظام الدستوري”، و"الإبادة الجماعية"، و"التحريض ضد الدولة"، وفقاً لما ذكره البيان.

ودعت "تقدم" المجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، إلى الوقوف ضد أي محاولات لاستغلال النظام القضائي الدولي لأغراض سياسية، وذلك وفق اللجنة القانونية التي تقدمت بالمذكرة بالإنابة عن التنسيقية.

"تصنيف حكومي"

وتصر النيابة العامة السودانية، على تورط قائمة الـ16 في الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. 

وذكر مصدر مطلع في النيابة العامة لـ"الشرق"، بأن النيابة "لديها أدلة تثبت علاقة وثيقة ما بين الدعم السريع وتقدم"، إلا أن المصدر رفض الحديث بشأن الأدلة وطبيعتها، أو كيف أنها "يمكن أن تدين قيادات التنسيقية وبقية القائمة".

وقال: "ستواصل النيابة إجراءاتها القانونية بحق المتهمين حضورياً أو غيابياً".

 

وفي وقت سابق، تحدث النائب العام، الفاتح طيفور، في مقابلة مع تلفزيون السودان الرسمي، وقال إن "النيابة أصدرت مذكرات استرداد بحق 346 متهماً هارباً، من رموز التمرد"، في إشارة لقوات الدعم السريع، وأصدرت نشرة حمراء ضد 16 متهماً ممن سماهم "داعمي التمرد".

واعتبرت زحل الأمين، أستاذة القانون الدولي، في تصريحات لـ"الشرق"، أن لائحة الاتهامات التي أوردتها النيابة العام السودانية، ضد قيادات "تقدم"، تأتي في إطار "التصنيف الحكومي"، إذ يدعي أن المتهمين يدافعون عن الدعم السريع إعلامياً وسياسياً، مضيفة أنه "إذا نظرنا إلى التنسيقية بطريقة منطقية وعقلانية، فإن الشخص الذي يتهم بالإبادة الجماعية، يحتاج إلى أن يكون يحمل سلاحاً لتنفيذ الجريمة، ولكن عندما تقيم هذه الجرائم بواسطة الإنتربول، فإنه ينظر إلى مسائل لم تنظر إليها الحكومة السودانية".

وقال شوقي عبدالعظيم وهو صحافي ورد اسمه في قائمة المتهمين الـ16 في تصريحات لـ"الشرق"، أن "هذه الاتهامات تدعو إلى السخرية، كيف لقوى مدنية ظلت تنادي بإيقاف الحرب أن تُتهم  بالإبادة الجماعية".

وأضاف: "هذه القوى نادت باتفاق سياسي، الاتهام بالإبادة يحتاج إلى سلاح، وأن تكون في الميدان، وكنا نتوقع أن نحظى بدفاع من النائب العام". ويمضي بالقول "تعرضت للاعتقال عقب اندلاع الحرب، وتم حجز أوراقي الثبوتية، وهاتفي الشخصي لشهرين، وتم تسليمهم لي في آخر الأمر، وسألت وقتها ضابطاً من الجيش إن كنت مداناً، فكان الرد بعدم وجود تهمة".

وأشار شوقي، خلال تصريحاته لـ"الشرق" إلى أنه غادر إلى مصر بطريقة قانونية ولم يتم إيقافه، مشدداً على أن هذه التهم "سياسية"، وتأتي "في سياق تجريم المدنيين"، وتابع: "المتشددون ومن يتحدث باسمهم يحاولون أن يشيطنوا القوى المدنية عبر العدالة، وهذا منهجهم في طرد الخصوم السياسيين وهي مسألة إعلانية دعائية لتجريم من يدعون لإيقاف الحرب".

القيادي في تنسيقية "تقدم"، اعتبر في تصريحاته لـ"الشرق" أن هذه الإجراءات "ما هي إلا استمرار لما فعلته حكومة المخلوع عمر البشير وعصابته في مواجهة القوى المدنية والديمقراطية"، وأضاف: "تاريخنا السياسي مليء بمثل هذه الإجراءات (استخدام الأجهزة العدلية لتصفية الخصومات السياسية)، وهو ما يؤكد فساد وعطب هذه المنظومة، مما يتطلب إعادة بنائها أسوةً بالمنظومة الأمنية".

حبر على ورق

وقال رئيس تحرير صحيفة السوداني، عطاف محمد مختار، في تصريحات لـ"الشرق"، إن التاريخ السوداني حافل بأحداث مشابهة لواقعة مخاطبة النيابة العامة للإنتربول، من أجل إصدار نشرة حمراء بخصوص قيادات سياسية، مشيراً إلى أنه سبق وأن ألقي القبض على بعض السياسيين عبر مثل تلك الإجراءات.

وأضاف: "بل وصل الأمر بأن أصدرت محكمة سودانية، قبل 10 سنوات حكماً غيابياً بالإعدام شنقاً حتى الموت على رئيس الحركة الشعبية شمال السودان المتمردة (حينها) مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة الحالي، لكن بمجرد توقيع أي اتفاق سلام، تصبح هذه الأحكام حبراً على ورق".

وضرب مختار مثلاً بمؤسس الحركة الشعبية، جون قرنق، والذي حارب الدولة السودانية طوال عقدين، مشيراً إلى أنه "في نهاية الأمر دخل القصر الجمهوري نائباً أول لرئيس الجمهورية"، كما أشار إلى مناوي الذي "تمرد مرتين"، وأضاف: "بعد التمرد الأول دخل القصر مساعداً لرئيس الجمهورية، وبعد التمرد الثاني الآن حاكماً لدارفور"، و"اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي تمرد على الدولة، وهدد بتفجير أنابيب النفط، وصار عقبها مساعداً لرئيس الجمهورية".

وتابع: "حميدتي، نفسه تمرد على البشير، عقب ذلك جعله قائداً للدعم السريع، وشرع له قانوناً حتى ابتلع الدولة، وأصبح أيضاً نائباً لرئيس مجلس السيادة، وليس ببعيد أن تجد قادة تقدم على رأس الدولة مرة أخرى"، معتبراً أن "كل من يتمرد في السودان يتم ترقيته".

ويرى مراقبون أن الخطوة الحكومية بشأن تنسيقية "تقدم" يمكن أن تؤثر بشكل أو بآخر على قاعدة "تقدم" الشعبية، وهو ما ظلت تراهن عليه عقب ثورة ديسمبر 2019.

تصنيفات

قصص قد تهمك